بعد غياب طويل عن الساحة السياسية، عاد العميد المنشق عن النظام السوري مناف طلاس، نجل وزير الدفاع الأسبق في جيش النظام العماد مصطفى طلاس، بمشروع أطلق عليه "حركة التحرر الوطني"، يقضي بتوحيد جميع القوى الوطنية السورية العسكرية والمدنية المعارضة تحت قيادة واحدة.
ووفق إعلان العميد المنشق من مقر إقامته في باريس، فإنّ المشروع جاء من أجل "ضبط التحرك السياسي والعسكري في إطار واحد، ونزع السلاح المنفلت وتأطيره في خدمة المجلس العسكري الانتقالي ومشروع التحرر الوطني".
طلاس الذي عاد عن تصريحات بأنّ القضية السورية باتت خارجة عن إرادة الشعب السوري وفي أيدي الدول الإقليمية والكبرى المتحكمة بأحداث ومصير سورية، قال إنّ "المجلس العسكري" (المجهول لحد الآن) "انبثق من إرادة السوريين ولن يكون إلا مشروعاً وطنياً بعيداً عن أشكال الارتباط والوصاية".
و"المجلس العسكري" هو تجمع لضباط منشقين عن النظام أسسه مناف طلاس، وليس لديه قوة عسكرية على الأرض.
وأضاف طلاس أن جميع الدول المتفقة على تنفيذ القرار الأممي 2254 ستساهم في دعم "حركة التحرر الوطني وضبط السلاح المنفلت في سورية".
وقبل أيام من هذه المبادرة، استضافت باريس مؤتمراً لمنظمات المجتمع المدني دعا إليه رجل الأعمال السوري- البريطاني أيمن الأصفري، وأطلق خلاله مبادرة "مدنية" تحت شعار "الأحقية السياسية للفضاء المدني السوري".
ورأى الأصفري أنّ هناك ضرورة أساسية لمبادرة "مدنية"، قائلاً: "المجتمع المدني مغيب تماماً ومبعد عن العملية السياسية".
وفيما أجمع طلاس والأصفري على موقف معارضة التطبيع مع النظام السوري، وأنهما لا يتطلعان إلى دور سياسي في مستقبل سورية أو "مصالح شخصية"، ربطت تحليلات سياسية بين المبادرتين خصوصاً أنهما انطلقتا من مكان واحد وفي زمن متقارب وأخذتا المنحيين العسكري والمدني السياسي.
وفي خضم هذا الحراك غير واضح المعالم، يقلل السوريون في الداخل من آمالهم بنجاح هكذا تحركات، وإن أبدوا بصيص أمل.
ويرى الناشط السياسي المعارض عماد رافع، في حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، أنّ "حالة اليأس التي يمر بها الشعب السوري أبعدته عن التفاعل أو متابعة ما يصدر من مبادرات، وقد ساهمت نتائج قوى المعارضة الخارجية خلال السنوات الماضية بإحباط المواطن إلى حد وصوله لعدم الاهتمام"، مضيفاً أنّ ما تبقى من نخب سورية "انقسم بين رافض لأي مبادرة يحملها نجل مصطفى طلاس وصديق (رئيس النظام السوري) بشار الأسد، وبين فئة تتمنى الخلاص بأي شكل وطريقة".
واعتبر رافع التزامن بين مبادرتي الأصفري وطلاس "مدروساً بعناية من الدول الأوربية وبريطانيا وأميركا". وقال: "لم يبادر الرجلان لولا الحصول على الدعم المناسب لعمل شيء على الصعيد السوري في القريب".
وأوضح أنه "لا يمكن التفريق بين المبادرتين والحراك العربي والإقليمي وزيارة ولي العهد السعودي (محمد بن سلمان) إلى فرنسا".
وكان لروسيا وإيران دور حاسم في إحباط الثورة السورية عام 2011 وتشريد ملايين المدنيين، عندما قادتا حملة قمعية عنيفة ضد المطالبين بإسقاط الأسد.
