لفت محلل الشؤون العسكرية والأمنية في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل، في تحليل له نشره اليوم الإثنين، إلى أن إسرائيل بدأت في العام الأخير تستوعب حقيقة التغيير في الموقف الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني، وأن الولايات المتحدة تحت إدارة جو بايدن باتت تعتنق "عقيدة الحل الدبلوماسي"، وبالتالي فهي لا تتجه للتلويح باستخدام خيار عسكري ضد إيران.
وقال هرئيل نقلاً عن مصادر أمنية إسرائيلية لم يسمّها، إن هذا الأمر ينبغي أن يغير لدى إسرائيل فرضيات أساسية في مواجهتها للملف الإيراني، لا سيما في ظل توجه رئيس الحكومة الحالي نفتالي بينت، بالتنسيق والاتفاق مع وزير الأمن بني غانتس، إلى إحياء الخيار العسكري الإسرائيلي ضد إيران.
مع ذلك، قال هرئيل إنهم في الجيش الإسرائيلي، باتوا يعترفون بتراجع قدرة الجيش الإسرائيلي على توجيه ضربة عسكرية لإيران، منذ توقيع الاتفاق المرحلي بين إيران والولايات المتحدة في العام 2013، قبل عامين من توقيع الاتفاق النهائي في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2015. ووفقه، فإنه من الصعب تصوّر قيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية لإيران بمفردها في حال تم التوقيع على اتفاق نووي جديد. واستدرك هرئيل بالقول إنه سيتم في السنوات القريبة القادمة العمل على تحسين القدرات الهجومية للجيش الإسرائيلي، استعداداً لإمكانية تحقيق إيران اختراقا جديدا نحو صنع قنبلة نووية، عبر استغلال الوضع الحالي أو من خلال خرق الاتفاق المقبل.
ولفت هرئيل إلى أنه بحسب ما يراه خبراء مختلفون، فإنه لا تزال هناك فرصة من عدة سنوات، قبل بلورة وبناء قدرة كاملة، ولكن ستضطر إسرائيل عندها أيضاً إلى أن تأخذ بالحسبان مجموعة عوامل وعوائق وتداعيات سلبية لخيارها العسكري. وأهم هذه العوائق كما يراها هرئيل: "جهد إيراني لنشر منظومات دفاع حيوية حول منشآتها النووية، ونقل بعض هذه المنشآت إلى باطن الأرض، ومحاولة إيرانية للانتقام من إسرائيل عبر "حزب الله"، والإدانات الدولية لعملية إسرائيلية منفردة".
ووفقاً لهرئيل، فإن إدراك إسرائيل لحقيقة التغييرات في الموقف الأميركي، بما في ذلك الانسحاب الأميركي من المنطقة، يلزم إسرائيل كما يقول مسؤولون أمنيون بإعادة النظر في فرضيات العمل، خصوصاً على ضوء السكوت الأميركي عن عمليات نُسبت لإيران أخيراً: مهاجمة القاعدة الأميركية شرقي سورية، واستهداف منزل رئيس الحكومة العراقية مصطفى كاظمي.
إيران نحو خط متشدد في مفاوضات فيينا؟
وبحسب هرئيل، فإنه مع اقتراب استئناف المفاوضات مع إيران، أواخر الشهر الجاري، هناك توافق في التقديرات الأميركية والإسرائيلية حول أن الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي سيتبع خطاً متشدداً. وبحسب مصدر أمني إسرائيلي، "لا يحوي القاموس الإيراني الجديد كلمة "تنازلات"، والتوجه الإيراني المتشدد ظاهر للعيان، وتم رصده من قبل دول المنطقة، ويبدو أنه سبب الاتصالات الجارية أخيراً بين السعودية والإمارات من جهة، وبين إيران من جهة أخرى، واستعداد دول عربية لإعادة علاقاتها مع النظام السوري رغم جرائمه البشعة.
وإسرائيلياً، فإن الجدل، كما يقول هرئيل، قد حُسم لصالح خيار عسكري، وهو ما يدل إليه التراشق في الاتهامات بين رئيس الحكومة الحالي نفتالي بينت ووزير الأمن بني غانتس من جهة، وبين رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو من جهة ثانية. فقد اتهم بينت نتنياهو بأنه أهمل الخيار العسكري ضد إيران منذ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي، وعودة إيران لخرق بنود الاتفاق.
اتجاه إسرائيلي نحو الخيار العسكري
ووفق المحلل الإسرائيلي، فإن قرار بينت وغانتس، وإصدارهما الأوامر للجيش للاستعداد لخيار عسكري ضد إيران، ورصد ميزانيات لهذا الخيار حتى قبل المصادقة على موازنة الدولة، يؤكد اتجاه إسرائيل لبناء خيارها العسكري من جديد.
وكان وزير الأمن الإسرائيلي كرّر هذا الأمر في التاسع من الشهر الجاري، عندما صرّح بأن الجيش الإسرائيلي يسرّع من استعداداته للخيار العسكري ضد إيران، من خلال الأوامر التي صدرت له للاستعداد لعمليات في "الحلقة الثالثة" من دول الجوار، ما يعني تحديداً إيران، والإيعاز لسلاح الجو وقسم الاستخبارات العسكرية بتحسين القدرات القتالية.
وربط هرئيل هذا التحول في الإدراك الإسرائيلي للموقف الأميركي الجديد بالضربات التي توجهها إسرائيل للوجود الإيراني في سورية، وضد قوافل السلاح لـ"حزب الله"، معلناً أنه فيما تحقق إسرائيل نجاحاً في ضربها للوجود الإيراني، فإنه لا يمكن قول ذلك عن الضربات والنشاط ضد "حزب الله".
ووفق المحلل الإسرائيلي، فإنه على الرغم من الضربات التي تتلقاها إيران في سورية، وتأثير ذلك سلباً على علاقاتها مع النظام السوري، وعدم الارتياح الروسي للنشاط الإيراني، إلا أن الأخيرة مصمّمة على مواصلة جهودها، وهي تواصل أيضاً، بموازاة ذلك، تطوير ونشر صواريخ موجهة صغيرة، وطائرات مسيّرة في أنحاء الشرق الأوسط، إذ تبني قواعد من هذا النوع في كل من العراق واليمن، وأحياناً داخل سورية أيضاً، وهو ما يفسّر أيضاً توسيع نشاط وطيران سلاح الجو الإسرائيلي، في الأجواء الإسرائيلية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، لرصد وإسقاط طائرات مسيّرة.
وعلى الرغم من أن "حزب الله" يراقب كل هذا النشاط الإسرائيلي، بما في ذلك التدريبات الأخيرة، وبينها مناورات الجبهة الداخلية، وتدريبات وحدات على الحدود الشمالية، إلا أن الحزب يقلل من تدخله بسبب الأزمة الاقتصادية والسياسية الداخلية في لبنان، وإن كان زعيمه، حسن نصر الله تفاخر في خطابه الأخير بأن تدريبات الجيش تعكس خوفاً إسرائيلياً من تهديدات الحزب بشنّ عملية "لاحتلال الجليل"، ومن الصواريخ الدقيقة التي يملكها الحزب في ترسانته.