تسليح جزر إيجة... عنوان تصعيد جديد بين تركيا واليونان

11 يونيو 2022
سمحت أثينا لواشنطن بإقامة قاعدة في ألكسندروبولي (ساكيس متروليديس/فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من التحوّلات الجذرية التي شهدتها السياسة الخارجية التركية في العامين الأخيرين، في العلاقة مع دول الجوار، والتطبيع مع الإمارات والسعودية وإسرائيل، والدخول في حوارات مع مصر وأرمينيا، إلا أن التوتر عاد بين أنقرة وأثينا، مع تصعيد الرئيس رجب طيب أردوغان لهجته ضد اليونان، على خلفية ما يقول إنه تسليح الجزر منزوعة السلاح في بحر إيجة.

وفيما فشلت عشرات جولات الحوار بين البلدين لتسوية الخلافات، فإن القراءات تختلف لأسباب التوتر المتجدد، بين الأهداف الداخلية التي يطمح أردوغان لتحقيقها، وبين القلق الحقيقي من التحركات العسكرية في هذه الجزر القريبة من الأراضي التركية.

لكن على الرغم من هذا التصعيد، تُجمع كل القراءات على أن لا إمكانية لتحوله إلى صراع عسكري، مع توقّع وساطة مستقبلية لتسوية الخلاف. غير أن الأنظار تتجه إلى انعكاسات ذلك على العلاقات داخل حلف شمال الأطلسي (ناتو)، الباحث عن مزيد من الوحدة والتنسيق في ظل الحرب الروسية على أوكرانيا.

أردوغان يحذر اليونان

ووجّه أردوغان، أمس الأول الخميس، تحذيرات لليونان، مجدداً رفضه لقاء رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، بعدما كان من المفترض أن تُعقد اجتماعات اللجنة الاستراتيجية العليا بين البلدين هذا العام.

دعا أردوغان اليونان للتحلي بالحكمة والابتعاد عن التصرفات والأحلام التي ستؤول إلى الندم

وطالب أردوغان أثينا بالتخلي عن تسليح الجزر غير العسكرية في بحر إيجة. وفي كلمة ألقاها خلال مناورات "أفس 2022" في ولاية إزمير غربي البلاد، دعا الرئيس التركي اليونان "لتتحلى بالحكمة وتبتعد عن التصرفات والأحلام التي ستؤول إلى الندم". ودعاها إلى التخلي عن تسليح الجزر غير العسكرية في إيجة والتصرف وفق الاتفاقيات الدولية، مشدداً على أن تركيا لن تتنازل عن حقوقها في بحر إيجة، ولن تتوانى عن استخدام الصلاحيات المعترف بها في الاتفاقيات الدولية بشأن تسليح الجزر.

وأوضح أن بلاده تركت لتقدير المجتمع الدولي تقييم مطالبتها بالنظر في الحدود البحرية لتركيا واليونان حول جزيرة ميس التي تبعد كيلومترين عن البر الرئيسي لتركيا، وأكثر من 600 كيلومتر عن اليونان.

خلاف على تسليح جزر إيجة

هذه الجزر يبلغ عددها 18 وأعطيت لليونان بشرط عدم تسليحها، وفق اتفاقيتي لوزان عام 1923 وباريس عام 1947. وكان وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو قد أعلن قبل أيام أن "بلاده أرسلت رسالتين للأمم المتحدة بخصوص انتهاك شرط عدم تسليح الجزر في بحر إيجة، وعندما لم تستطع اليونان الإجابة عن الرسالتين في إطار القانون الدولي، فإنها أصبحت عدوانية وتوجّه اتهامات لتركيا".

وتعتبر أنقرة أن أثينا تستفزها، مع زيارة رئيس الوزراء اليوناني لهذه الجزر، وإجراء مناورات عسكرية فيها، فضلاً عن منح الولايات المتحدة قاعدة عسكرية في منطقة ألكسندروبولي جنوب شرق اليونان على بحر إيجة قرب تركيا، تضم قرابة 1800 مدرعة أميركية ونحو 20 ألف جندي، وفق الإعلام التركي.

