على أرضية محكمة بداية رام الله، وداخل قفص الاتهام، جلس اليوم الأربعاء، أربعة من أصل ستة معتقلين سياسيين لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية بما تعرف بقضية "منجرة بيتونيا"، وجلس خامس على كرسي، لعدم قدرتهم على الوقوف بعد 17 يوما من الإضراب عن الطعام احتجاجًا على ظروف اعتقالهم وللمطالبة بالإفراج عنهم، فيما أجلت المحكمة جلستها حتى الثالث من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل؛ على وقع اعتصام للأهالي أمام مبنى المحاكم في مدينة البيرة الملاصقة لمدينة رام الله وسط الضفة الغربية.
وتأجلت المحكمة بسبب تعليق الدوام الذي أعلنته نقابة المحامين "في ظل تصاعد العدوان الصهيوني الشامل والحصار على مخيم شعفاط وبلدة عناتا لليوم الخامس على التوالي وتأكيدًا على الحق في المقاومة والكفاح"، كما جاء في بيان النقابة، وبالتالي عدم ترافع محامي الدفاع، وكذلك لعدم حضور شهود النيابة الذين كانت صرحت عنهم خلال الجلسة الفائتة في 21 سبتمبر/ أيلول الماضي.
وقالت أسماء هريش، شقيقة المعتقل أحمد هريش، لـ"العربي الجديد"، إن الجلسة لم تتجاوز خمس دقائق، مؤكدة أن شقيقها وأربعة آخرين لم يستطيعوا الوقوف، لتراجع وضعهم الصحي، فيما وقف منذر رحيب الذي لم ينضم للإضراب لوضعه الصحي الخاص.
ويضرب المعتقلون عن الطعام للمطالبة بالإفراج عنهم منذ 25 سبتمبر/ أيلول الماضي، ورفضا لظروف اعتقالهم، ووضعهم في سجن مخصص للمتهمين والمدانين في قضايا جنائية، ورفضا لتحويل ملفهم إلى قضية جنائية.
وبحسب هريش، لم تبت بعد المحكمة بطلب إخلاء سبيل المعتقلين الستة بكفالة، والذي كان قدمه محامي الدفاع من مجموعة محامون من أجل العدالة قبل أسبوع تقريبا، مشيرة إلى أن العوائل ينتظرون على أمل أن يكون الرد إيجابيا.
وأمام المحكمة نظم الأهالي اعتصاما حاملين صور أبنائهم، ولافتات تطالب بالحرية لهم، وأخرى ترفض الاعتقال السياسي، وكان من بين الحضور منى خصيب التي لم يتجاوز عمرها شهرا، وقد ولدت ووالدها المعتقل المحامي أحمد الخصيب في السجن التابع للمخابرات الفلسطينية في أريحا شرق الضفة الغربية، قبل نقله والآخرين إلى سجن تابع للشرطة في رام الله بعد توجيه النيابة العامة لائحة اتهام لهم أمام محكمة البداية.
يشير إحسان الخصيب، والد المعتقل أحمد، لـ"العربي الجديد"، إلى أنه لم يتسن لابنه حمل طفلته سوى مرة واحدة داخل سجن أريحا الذي وصفه بسيئ السمعة، قبل نقل المعتقلين إلى رام الله، قائلا إن الشرطة، أمس، رفضت السماح له بحمل طفلته خلال الزيارة؛ رغم تكرار الطلب من العائلة.
ووصف الخصيب وضع المعتقلين المضربين عن الطعام بالمأساوي، حيث لا يقوون على الحركة والوقوف، وأجسادهم نحيلة بسبب الإضراب، قائلا إن العائلات طلبت من أبنائها تعليق الإضراب، لكنهم رفضوا حتى الإفراج عنهم، مؤكدا أن ما دفعهم إلى الإضراب تحويل ملفهم إلى قضية جنائية وحبسهم مع الجنائيين وأصحاب السوابق وتجار المخدرات، حسب تعبيره.
بدوره، قال نوح هريش، والد المعتقل أحمد هريش، لـ"العربي الجديد"؛ إن العوائل تفاجأت الجمعة الماضي بنقل المعتقلين المضربين إلى المستشفى، وإن العائلات توجهت إلى المشفى لرؤية المعتقلين إلا أن الأمن منعها.
