شهدت الساحة السودانية في الفترة الأخيرة أكثر من موقف صدر عن مسؤولي المؤسسة العسكرية، فسّره بعض المراقبين كدلالة على وجود خلافات بين أركان هذه المؤسسة.
وخلال احتفالات الجيش بذكرى "معركة كرري"، الثلاثاء الماضي، وجّه رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، رسالة لمن أسماهم بـ"الذين يسعون إلى تفكيك المؤسسة العسكرية"، قائلاً: "لن يستطيعوا تفكيكها، ومن يعمل على الوقيعة بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان واهم"، لافتاً إلى أن السودان "يتعرض لاستهداف كبير". وأشار إلى أن خروجه من العمل السياسي "لا يعني السماح بمهاجمة المؤسسة العسكرية السودانية".
زار وفد مصري من جهاز المخابرات العامة الخرطوم للقاء أطراف الأزمة
تبع ذلك قول مستشار البرهان، العميد الطاهر أبو هاجة، إن السودان، شعبه وأرضه، أمنه وفترته الانتقالية، أمانة في عنق البرهان، مضيفاً إن "هذه الأمانة لن تُسلّم إلا لمن يختاره الشعب السوداني، ولا مجال لحكم الفترة الانتقالية بوضع اليد، والفهلوة السياسية". وأكد، في تصريح نشرته وكالة الأنباء السودانية "سونا" أمس السبت، أن "القوات المسلحة مسؤولة بنص قانونها ودستور البلاد عن حماية أمن واستقرار هذا البلد، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً".
وأضاف: "نحن ملتزمون بخروج المؤسسة العسكرية من العمل السياسي، وهذا أمر ذكره القائد العام منذ 4 يوليو/تموز الماضي، وملتزمون أيضاً بأن تكون حكومة ما تبقّى من المرحلة الانتقالية حكومة كفاءات وطنية مستقلة غير حزبية، ولا تخضع لأي محاصصات، وملتزمون بأن يكون ذلك بالتوافق بين جميع القوى السياسية. فنحن لن نسلم السلطة إلا لحكومة متوافق عليها من كل السودانيين، أو حكومة منتخبة".
جاء ذلك بعدما كان نائب رئيس مجلس السيادة، قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (المعروف بحميدتي)، قد أعلن التزامه الصارم بتعهداته السابقة بخروج المؤسسة العسكرية من المشهد السياسي.
وكشف، في تصريح له الجمعة الماضي، عن عقده اجتماعاً يوم الخميس مع البرهان، جدّدا خلاله التزامهما السابق بخروج المؤسسة العسكرية من السلطة وترك أمر الحكم للمدنيين. وأشار إلى أن الاجتماع أقر بشكل قاطع بأن يتولى المدنيون اختيار رئيسي مجلس سيادة ووزراء مدنيين.
تحركات مصرية تجاه السودان
وفي سياق متصل، كشف دبلوماسي سوداني في القاهرة، لـ"العربي الجديد"، عن "تحركات مصرية جرت أخيراً" تجاه السودان، موضحاً أن "وفداً مصرياً رفيع المستوى من جهاز المخابرات العامة، زار الخرطوم أخيراً للقاء أطراف الأزمة".
وبحسب الدبلوماسي، فإن المسؤولين في مصر "قدّموا وعوداً للبرهان، بالتدخّل لدى المسؤولين في إحدى الدول الخليجية من أجل الضغط على حميدتي، من أجل الوصول إلى صيغة توافق لتهدئة الصراع بينه وبين المؤسسة العسكرية الرسمية في السودان".
وأضاف أن البرهان "كان قد أطلع المسؤولين في القاهرة على خطورة الوضع في السودان، والذي بدأ يطاول المؤسسة العسكرية. وأبلغ الجانب المصري بمخاوفه من تحركات يقوم بها أكثر من طرف لإضعاف المؤسسة العسكرية لصالح حميدتي".