وقبل أكثر من أسبوعين، صعّد أردوغان خطابه ضد ميتسوتاكيس، معتبراً أنه لا يعترف به وأنه فاقد للشخصية السياسية، بعد أن اتفقا سابقاً على تحييد علاقات بلديهما عن أي تدخّل لدولة ثالثة. ولكن ميتسوتاكيس اشتكى تركيا أمام الكونغرس الأميركي ودعا أعضاءه للامتناع عن المصادقة على بيع تركيا مقاتلات "إف 16" بحجة انتهاك المجال الجوي اليوناني، وهو أمر أزعج أنقرة.

ولكن الملفت في التصعيد الأخير من قبل أردوغان يوم الخميس الماضي أنه جاء على هامش مناورات حاكت تحرير جزر محتلة، وهو ما راقبته وسائل الإعلام اليونانية بشكل كثيف، كما نقل الإعلام التركي.

واختتمت القوات المسلحة التركية، الخميس، مناورات "أفس 2022" في إزمير، وهي أقرب نقطة لليونان، بمشاركة 37 دولة منها إيطاليا وأذربيجان وليبيا والولايات المتحدة والبوسنة ومقدونيا الشمالية وباكستان وألبانيا وكازاخستان وقرغيزستان.


نشرت اليونان خرائط قالت إنها توثق تعديلات تركية لقلب الوضع في الجزر

في المقابل، نشرت اليونان الخميس سلسلة خرائط تاريخية في محاولة لدحض الاتهامات التركية بأنّها تنتهك معاهدتي لوزان وباريس، مشيرة إلى أن قواتها تمركزت هناك رداً على وجود وحدات عسكرية وطائرات وسفن إنزال تركية على الساحل المقابل.

ونشرت الخارجية اليونانية خرائط تعود إلى عام 1923 قالت إنها تُصوّر "بطريقة واضحة لا تقبل الجدل الأفعال والادعاءات التركية غير الشرعية والأحاديّة". وقالت الخارجية في بيان إنّ الخرائط "توثّق مدى التعديلات التركية من أجل قلب الوضع الراهن وانتهاك القانون الدولي... وتهديد السلام والأمن والاستقرار في منطقتنا".

ويأتي هذا التصعيد على الرغم من حصول اجتماعات استكشافية بين البلدين في الفترة الأخيرة، بعد توقفها لسنوات. فقد عُقدت 4 جولات استكشافية بين يناير/كانون الثاني 2021، وفبراير/شباط الماضي، مناصفة بين الدولتين.

واستضافت إسطنبول الجولة الـ61 من هذه اللقاءات بعد سنوات من الانقطاع، إذ بدأت اللقاءات الاستكشافية عام 2004، واستمرت إلى 2016، وعقد خلالها نحو 60 لقاءً، كان الهدف منها تبادل وجهات النظر في القضايا الخلافية، في محاولة لإحداث اختراق في المسائل العالقة.

حدود التصعيد التركي اليوناني

وتختلف القراءات لأسباب هذا التصعيد راهناً، وتربطه أطراف بمحاولة أردوغان شحن الرأي العام الداخلي لدعمه في حملته الانتخابية استعداداً للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة صيف عام 2023. وجرت العادة بأن يتم توظيف الخلافات بين أنقرة وأثينا من قبل السياسيين لأغراض داخلية، ومع تحسين تركيا علاقاتها مع دول المنطقة، وعلى رأسها إسرائيل ومصر، فإنها ضمنت مكاناً لها ضمن الاتفاقيات في شرق المتوسط لتقاسم الغاز والثروات.

