يحيي الفلسطينيون اليوم الجمعة الذكرى الثامنة عشرة لرحيل الرئيس ياسر عرفات، وسط تسريبات لمئات الوثائق الخاصة بملف الاغتيال، واتهامات بتوظيفها لتصفية الحسابات بين قادة حركة فتح التي تلتزم الصمت حيال ما يجري منذ أيام.
وأكدت مصادر من حركة فتح، ومصادر أمنية مطلعة لـ"العربي الجديد" أن تحقيقاً مشتركاً بدأته الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ولا سيما جهازي المخابرات الأمن الوقائي مؤخراً، لمعرفة الجهة التي قامت بتسريب ملف التحقيق باغتيال الرئيس ياسر عرفات، وإغراق منصات "السوشيال ميديا" بمئات الوثائق والإفادات لقيادات فتحاوية وفلسطينية منها من هو على قيد الحياة ومن غادرها منذ سنوات.
وأكد رئيس لجنة التحقيق بوفاة ياسر عرفات، اللواء توفيق الطيراوي، لـ"العربي الجديد" صحة تشكيل هذه اللجنة الأمنية، قائلاً "طالبت، في بيان، منذ أيام بلجنة تحقيق تبحث في التسريبات، والأخوة في الأجهزة الأمنية شكلوا لجنة لسة شغالة" أي مازالت تعمل.
وترى مصادر سياسية أن تسريب ملف كامل يحتوي على مئات الوثائق والإفادات يأتي في إطار تصفية الحسابات بين قادة حركة فتح ضمن معركة خلافة الرئيس أبو مازن التي تجري بصمت وعلى رمال متحركة للضفة الغربية التي تشهد عدواناً إسرائيلياً متصاعداً منذ بداية العام أسفر عن 144 شهيداً وآلاف الجرحى والأسرى، ووتيرة اعتداءات متصاعدة ضد المسجد الأقصى وتهويد القدس وطفرة في الاستيطان في جميع الضفة الغربية، فضلاً عن ارتفاع في الجريمة والبطالة والانتقادات للسلطة بالفساد.
وقال القيادي الفتحاوي ناصر القدوة وابن شقيقة الرئيس عرفات، في تصريحات لـ"العربي الجديد": "عندي قناعة مطلقة بأن موضوع التسريبات الآن يشكل جزءا من حالة الصراع الداخلي أكثر من أن يكون له علاقة باغتيال ياسر عرفات". وتابع: "موقفي من البداية من اغتيال ياسر عرفات لم يتغير وهو المسؤولية الكاملة للاحتلال الإسرائيلي عن هذا الاغتيال، وأي كلام آخر هو تذويب لهذه الحقيقة".
وحول موقفه تجاه ما يتم تسريبه من وثائق وإفادات قال: "قديش هذا مهم ؟؟، وله علاقة بالاغتيال؟؟ أعتقد أن هذه التسريبات ليس لها علاقة بالاغتيال بشكل مباشر وإنما بمسائل أخرى، أقل احتراماً بكثير، الموضوع له علاقة بتصفية حسابات".
وعلق القدوة حول تشكيل لجنة أمنية للنظر في التسريبات قائلاً: "سمعنا عن الكثير من اللجان، ولا لجنة منها كانت لجنة حقيقية، ولا أعتقد أن هذه اللجنة ستكون مختلفة".
ورحل عرفات في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004 عن 75 عاماً في مستشفى عسكري فرنسي، وذلك بعد أشهر من حصار عسكري فرضه عليه الاحتلال الإسرائيلي في مقر الرئاسة "المقاطعة" برام الله.
وجرى تشكيل لجنة تحقيق برئاسة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ورئيس جهاز المخابرات الأسبق توفيق الطيراوي في 19 سبتمبر/ أيلول 2010، وهي لجنة تحقيق فتحاوية ولم تعلن نتائجها منذ تأسست.
ولعل من اللافت عدم تشكيل لجنة تحقيق رسمية من منظمة التحرير الفلسطينية أو من السلطة الفلسطينية برئاسة النائب العام كما جرت العادة في العالم عند الاشتباه باغتيال شخصية من وزن عرفات.
وفي سؤال للقدوة حول عدم تشكيل لجنة تحقيق رسمية برئاسة النائب العام الفلسطيني، قال: "هناك كثير من الأسئلة، والتي تحتاج إلى أجوبة، ومن الواضح أن هذا المسار بالإضافة إلى مسار آخر مواز وهو تدمير مؤسسة ياسر عرفات، كل هذا كان يستهدف تغييب عرفات والقضاء على إرثه وتراثه، لكن الشعب الفلسطيني حسم الأمر باتجاه مخالف تماما، والآن نشهد تخبط في عدة اتجاهات".
