تُمثّل مهمة تحديد الهوية الحقيقية لزعيم تنظيم "داعش" الجديد، أبو الحسن الهاشمي القرشي، أولوية قصوى لأجهزة الأمن والاستخبارات العراقية منذ أيام. إذ يؤكد عدد من المسؤولين في بغداد وأربيل أن ما يملكونه من معلومات لن يُمكّنهم، على الأقل خلال الفترة الحالية، من حسم مسألة هوية الشخص الجديد الذي بات مسؤولاً عن التنظيم، باستثناء كونه عراقياً أولاً، إضافة إلى حصر الشكوك بشخصيات عدة محددة ما زالت طليقة، ويُتوقع وجود أغلبها داخل الأراضي السورية.
وتواصل قوات الأمن العراقية منذ أيام عدة عمليات ناجحة في تعقب خلايا وجيوب التنظيم في مناطق حمرين وجبال قره جوخ شمالي البلاد وصحراء الأنبار المحاذية للحدود السورية غربي بغداد، بغطاء من سلاح الجو العراقي الذي نفذ ضربات عدة في الفترة الأخيرة أوقعت العديد من عناصر التنظيم.
ويؤكد مسؤولون في الجيش أن الهدف من تكثيف العمليات الحالية هو إفشال أي محاولات لتنفيذ اعتداءات لوّح بها تنظيم "داعش"، رداً على مقتل زعيمه عبد الله قرداش، والمعروف أيضاً باسم أبو إبراهيم القرشي، في فبراير/ شباط الماضي.
والأسبوع الماضي، أصدرت مؤسسة "الفرقان"، الذراع الإعلامية لتنظيم "داعش"، تسجيلاً صوتياً مدته نحو 12 دقيقة، أقرت فيه بمقتل زعيم التنظيم، أمير محمد المولى المعروف بعبد الله قرداش، والمتحدث باسم التنظيم أبو حمزة القريشي، خلال عملية إنزال نفذتها وحدات أميركية خاصة في بلدة أطمة شمال غربي سورية، مطلع الشهر الماضي.
جهد أميركي كبير لتحديد هوية زعيم التنظيم الجديد
بيان التنظيم الذي جاء بعد أكثر من خمسة أسابيع على العملية الأميركية التي أودت بحياة زعيمه، أُعلن فيه أيضاً عن تنصيب أبو الحسن الهاشمي القرشي زعيماً جديداً لـ"داعش".
وطالب البيان عناصر التنظيم بالبيعة والسمع للقرشي بعد "اختيار مجلس الشورى" في "داعش" له، مبيناً أيضاً أنه سيتم الإعلان عن الاسم الحقيقي للزعيم الجديد في وقت لاحق. وقدم المتحدث في هذا التسجيل نفسه متحدثاً باسم "داعش"، وعرّف عن نفسه بـ"أبو عمر المهاجر".
وتوعد المهاجر بعمليات ثأر لمقتل قرداش، الذي نسب إليه البيان المسؤولية عن آخر عمليات التنظيم التي استهدفت سجن "غويران" في الحسكة شمال شرقي سورية في يناير/ كانون الثاني الماضي، مؤكداً أنه تم إطلاق سراح عدد من عناصر التنظيم في هذه العملية.
تحقيقات لكشف هوية زعيم "داعش" الجديد
من جهته، يقول مسؤول استخباري بارز في بغداد، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه يُفضّل عدم التعاطي مع التقارير التي تشير إلى أن خليفة التنظيم الجديد، والثالث له منذ تأسيسه بشكله الحالي منتصف عام 2014، هو جمعة عواد البدري، شقيق إبراهيم عواد البدري (أبو بكر البغدادي)، مؤسس التنظيم الذي قتل نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2019، بعملية للقوات الأميركية شمال غربي سورية.
ويعتبر أن مثل تلك المعلومات التي نقلتها وكالات أخبار غربية لا تتعدى كونها "ترجيحات لا يمكن التسليم بها".
ويكشف المسؤول نفسه، الذي طلب عدم ذكر اسمه، عن جهد أميركي كبير لتحديد هوية زعيم التنظيم الجديد، شمل خلال الأيام الماضية التحقيق مع قيادات من "داعش" معتقلة في سجن الحسكة.
ويوضح أن هؤلاء القادة خضعوا لجلسات تحقيق جديدة من قبل الأميركيين، حول بعض الأسماء، وما إذا كان أصحابها على قيد الحياة أم قتلوا، وذلك حتى آخر يوم من اعتقال هؤلاء القادة، بعد انتهاء المعارك ودحر التنظيم من آخر معاقله في منطقة الباغوز السورية في مارس/آذار 2019.