في المقابل، يقول مراقبون إن اليونان تسعى إلى حصر تركيا بحدود بحرية ضيقة ترفضها الأخيرة، وترى أثينا أن الحدود الإقليمية تُرسم من الجزر التي هي قريبة من تركيا وعلى بُعد كيلومترين فقط، فيما هي بعيدة عن البر اليوناني. وتخوض الجارتان نزاعاً حول الحدود البحرية وحقوق التنقيب عن الطاقة في أجزاء من بحر إيجة وشرق البحر المتوسط. ووفقاً لأثينا، بدأت أنقرة التنقيب "غير القانوني" عن النفط في شمال بحر إيجة عام 1973.

يرغب أردوغان بشد عصب جمهوره قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية العام المقبل

وتعقيباً على الموضوع، قال الصحافي التركي يوسف سعيد أوغلو، لـ"العربي الجديد"، إن أردوغان "يهدف أولاً إلى تحقيق نوع من الشعبوية مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية العام المقبل، وثانياً يرغب في حشر الحكومة اليونانية في زاوية ضيقة بعد أن ضمنت بلاده تطبيع العلاقات مع إسرائيل وقرب التطبيع مع مصر".

وأضاف أن الرئيس التركي يوجّه أيضاً رسالة لحلف الأطلسي بأنه يجب أن يراعي أمن دول الحلف، وبالتالي تعزز الرسائل من موقف تركيا الرافض لانضمام السويد وفنلندا للحلف، معتبراً أن "أردوغان قد يحاول تحقيق مكاسب من اليونان في حديثه عن الأطلسي وتذكيره بخطأ الإدارات السابقة في بلاده بإعادة إدخال اليونان إلى حلف الأطلسي".

واستبعد سعيد أوغلو أن تؤدي المواجهة بين البلدين والتصعيد الإعلامي والسياسي إلى مواجهة عسكرية، خصوصاً أن حلف الأطلسي يسعى إلى إعادة ترتيب أوراقه وسط الحرب الروسية الأوكرانية ونشوء واقع جديد في المنطقة، فليس من مصلحته بروز بؤرة توتر جديدة.

واعتبر أن أقصى ما يمكن أن يحصل هو المزيد من التصعيد السياسي والإعلامي، قبيل بروز وساطة ما، أو تطورات أخرى بتشكيل حكومات جديدة، سواء في تركيا أو اليونان، تعيد الطرفين إلى طاولة الحوار.

من جهته، قال المحلل السياسي التركي مالك آتيلا قره ديرك، في حديث مع "العربي الجديد"، إن تصريحات أردوغان تجاه اليونان "هي انعكاس لنفاد صبر أنقرة حيال أثينا بعد أن حاولت أنقرة عدة مرات أن تلجأ إلى لغة الحوار عبر عقد لقاءات استكشافية في البلدين واستكمال هذه اللقاءات بعد سنوات من الانقطاع، خصوصاً في مرحلة ما بعد تخفيف حدة التصعيد في شرق المتوسط".

وأضاف: "لكن مقابل ذلك، سعت اليونان إلى محاولة إحداث توازن قوة عبر ادعاءات تعرّضها إلى مخاطر وتهديدات من تركيا، خصوصاً في ظل تطور أنقرة العسكري في السنوات الأخير بمجال الصناعات الدفاعية وأسطول طائراتها المسيّرة".

واعتبر المحلل التركي أن "هذا الأمر دفع اليونان للاستنجاد بالقوات الأميركية وإنشاء عدة قواعد عسكرية فيها والادعاء بأن هذه القواعد موجّهة لروسيا، ولكنها في الواقع بعيدة جغرافياً عن روسيا، وهذا ما جعل تركيا تخشى من تصاعد القوة الأميركية في اليونان، وأن تشكل تهديداً لها مستقبلاً".

ولكنه استبعد أن تصل المواجهة التركية اليونانية إلى حد النزاع العسكري بينهما، فهما عضوان في حلف الأطلسي، وسيعمل الغرب على نزع فتيل أي مواجهة محتملة بينهما. لكنه رأى أن "المواقف التركية الصلبة تجاه اليونان سيكون لها انعكاس شعبي ربما تستفيد منه الحكومة في الانتخابات المقبلة".