واعتبر رافع أنّ انهماك روسيا في الحرب مع أوكرانيا، وإيران بمفاوضات التسلح النووي والاتفاقيات مع السعودية، ساهم في وضع القضية السورية ضمن موقع الأولويات الدولية.
وفي ظل تشتت المعارضة السورية بعد سنوات من الحرب، قال رافع إنّ "كل السوريين يعرفون مناف طلاس وينقسمون في الرأي حوله بين مؤيد ومعارض، لكن غالبيتهم لم يسمعوا باسم أيمن الأصفري قبل الآن".
وأضاف: "البعض يدعي أنه رجل أعمال بريطاني من أصل سوري وتربطه علاقة مع آل الأخرس وبشار الأسد، فيما يدعي آخرون أن هذه العلاقة لم تكن سوى نتيجة المصلحة التي يلجأ لها كل رجل أعمال سوري لتسيير مشاريعه الاقتصادية".
وشكلت عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية وإعادة دول عربية علاقاتها معه، ضربة للحلم السوري المنشود في تحقيق هدف الثورة. وبددت آمالهم في نجاح أي إطار معارض جديد في قيادتهم نحو الخلاص من النظام.
وقالت الإعلامية الناشطة في دمشق باسم "بصمة وفا" (اسم مستعار) لـ"العربي الجديد": لقد استطاع النظام السوري وبالتخاذل مع دول العالم إيصال الشعب السوري في الداخل وفي الشتات إلى مرحلة من اليأس.. لم يعد يستجدي منها إلا الخلاص كيفما كان، فلا أمل ولا ثقة بأي مشروع يُطرح إذا لم نلمس نتائج على الأرض".
وبحسب الناشطة، لا يمكن التعويل على معظم السوريين في الداخل بأي حراك تحرري في المدى المنظور، معتبرة أن النظام استطاع "تدجينه بالمطلق".
وقالت: "من يحكم سورية حالياً هي عصابات على شاكلة النظام الحاكم المستقوي بإيران وحزب الله اللبناني وروسيا، ومشروع طلاس يبدأ من سحب السلاح المُنفلت دون معرفة رأيه بسلاح النظام هل هو منفلت أم نظامي، ومن أين يبدأ ومن يدعمه وهل هي حرب تحرير أم اتفاق مع النظام؟".
وتضيف الناشطة أنّ "أسئلة كثيرة تحتاج إجابة لكسب الثقة والموقف وتحريك الركود الكبير الحاصل في الشارع السوري".
وقالت: إذا نظرنا لمشروع طلاس كحركة تحرر عسكرية كيف ننظر لمشروع الأصفري كحراك مدني وهل نبرئه من العمل السياسي؟".
ويشكك سوريون عموماً بمساعي طلاس بالرجوع إلى خلفية الرجل، فالتحفظات على تاريخ العائلة والثروة الطائلة التي ورثها عن والده، تدفع البعض للاعتقاد بأن الوصول إلى حل للمأساة السورية لن يكون بغير طريقين، إما الاتفاق مع النظام الحاكم أو العمل العسكري الخارجي.
وفي حديث لـ"العربي الجديد"، يقول الضابط المتقاعد من جيش النظام "ر.ع" مفضلاً عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية كونه موجودا في مناطق النظام، إن مبادرة "حركة التحرر الوطني" تتجه إلى مصير "المجلس العسكري" -الذي لم يجد له مكاناً على الأرض-، ما لم تتبنه الدول المعنية بالقضية السورية، مضيفاً أنّ هذا الأمر لن يحصل "قبل حدث عسكري على الأرض السورية، وبالذات في مناطق الجنوب السوري حيث يتواجد ثلث الجيش الأردني على الحدود، أو الشمال السوري حيث الجيش التركي والأميركي".
وتابع: "فيما عدا هذا فإنّ اتفاقاً مع النظام لن يكون سوى إعطاء فرصة له وحياة جديدة، وبالتالي في نظر السوريين خيانة كبرى من إحدى الجهات التي تدعي المعارضة".