وتابع: "نعم، صحيح لم يكن هناك لجنة تحقيق رسمية ضلع فيها النائب العام، ولم يكن هناك موقف دولي يطالب الجمعية العامة للأمم المتحدة بالتحقيق وتحميل المسؤولية إلى جهة معينة، إلى أن وصلنا إلى مرحلة يتم فيها تغييب إرث أبو عمار بشكل واضح، لكن التفاف الناس حول أبو عمار، سيما أجيال من الشباب لم تعايشه يعكس رغبة شديدة في الخروج من المأزق الحالي والتخلص ممن خانوا هذا الإرث".
وحول إن كان الرئيس أبو مازن يتحمل مسؤولية عدم فتح تحقيق رسمي بصفته رئيس السلطة، أجاب القدوة: "هذا تحصيل حاصل، ويقع اللوم عليه بعدم وجود لجنة تحقيق حقيقية بعد كل هذه السنوات".
وبالنسبة للجهة التي تملك اليوم المطالبة بفتح تحقيق رسمي لا حزبي برحيل أبو عمار، قال القدوة: "جهات كثيرة يمكن أن تطالب منها الشعب، ونحن كعائلة يمكن أن نطالب بذلك، لكننا أمام أمر منظم، فقد تم تدمير مؤسسة ياسر عرفات وتم تدمير لجنة التحقيق الفتحاوية بما لها وما عليها".
ورغم تأكيد القدوة على "أنه لم يفت الأوان بعد على تشكيل لجنة تحقيق رسمية" إلا أنه شدد: "لن أطالب علناً بتشكيل لجنة تحقيق رسمية، لأنه ليس لدي ثقة، سيكون هذا عبارة عن خض الماء، ما في فايدة، اللي ماخدين السلطة المفروض أن يُحاسبوا على مسؤوليتهم في تغييب هذا الموضوع".
ومن غير الواضح من هو المستفيد حالياً من هذه التسريبات التي خلطت الأوراق، حيث يعتبر الاتهام "بقتل عرفات" أكثر اتهاما يلوّح به قادة "فتح" ضد بعضهم البعض، إذ سبق ووجه الرئيس أبو مازن أصابع الاتهام للقيادي الفتحاوي المطرود محمد دحلان، في كلمة متلفزة له أمام المجلس الثوري في 13 مارس/ آذار 2014 ولم يتم بعدها بث أي حديث لأبو مازن مباشر في المجلس الثوري.
واتهم رئيس الدائرة السياسية بمنظمة التحرير فاروق القدومي الرئيس عباس بالتواطؤ لقتل عرفات في تصريحات صحافية له في العاصمة الأردنية في 13 يوليو/تموز 2009، وعادة ما يلوّح الطيراوي بملف "اغتيال عرفات" على اعتبار أنه الوحيد الذي يملك معلومات خطيرة حول الأمر.
وتأتي هذه التسريبات بعد أسابيع من تسريبات صوتية نُسبت لـ"الطيراوي" أدت لتوتر شديد بالعلاقة بينه وبين عضو مركزية "فتح" وأمين سر منظمة التحرير حسين الشيخ، دفعت الطيراوي إلى تعليق حضوره جلسات اللجنة المركزية لـ"فتح"، وذلك بعد أن تمت تنحيته قسراً عن رئاسة الكلية الأمنية في أريحا، وسحب حراسته منه إثر التسريبات الصوتية.
وكان الطيراوي، قد أصدر بياناً في الأول من الشهر الجاري، جاء فيه "بخصوص ما تناقلته بعض مواقع التواصل الاجتماعي حول وثائق للجنة التحقيق تمت قرصنتها، وهي وثائق سرية لضمان سلامة سير التحقيق لحين الوصول إلى الحقيقة الكاملة، التي حينها ستقدم اللجنة تقريراً تفصيلياً بخصوص التحقيق حسب الأصول الرسمية".
وأكد "أنه من واقع المسؤولية الملقاة" على عاتقه، فإنه سيتابع بكل الطرق عملية القرصنة تلك وتقديم مقترفيها من خلال القضاء الفلسطيني للمحاكمة، وقال إنه "لن يفلت هؤلاء من العقاب لأنهم يحاولون ضرب عمل اللجنة من خلال إفشاء سرية عملها بالشكل المتبع على طريقة قطعة قطعة لتفريغ عملها من مضمونه، الأمر الذي لن يتحقق لهم أبداً".