منذ العام 2020 تعثر الحوار الكردي – الكردي في سورية، بين أكبر مكونين كرديين في البلاد، أحزاب الوحدة الوطنية بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي من جهة وأحزاب المجلس الوطني الكردي من جهة أخرى.
وذهبت بعض أطراف الحوار لاتهام الراعي الأميركي بوضع العصي في عجلاته، رغم الرعاية الأميركية الشكلية له، فيما تؤكد الخارجية الأميركية لـ"العربي الجديد" التزامها بتشجيع الحوار بين الأكراد والعمل لتعزيز التعاون والوحدة بين الأكراد.
وفي حين تركت جلسات الحوار الذي بدأ بعدة جولات في العام 2019 تفاؤلاً بتوصل الطرفين لمشتركات والذهاب نحو صيغة إدارة مشتركة لشمال شرق سورية، الذي يقبع تحت سيطرة الإدارة الذاتية التي يهيمن عليها حزب الاتحاد الديمقراطي بالشراكة العسكرية مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) والسياسية مع "مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد)، جاء التوقف وسط تبادل الاتهامات بالعرقلة بين الطرفين، ثم اتهام واشنطن أو مسؤوليها المكلفين بالإشراف على الحوار بعدم الجدية في إكماله، وحتى عرقلته كذلك.
الدور الأميركي في الحوار
وقال محمد سعيد وادي، عضو اللجنة المركزية في الحزب "الديمقراطي الكردستاني ــ سورية"، أحد أحزاب "المجلس الوطني الكردي"، إن الحوارات التي جرت بين وفد "المجلس" ووفد أحزاب الوحدة الوطنية الكردية برعاية أميركية توصلت إلى بعض النقاط الأساسية.
ونوّه في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أنه كان مقرراً أن "يقوم المبعوث الأميركي السابق إلى شمال سورية وشرقها ديفيد برونشتاين، الذي رعى الاتفاق بين الطرفين، بأن يعلن عنها، وهو ما لم يتم".
محمد سعيد وادي: في المسألة الكردية، يدير الأميركيون الأزمة ولكنهم لا يحلونها
وأضاف أنه "لأجل ذلك التزمنا بالمجلس الوطني بما قرره برونشتاين، على أساس أنه سيعلن النقاط التي توصلنا إليها في مؤتمر صحافي، غير أن الإعلان لم يحصل بسبب الخلافات بين إقليم كردستان وحزب العمال الكردستاني".
وأوضح سعيد وادي أن "الاتفاق ينصّ على تعهّد حزب الاتحاد بالتوقف عن إحراق مكاتبنا، وإفساح المجال للطلاب للذهاب إلى المدارس التي يختارها أهلهم. ومع عدم الإعلان عن الاتفاق، ومنذ ذلك الحين توقف الحوار، أي قبل نحو عامين".
وأفاد بأن "المجلس" عرض أخيراً استئناف "الحوار من النقطة التي وصلنا إليها، لكن لا جديد". وأكد سعيد وادي أن "لا ضغط أميركياً جدياً على الطرف الآخر لأجل استكمال الحوار، على الرغم من امتلاك الأميركي أدوات الضغط على حزب الاتحاد وحلفائه. في المسألة الكردية، يدير الأميركيون الأزمة ولكنهم لا يحلونها".
من جهته، أشار المسؤول الإداري في الحزب "الديمقراطي الكردستاني ــ سورية"، محمد إسماعيل، إلى أن نقاشاً جدياً دار حول الاستقرار في المنطقة خلال المفاوضات، ووضعنا شرطين وقع عليهما المبعوث الأميركي وقائد "قسد" مظلوم عبدي، ولم يتم الإعلان عن الاتفاق، ومن ثم تم نقل المبعوث الأميركي إلى شرق سورية، وتوقف كل شيء. وعلى عكس سعيد وادي، رأى إسماعيل أن "الأميركيين جادون في تحقيق استقرار في المنطقة، وهذا لا ينفي البحث عن مصالحهم".
في المقابل، اعتبر سكرتير حزب "اتحاد الشغيلة الكردستاني"، أحد أحزاب الوحدة الوطنية الكردية، محمد شيخي، أن "الولايات المتحدة من الدول التي ساهمت بفاعلية في تفاقم الأزمة بسورية، وساعدت في نموّ القوة الإرهابية تحت ذريعة محاربة الإرهاب"، متهماً واشنطن بأنها "تركت داعش تتمكن في سورية من أجل تحقيق مآربها بعيدة المدى، خصوصاً في المجالين الاقتصادي والسياسي".