لكن المسؤول يؤكد في الوقت ذاته أن "الأميركيين يتأخرون في مشاركتنا المعلومات التي يحصلون عليها في هذا الصدد، والأجهزة الاستخبارية العراقية تواصل بدورها جهوداً كبيرة لتضييق دائرة البحث على الأقل في هذه المرحلة".
ويعتبر أن "تحديد هوية زعيم تنظيم داعش الجديد مهم لمعرفة الدائرة التي تحيط به"، لافتاً إلى أن "نبرة صوت المتحدث الجديد باسم التنظيم تؤكد أنه عراقي أيضاً".
دائرة البحث تضيق على عدة أشخاص من غير المؤكد ما إذا كانوا على قيد الحياة أم لا
استهداف قيادات "داعش" في العراق وسورية
ويعد 2015 عام بدء استهداف قيادات التنظيم في العراق وسورية، كأحد الأهداف الرئيسة المعلنة لتشكيل التحالف الدولي "لمحاربة داعش" بقيادة الولايات المتحدة نهاية عام 2014.
فقد تم الإعلان عن مقتل القيادي البارز في التنظيم نبيل الجبوري المعروف باسم أبو سيّاف، بإنزال جوي أميركي في دير الزور شرقي سورية منتصف عام 2015.
وتبع ذلك الإعلان عن مقتل المسؤول العسكري العام للتنظيم طرخان باتيرشفيلي، المعروف باسم أبو عمر الشيشاني، في غارة أميركية ببلدة الشرقاط شمالي العراق في يوليو/ تموز 2016.
ثم تواصلت إعلانات التنظيم عن مقتل قيادات من الصف الأول شاركت في تأسيسه بشكله الحالي، بعد نحو عامين من اندلاع الثورة السورية.
وأبرز هذه القيادات التي تم التأكد من مقتلها، فاضل الحيالي، وأبو عبد الرحمن البيلاوي، وأبو مهند السويداوي، ورضوان حمدون، وعبد الباسط الأنصاري، ونعمان الزيدي، وأبو علاء العفري، وصلاح مصطفى قره باش، وحجي بكر الخليفاوي، وأبو عمر السلفي، وأبو علي الأنباري، وأبو عبد الرحمن الشامي وآخرون.
ومع استبعاد قيادات الصف الأول في "داعش"، والتي تم التأكد من مقتلها بإعلانات من التنظيم نفسه أو التحالف الدولي خلال السنوات الماضية، فإن دائرة البحث تضيق على عدة أشخاص من غير المؤكد ما إذا كانوا على قيد الحياة أم لا، خصوصاً أن القوات العراقية كررت إعلانات مقتل عدد منهم أكثر من مرة، فيما تبيّن عدم صحة إعلانات أخرى لاحقاً، مثل الإعلان عن مقتل القيادين جبار سلمان المعروف باسم أبو ياسر العيساوي، وأبو الحارث العراقي.
حلول الصف الثاني من قيادات التنظيم في الصدارة أمراً مؤكداً
خيارات محدودة لدى "داعش"
ويتحدث مراقبون وباحثون بشؤون الجماعات المسلحة عن خيارات محدودة لدى "داعش" في الوقت الحالي، تجعل من حلول الصف الثاني من قيادات التنظيم في الصدارة أمراً مؤكداً، لكن هؤلاء بطبيعة الحال أضعف من القيادات السابقة وأقل سيطرة على خلايا التنظيم المتبقية، ما قد يفتح الباب أمام تشرذم التنظيم لأجنحة سورية وأخرى عراقية.
يأتي ذلك وسط تأكيدات بضعف قاعدة البيانات الأمنية المتوفرة عن هذا الجيل من أعضاء التنظيم، على خلاف السابقين الذين تمتلك الأجهزة الأمنية سجلات واضحة عنهم منذ عام 2003 خلال عملهم مع تنظيم "القاعدة" وما تلا ذلك من مراحل تطور، وصولاً إلى تنظيم "داعش".
وفي هذا السياق، يُذكّر الخبير بشؤون الجماعات المسلحة في العراق، رائد الحامد، بالاشتراطات التي تفضها أبجديات التنظيم بشأن تولي الزعامة، مثل "المعرفة بالجانب الشرعي، والصحة العقلية، والسلامة البدنية، وأحياناً أن يكون من أصحاب السبق في القتال، إضافة إلى شرط أن يكون من أصحاب النسب الهاشمي القريشي، الذي يمتد إلى سلالة النبي محمد". ويضيف "لذلك، تبدو آليات اختيار أمراء التنظيم معقّدة بعض الشيء ومحدودة الخيارات".
