فجأة تجدّد الحديث في واشنطن عن الخيار العسكري الأميركي ضد إيران، إذ قفز الحديث إلى الواجهة على أثر ما تسرّب عن هذا الاحتمال من داخل البيت الأبيض، وأكدته جهات محسوبة على خندق الإدارة.
"نيويورك تايمز" نقلت عن مصادر لاجتماع مجلس الأمن القومي يوم الخميس الماضي، قولها إن الرئيس ترامب "استفسر" خلال الاجتماع عن إمكانية توجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية بحجة أن طهران ضاعفت كمية تخصيب اليورانيوم "12 مرة أكثر مما كان مسموحاً لها بموجب الاتفاق النووي معها، وبدرجة عالية من النقاء"، وفق تقرير وكالة الطاقة الدولية.
وحسب الرواية، لاقت عملية جسّ النبض هذه تحذيراً واسعاً من جانب أعضاء المجلس (وزيري الخارجية والدفاع ومستشار الأمن القومي روبرت أوبراين ورئيس هيئة الأركان الجنرال مارك ميلي ومدير عام الوكالة الوطنية للاستخبارات، وغابت عنه مديرة السي أي إيه جينا هاسبل التي جرى استبعادها عن الاجتماع ربما لأنها مرشحة للإقالة). ولفتوا إلى أن من شأن الضربة أن توسع عواقب النزاع، في ظروف أميركية انتقالية، علاوة على أزمة كورونا.
واستحضر طرح مثل هذا الخيار من جانب الرئيس وفي هذه اللحظة بالذات، كابوس المفاجأة التي كثُر عنها الحديث قبل الانتخابات، ثم تجدد وأخذ شحنة زخم إضافي بعد الخلاف حول نتائجها، خاصة وأن طريق الطعون القضائية تبيّن أنها غير سالكة حتى الآن.
معظم اعتراضات الرئيس رفضتها المحاكم، وفي الوقت ذاته، تتزايد الضغوط عليه للاعتراف بالنتائج والتنازل للرئيس المنتخب جو بايدن لتسهيل مهمة تسلمه مقاليد الرئاسة في العشرين من يناير/كانون الثاني القادم، لكنه لم يتزحزح عن رفضه.
وتعتقد أوساط سياسية كثيرة أن البيت الأبيض، الذي بات يدرك مدى صعوبة أو شبه استحالة تغيير الواقع الذي رست عليه الانتخابات، يتحرك على أكثر من خط ليضمن دخول بايدن إلى البيت الأبيض وهو غارق بالأزمات، وبما ينهك إدارته ويربك إمساكها بزمام الأمور منذ البداية.
كورونا وتداعياتها الاقتصادية من المتوقع أن لا تنقشع غيومها جزئياً قبل الربيع القادم، وهي كفيلة بخلق المتاعب على الجبهة الداخلية.
وتبقى الجبهة الخارجية التي بدا أن الرئيس ينصب فيها "فخاخاً" لخلفه من شأنها أن تسربل رئاسته. ويُشار في هذا المجال إلى التغييرات التي أجراها الرئيس الأسبوع الماضي في وزارة الدفاع والتي لم تحصل من باب "تصفية الحسابات" بقدر ما أنها جاءت لغرض تنفيذ توجهات وسياسات لا تؤدي سوى إلى "صداع " مديد لإدارة بايدن.
وتردد أمس كلام عن قرارات صارت جاهزة لسحب قوات أميركية كبيرة من العراق وأفغانستان قبل نهاية السنة، عملية إذا تمت من شأنها أن تضع بايدن أمام خيارات أحلاها مرّ، حيث لن يكون من السهل عليه إعادة إرسال قوات جديدة إلى هناك ولا تحمل ترك قوات غير كافية في مواجهة مخاطر متزايدة، وربما لأن مثل هذا الانسحاب يلزمه وقت لاستكمال جوانبه اللوجستية.
كما أن طرح الخيار العسكري ضد إيران يضمن "التخريب على بايدن الذي ينوي العودة إلى ملف الاتفاق النووي "لفتح تفاوض جديد حول شروطه، لكن القابلية في واشنطن، وحتى ضمن الإدارة وفي الكونغرس، ضعيفة للمضي بقرار من هذا العيار، فالرئيس "يحتاج إلى إعادة تقييم متأنٍ "لسياسته الإيرانية، حسب قائد قوات المنطقة الوسطى الجنرال المتقاعد جوزف فوتيل، خلال ندوة اليوم في مؤسسة الشرق الأوسط للدراسات بواشنطن. وتنطوي عبارة فوتيل، على تخوف من قرارات تمليها حسابات آنية ضاغطة تتجاهل المضاعفات والتداعيات الجيوسياسية الإقليمية.
لكن حيثيات اللحظة الراهنة تطغى على ما عداها بالنسبة لرئيس ما زال صاحب القرار ولا يبدو أنه من الوارد تمرير ما انتهت إليه الانتخابات بالصورة الاعتيادية المألوفة، بغض النظر عما يراه الآخرون. ومرة أخرى، في رده على سؤال حول إلى من يصغي في موضوع معين، قال : "اسمع إلى حالي". وهكذا الحال في قراره الإيراني.