ورأى شيخي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "أمن اسرائيل وتحقيق أجندتها في المنطقة من الضرورات القصوى بالنسبة لواشنطن، بالإضافة إلى تقزيم الدور الإيراني".
أما عن الدور الأميركي في التقارب الكردي، "فإن هذا الأمر ليس من أولويات واشنطن" بحسب شيخي، مضيفاً: "عندما تتحقق مصالحها تصبح قادرة على تحقيق ذلك بسهولة". ولفت إلى أن واشنطن "تعتمد الآن على قسد من دون وجود أي مشروع سياسي مشترك بينهما، بل فقط من أجل محاربة الإرهاب، لأن لواشنطن غايات أخرى".
وخلص إلى القول إن "التباينات في مشاريع ورؤى القوى السياسية الكردية لا تفضي إلى التقارب، والولايات المتحدة غير جادة في تحقيقه استجابة لمطالب تركيا، وتريد إبقاء قسد في حالة ضعف وارتباك، ولا تريدها أن تصبح المظلة العسكرية الوحيدة للقوى السياسية الكردية السورية".
وعرضت "العربي الجديد" الادعاءات بالعرقلة على مسؤولين عن الملف السوري بالخارجية الأميركية، وقال أحدهم، إن الولايات المتحدة تبقى ملتزمة بدعم شركائها المحليين وتشجيع الحوار بين الأكراد لتحسين الاستقرار الإقليمي. وأضاف لا نزال نرّكز أيضاً على تشجيع خفض التصعيد في المنطقة لتجنب التأثير على الاستقرار الإقليمي وجهود مكافحة داعش.
وأكد المسؤول نفسه أن "الممثل الأعلى لشمال شرق سورية (نيكولاس غرينجر)، يواصل العمل مع ممثلي المجتمع الكردي، جنباً إلى جنب مع السلطات المحلية في شمال شرق سورية، وبالتنسيق مع قنصليتنا العامة في أربيل ومع ممثلين في العراق، لتعزيز التعاون والوحدة بين الأكراد".
محمد شيخي: واشنطن ترفض أن تصبح قسد مظلة عسكرية وحيدة للأكراد
الحوار الكردي ـ الكردي
وتوقف الحوار الكردي ــ الكردي في عام 2020 لعدم تحقيق نتائج، بسبب رفض "الاتحاد الديمقراطي"، إبداء مرونة إزاء بعض القضايا، أبرزها فكّ الارتباط بينه وبين حزب "العمال الكردستاني"، وتعديل العقد الاجتماعي، وإلغاء التجنيد الإجباري، ودخول "البيشمركة" السورية إلى الشمال الشرقي من سورية.
وكانت إحدى جولات الحوار سجلت تفاؤلا كبيراً حين توصل طرفا الحوار إلى إمكانية الاتفاق على أساس يقوم على أرضية "اتفاقية دهوك". وتنص هذه الاتفاقية، التي كان الطرفان توصلا إليها في عام 2014، ولكن لم تفعّل، على تشكيل مرجعية سياسية كردية، على أن تكون نسبة تمثيل "حركة المجتمع الديمقراطي" (لاحقاً أحزاب الوحدة الوطنية الكردية التي تضمّ 25 حزباً) فيها 40 في المائة، و"المجلس الوطني الكردي" 40 في المائة، و20 في المائة للأحزاب والقوى غير المنخرطة في الجسمين السياسيين.
وتعليقاً على هذه التطورات، أبدى الباحث الكردي فريد سعدون، اعتقاده بأن "الأميركيين لم يأتوا إلى المنطقة كي يقيموا دولة كردية أو كيانا كرديا، وأنهم لا يرون أنفسهم مضطرين أو مجبرين على توحيد الصف الكردي ما دام الأكراد منقسمين ولا هدف واضحاً لهم لتوحيد كلمتهم".
ورأى أن "الأميركيين ينظرون إلى القضية ببراغماتية، ويسألون: ماذا نستفيد إذا اتحد الأكراد وهل يخدم ذلك مشروعنا؟ هل يخدم هدفنا وخططنا في المنطقة وما الذي يمكن أن نكسبه أو نخسره وندفع من نفقات ومصاريف سياسية معنوية اقتصادية دبلوماسية عسكرية مقابل توحيد الصف الكردي؟".
وأضاف سعدون في حديثٍ مع "العربي الجديد": "الأميركيون يبحثون عن مصالحهم، وما إذا كانت مصلحتهم تقتضي بتحقيق الوحدة الكردية. وأعتقد أنهم استراتيجياً ليسوا بحاجة لتوحيد أكراد سورية لمساعدتهم على تحقيق مصالحهم، لأنهم قادرون على تحقيقها من دون الأكراد".