ويشير الحامد إلى أن "من ضمن الذين تداولت وسائل إعلام غربية أسماءهم، معتمدةً في ذلك على تصريحات مسؤولين أمنيين أو استنتاجات لخبراء عراقيين، أشخاص ممن يُطلق عليهم وصف القرادشة، أي التركمان العراقيون الذين تسلموا معظم المسؤوليات الرفيعة في التنظيم خلال فترة زعامة أبو بكر البغدادي، الذي اعتمد استراتيجية عرقنة قيادة التنظيم".
جمعة عواد البدري كان مسؤولاً عن أموال التنظيم في الموصل والرقة
تداول اسم جمعة عواد البدري كزعيم جديد لـ"داعش"
ويوضح الحامد أن "من بين أهم الأسماء المتداولة اليوم كزعيم جديد للتنظيم هو جمعة عواد البدري، شقيق أمير التنظيم الأسبق إبراهيم عواد البدري السامرائي (أبو بكر البغدادي)، وفق ما نشرته وكالة رويترز، التي نقلت ذلك عن مسؤولين أمنيين عراقيين ومصدر أمني غربي لم تذكرهم بالاسم، لكن بتقديري هذا مجافٍ للحقيقة".
ويلفت الحامد إلى أن "جمعة عواد البدري كان مسؤولاً عن أموال التنظيم في الموصل والرقة في فترة تولي شقيقه زعامة التنظيم، ولم يُعرف عنه أنه مؤهل في العلم الشرعي، حسب متابعات دقيقة لأدبيات التنظيم وإصداراته المرئية أو المسموعة".
ويُرجح الحامد أن "جمعة عواد البدري كان مهتماً بتدبير شؤون عائلة شقيقه أبو بكر البغدادي وشقيقين آخرين، إضافة إلى عائلته، إذ أقاموا لسنوات في محافظة دير الزور قبل سيطرة قوات سورية الديمقراطية عليها".
وبحسب ما يُقدره الحامد، فإن التنظيم "يمرّ بظروف غاية في التعقيد منذ خسارته آخر معاقله في سورية في مارس 2019، ثم مقتل زعيمه ومؤسسه الأول أبو بكر البغدادي في أكتوبر من العام نفسه، وما تلا ذلك من تطورات جمة".
ولذلك فإن التنظيم سيتجه، وفق الحامد، "إلى اختيار زعيم قوي، يتمتع بخبرة ميدانية، وهي صفات أشك تماماً أن تتوفر في جمعة عواد البدري، ولذلك أعتقد أن التنظيم لم يختر هذا الأخير".
بشار الصميدعي... الأوفر حظاً لخلافة قرداش
ويشير الحامد إلى أن "الخليفة المحتمل الأوفر حظاً، وفقاً لآليات اختيار الأمراء والصفات الواجب توفرها، هو بشار خطاب غزال الصميدعي المعروف باسم حجي زيد، والذي شغل منصب مسؤول ديوان القضاء والمظالم لمدة عام ونصف العام في الموصل إبان فترة سيطرة التنظيم على المدينة، قبل أن ينتقل إلى الرقة عام 2016".
ويلفت الحامد إلى أن الصميدعي "هو أحد المساهمين في كتابة ما عرف بالمنهج الحازمي للتنظيم وفي تأصيل التكفير بمنهج التنظيم، وكان من بين أهم المقربين من زعيم داعش الأخير عبد الله قرداش".
بشار الصميدعي كان من بين أهم المقربين من زعيم داعش الأخير عبد الله قرداش
ويرى الحامد أن "ما يزيد من احتمالات أن يكون بشار الصميدعي هو نفسه أبو الحسن الهاشمي القريشي، خليفة التنظيم الجديد، إضافة إلى نسب عشيرة الصميدع الذي يصل إلى قريش، هو ما صدر من إشارة في بيان إعلان مقتل أبو إبراهيم القرشي إلى أن الخليفة الجديد عُيّن بتوصية من أبو إبراهيم قبل مقتله".
ويختم الحامد بالقول "لا أستطيع الجزم بأن أبو الحسن الهاشمي القريشي هو الصميدعي، لكن ليس ثمة أي معطيات أخرى تقود إلى القول بأن زعيم التنظيم الجديد ليس هو".