وأشار الدبلوماسي إلى أن البرهان "كان قد أوفد أحد مساعديه أخيراً إلى القاهرة، ليُطلع المسؤولين المصريين على خطورة الوضع، والذي أكد بدوره أن هناك محاولات من أطراف محسوبة على النظام القديم، تسعى لاختراق المؤسسة العسكرية من الداخل، بخلاف محاولات يقودها أشخاص مقربون من حميدتي، بهدف إحداث انشقاقات، لإضعاف القوات المسلحة".
محاولة لتهدئة مخاوف السياسيين السودانيين
وأوضح الدبلوماسي السوداني، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، أن "الوفد المصري الذي زار الخرطوم أخيراً، تركزت جهوده على تهدئة المخاوف لدى الأطراف السياسية بشأن إمكانية إعلان البرهان إجراء أحادياً من جانبه بتسمية حكومة جديدة، في ظل حالة الانسداد الحالية"، قائلاً إن "مهمة الوفد المصري هذه المرة أقرب إلى الوساطة".
مصر تلعب دوراً تنسيقياً مع السعودية والإمارات، من أجل عدم تطور الأحداث في السودان
وفي الثامن من أغسطس/آب الماضي، دعت اللجنة المؤقتة لنقابة المحامين، معظم الأطراف ذات الثقل في المشهد السوداني إلى ورشة، حضرها أيضاً ممثلو السفارات الغربية والولايات المتحدة والأمم المتحدة علاوة على سفراء الإمارات والسعودية وغيرهما. كما شارك فيها قادة الحركات المسلحة وممثلون عن أحزاب تحالفت مع نظام الرئيس المعزول عمر البشير، في محاولة لتوسيع قاعدة المشاركة، بما يتلافى أخطاء الحكومة السابقة برئاسة عبد الله حمدوك، والتي أقصت أطرافاً كانت جزءاً من نظام البشير الذي أطيح به في إبريل/نيسان 2019.
جهود مصرية مغلفة بحملة مساعدات
وأوضح الدبلوماسي السوداني أن القاهرة "غلفت جهودها الأخيرة بحملة المساعدات الإنسانية التي دفعت بها إلى السودان من أجل تأكيد مساعيها الرامية إلى مصالح السودانيين، وكذلك التأكيد على المصير المشترك".
وفي الخامس من سبتمبر/أيلول الحالي، سيّرت مصر جسراً برياً يحتوي على مواد غذائية وأدوية ومساعدات إنسانية وطبية بإجمالي 90 شاحنة نقل إلى السودان.
وبحسب الدبلوماسي، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإنه "إلى جوار مسار الوساطة التي تقوم بها القاهرة بين أطراف في المعارضة والمؤسسة العسكرية، هناك مسار آخر تتشارك فيه القاهرة مع السعودية، بهدف الحفاظ على توفير بعض المدفوعات والإمدادات العاجلة من الطاقة والغذاء، في ظل حالة التردي الاقتصادي التي تخيم على السودان، لمنع اندلاع أزمة أكبر".
وأوضح أن مصر "تلعب دوراً تنسيقياً مع السعودية والإمارات، من أجل عدم تطور الأحداث في السودان، في ظل حجم التأثير الكبير للأطراف الخليجية في المشهد هناك، عبر شركاء محليين لهم".
كما كشف عن أن "هناك لقاءات ضمن مسار ثالث بين المسؤولين في كل من القاهرة والخرطوم، متعلق بأزمة سد النهضة الإثيوبي، لصياغة موقف موحّد، يكون جاهزاً في حال انعقدت القمة العربية المقررة في الجزائر في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل".
وأشار إلى أن "هناك تنسيقاً مصرياً سودانياً من أجل الخروج بموقف عربي أكثر وضوحاً خلال القمة المقبلة، يؤكد على إدانة إثيوبيا، ليضع القوى العربية التي تتعاون معها أمام مسؤوليتها".