- الإجراءات الأمريكية ضد إسرائيل بدت متأخرة وغير كافية، مما أثار شكوكًا حول جدية الولايات المتحدة في كبح جماح نتنياهو، رغم بعض التراجعات المحدودة من جانب إسرائيل.
- النقاش حول استخدام النفوذ الأمريكي لتغيير سلوك إسرائيل يكتسب زخمًا، مع دعوات داخل الكونغرس لوضع شروط على استخدام الأسلحة الأمريكية، مما يعكس قلقًا متزايدًا بشأن العمليات العسكرية الإسرائيلية.
حاولت الإدارة الأميركية في الأيام القليلة الماضية تصنيف "التحذير شديد اللهجة" الذي وجّهه البيت الأبيض، الأسبوع الماضي، إلى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، في خانة التحول النوعي في تعامل الرئيس جو بايدن مع هذا الأخير بشأن حرب غزة. فقد تم تقديم لغة مكالمة بايدن في 4 إبريل/نيسان مع نتنياهو، على أنها تعبير عن عزمه على كبح جماح هذا الأخير، بعد الضجة العارمة التي أحدثها مقتل سبعة من عمال "المطبخ الدولي" للإغاثة في غزة على يد القوات الإسرائيلية.
لكن الإدارة لم تنجح في تسويق موقف الرئيس بهذه الصورة المبالغ فيها. صحيح أن مخاطبته لنتنياهو بصورة مختلفة هذه المرة كانت مردودها ملموسا نسبيا، لكنها جاءت متأخرة ومنقوصة، وفي أحسن أحوالها ملتبسة وغامضة. وما انتزعه من تراجع محدود في مسائل فتح المعابر وحماية المدنيين وعمال الإغاثة بعد أن سقط منهم حوالي 200، واحتمالات وقف النار (المتوقع التوصل إليه في القاهرة)، كلها مهددة بالارتداد عليه لاحقا من خلال ذرائع أمنية. خاصة وأن نتنياهو يدرك من السوابق أن بايدن ليس في وارد محاسبته لو تملّص من وعوده.
وما يعزز الشكوك في جدية العزم على كبح نتنياهو، أن الرئيس لم يكن ليهز العصا ولو من باب التهويل، لولا حاجته إلى احتواء موجة الاحتجاج على عملية "المطبخ الدولي"، وتنفيس انعكاساتها السلبية على حملته الانتخابية المكتوية أصلاً بنار حرب غزة. وهو لم يبادر إلا في اليوم الثالث بعد الحادثة وبعد أن تبين أن مضاعفاتها مرشحة للتفاعل.
ما يعزز الشكوك في جدية العزم على كبح نتنياهو، أن بايدن لم يكن ليهز العصا ولو من باب التهويل، لولا حاجته إلى احتواء موجة الاحتجاج على عملية "المطبخ الدولي"
وفي الواقع هذا ما حصل، سواء على صعيد الرأي العام الذي فاضت وسائل التواصل باحتجاجاته، أو على الصعيد الإعلامي المتوالية متابعاته وتسليط أضوائه على مشهدية مقتل العمال. وكذلك الأمر على صعيد الكونغرس، إذ سارعت مجموعة من حوالي 37 من أعضائه، من بينهم نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب السابقة والمقرّبة من بايدن، إلى مطالبة الرئيس ليس فقط بوضع شروط على استعمال الأسلحة الأميركية التي يجري تزويد إسرائيل بها، بل أيضاً مطالبته "بوقف" تسليمها لها حتى إشعار آخر. وكان هذا التوجه قد بدأ يتبلور في الآونة الأخيرة مع تزايد حجم الإبادة واستفحال حرب التجويع. ثم جاءت عملية الأسبوع الماضي لتعطيه دفعة إضافية تساهم في إدخال موضوع تسليح إسرائيل إلى دائرة التداول السياسي، خاصة في الكونغرس، كما لم يكن عليه من ذي قبل.
ومن المآخذ على تحذيرات الرئيس لنتنياهو أنها جاءت من دون تحديد واضح لعواقب عدم التزام إسرائيل بها، وبما جعلها أقرب إلى التهديد الأجوف، كما رآها السناتور الديمقراطي كريس فان هولين، في تعليقه اليوم الأحد على الموضوع. ويشاركه في ذلك كثير من المراقبين والمتابعين الذين رأوا في تحرك البيت الأبيض خطوة شكلية أكثر منها نوعية. فقد كان الأحرى بالبيت الأبيض "أن يقوم بتوظيف نفوذه المعروف لتشذيب سلوك إسرائيل"، حسب تعبير السفير السابق مارتن انديك، لا الاكتفاء بالتهويل ووضع إسرائيل في فترة تجربة لاستبيان مدى التزامها بوعودها.
البديل الأضمن، كما كشفته ظروف مشابهة سابقاً، يتمثل في استخدام ورقة المساعدات التي لا تقوى إسرائيل على الدخول في أي مواجهة بدونها. التمادي في الانتهاكات المتزايدة والفاقعة، كان عبارة عن تحصيل حاصل لتهاون واشنطن مع حكومة نتنياهو وحلها العسكري الذي "لا يؤدي الاعتماد عليه وحده" إلى مخرج، كما حذر العديد من العسكريين والدبلوماسيين من البداية، على رأسهم المخضرم ريتشارد هاس. لكن عملية الأسبوع الماضي لم يكن بمقدور بايدن تحمّلها. فكان لا بدّ من رفع الصوت والإسراع في احتواء الأمر بالتنسيق، على ما بدا، مع الحكومة الإسرائيلية التي سارعت بناء على طلب بايدن إلى إخراج مسرحية تحقيق في الحادثة كشفت عن نتائجه في اليوم التالي لحديث بايدن مع نتنياهو، بعد أن كانت قد تحدثت عن حاجتها إلى عدة أسابيع للانتهاء منه.
وكان من اللافت أن مسؤولي الإدارة المعنيين (وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الرئيس جيك سوليفان ووزير الدفاع لويد أوستن) غابوا اليوم عن برامج جردة أحداث الأسبوع، خلافا للعادة في ظروف من هذا النوع، واقتصر حضور الإدارة على جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، والذي حاول تدوير زوايا "التشدد" المستجد مع نتنياهو، مع الوعد بأن الإدارة ما زالت تدرس "التحقيق" الإسرائيلي الذي نسفته شهادة مؤسس "المطبخ" هوزيه اندرياس، الذي كاد أن يؤكد في مقابلاته اليوم الأحد، بأن اغتيال عماله كان متعمدا وأن القوات الإسرائيلية طالما طاردت عمال الإغاثة بنيرانها.