وأضاف هريش أن الأمن أعاد المعتقلين إلى السجن في اليوم ذاته ما عدا ابنه أحمد الذي بقي لأربعة أيام وأعيد الإثنين الماضي، بسبب وضعه الصحي، مؤكدا حاجته للبقاء في المشفى، بسبب وجود التهابات في الأمعاء ومشاكل صحية أخرى.
وطالب هريش بالإفراج الفوري عن المعتقلين قائلا إنهم مناضلون وأمضى معظمهم سنوات طويلة في سجون الاحتلال، ومن غير اللائق وضعهم مع الجنائيين في سجن واحد.
أما نداء رحيب، شقيقة المعتقل منذر رحيب، فأشارت في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن شقيقها بحاجة إلى علاج وقد نقل، أمس، إلى الخدمات الطبية العسكرية، التي لم تعطه سوى دواء لحصر البول، فيما يعاني من تسارع في نبضات القلب وتشنج في المنطقة السفلية وضيق تنفس وانزلاق غضروفي وضعف في السمع، وهو بحاجة للعلاج من كل تلك المشاكل.
وأكدت رحيب أنه وبسبب وضعه الصحي لم يخض الإضراب مع المعتقلين الآخرين، ولذلك تم وضعه في قسم يحتجز فيه أصحاب الأحكام العالية والمؤبدة، وهو أمر غير قانوني، كما قالت، لأنه لا يزال موقوفا وغير محكوم عليه بالسجن من المحكمة، مطالبة بالإفراج عنه وعن باقي المعتقلين للسماح لهم بتلقي العلاج اللازم.
وكانت عائلات المعتقلين قد رفضت، خلال مؤتمر صحافي عقدته أمام محكمة رام الله، في 7 سبتمبر/ أيلول الحالي، تحويل ملفهم أمام المحكمة إلى ملف معتقلين جنائيين وتهمة جنائية.
وأكدت مجموعة محامون من أجل العدالة، في بيانات صحافية سابقة، أن الأجهزة الأمنية اعتقلت قرابة 19 شخصاً في الملف الذي عرف بقضية "منجرة بيتونيا"، أفرج عن 11 منهم دون تحويل ملفاتهم إلى المحكمة.
وأكد المحامي مهند كراجة، الشهر الماضي، أن إشاعات كثيرة رافقت حملة الاعتقالات تلك، ومنها ادعاءات بأن المعتقلين حفروا نفقاً لاستهداف السلطة الفلسطينية. لكن، وفق اطلاع فريق الدفاع بشكل متأخر على الملف ولائحة الاتهام والتحقيقات، فإن كل تلك الإشاعات غير صحيحة كما قال، بل وُجِّهَت تهم جنائية لستة من المعتقلين، لكنها تتعلق بوقائع سياسية، وإن جزءاً من التحقيقات معهم كان على خلفية وقائع سياسية اعتقلوا على خلفيتها سابقاً لدى الاحتلال، حيث إنهم بغالبهم معتقلون سياسيون.
ووجهت النيابة العامة الفلسطينية لائحة اتهام ضد الستة، تليت عليهم في جلسة 21 سبتمبر/ أيلول الماضي، وورد فيها؛ تهمة "تصنيع مواد متفجرة"، من أجل استخدامها لزعزعة الأمن والنظام العامين، فيما وصف محامي الدفاع في حينها ظافر صعايدة في حديث مع "العربي الجديد"، لائحة الاتهام بأنها "عامة وفضفاضة، ولا تتضمن وقائع دقيقة حتى يصار إلى اعتبارها لائحة اتهام بالمفهوم القانوني، لذلك يمكن اعتبارها لائحة اتهام سياسية وليست جنائية"، كما قال.
وبيّن صعايدة أن إيراد جملة "زعزعة الأمن والنظام العامين" من دون أي تفاصيل أخرى "يعتبر أمراً عاماً يختلف عن لوائح الاتهام بشكلها القانوني المعروف"، معتبراً أنه "حتى لو كان ما ورد في لائحة الاتهام صحيحا- رغم إنكار المعتقلين للتهمة- فإنه يعد ضمن حق تقرير المصير، وهو من الحقوق الدستورية المكفولة، (في إشارة إلى حق مقاومة الاحتلال)".