على الرغم من التطور اللافت الذي شهدته العلاقات الروسية المصرية في السنوات الأخيرة في مجالات التجارة والسياحة والطاقة والتعاون العسكري - التقني، إلا أن ثمة شكوكا في واقعية ما كشف عنه تسريب الوثائق السرية الأميركية حول عزم مصر على إنتاج عشرات الآلاف من صواريخ "صقر-45" وتوريدها خلسة إلى روسيا.
وما يعزز فرضية سعي مصر لتجنب الانحياز الصريح لموسكو في أزمتها مع الغرب، تصويت مصر المتكرر لصالح إدانة الأعمال الروسية في أوكرانيا بالجمعية العامة للأمم المتحدة، وعزوف الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عن حضور منتدى بطرسبورغ الاقتصادي في الصيف الماضي، مكتفيا بإلقاء كلمة بنظام مؤتمر الفيديو، باإضافة إلى الجهود المصرية الحثيثة لإنماء حصتها بسوق الغاز الأوروبية لملء الفراغ الناجم عن تراجع حصة روسيا.
ويعتبر الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، إيفان بوتشاروف، أن إقدام مصر على توريد صواريخ إلى روسيا كان سيهدد علاقاتها مع واشنطن واستمرار حصولها على المعونة العسكرية الأميركية، مشدداً على بقاء القاهرة حليفا أميركيا في الشرق الأوسط.
ويقول بوتشاروف لـ"العربي الجديد": "على الرغم من علاقاتها الجيدة مع روسيا، إلا أن مصر تبقى حليفاً هاماً للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتعتز بالشراكة مع واشنطن التي تحصل منها على مساعدات عسكرية مباشرة بقيمة تفوق مليار دولار سنويا، وكان توريد الذخائر النفاثة إلى روسيا سيهدد مثل هذه المساعدات".
ويوضح أن "عقيدة السيسي" تقتضي اتباع سياسة خارجية متعددة الاتجاهات، مضيفاً: "تتبنى مصر مواقف متزنة حيال العديد من القضايا الحساسة، وخير مثال على ذلك أداؤها مهام الوساطة لتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. كما تسعى مصر للنأي بنفسها عن النزاع الروسي الأوكراني، وقد أدانت الأعمال الروسية بالجمعية الأمم للأمم المتحدة، وهو أمر تتعارض معه التسريبات الأميركية".
يُذكر أن مصر تراجعت عن صفقة شراء مقاتلات "سو-35" الروسية بعد نشر معلومات عنها في وسائل الإعلام في عام 2019.
ومن اللافت أن الصحافي الروسي، إيفان سافرونوف، الذي أعد هذا التقرير بخصوص تعاقد روسيا على توريد عشرات المقاتلات من طراز "سو-35" لصحيفة "كوميرسانت"، اُعتقل في عام 2020 إثر اتهامه بـ"الخيانة العظمى"، وقد صدر في الخريف بحقه حكم بالسجن لمدة 22 عاما.
من جهته، يرى عقيد الاحتياط ورئيس قسم العلوم السياسية والاجتماعية في جامعة بليخانوف الاقتصادية الروسية في موسكو، أندريه كوشكين، أن قطاع التصنيع العسكري الروسي قادر على تلبية احتياجات البلاد لمواصلة العملية العسكرية في أوكرانيا، مشككاً في صحة الوثائق المسربة.
ويقول كوشكين لـ"العربي الجديد": "تبدو التسريبات من البنتاغون مشكوكاً في أمرها، حيث إن من الصعب التمييز فيها بين الوثائق الحقيقية وتلك التي قد تكون أعدت خصيصا للتسريب".
ويلفت إلى أن "روسيا تتمتع بالاكتفاء الذاتي في مجال إنتاج الأسلحة اللازمة لمواصلة العملية العسكرية الخاصة، وحتى المسيرات الإيرانية ذائعة الصيت تسلمتها موسكو قبل بدء أعمال القتال".
وكان نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، قد شكك في تصريحات صحافية أول أمس الأربعاء، في صحة الوثائق الأميركية المسربة، قائلاً: "ليس لدينا موقف. على الأرجح من المثير للاهتمام للبعض الاطلاع على هذه الوثائق، إن كانت وثائق في الأساس، لا خبر مفبركا عن قصد". وأضاف: "حيث إن الولايات المتحدة هي طرف في النزاع يقود، في الواقع، حرباً هجينا ضدنا، فقد تلجأ إلى مثل هذه الحيل من أجل تضليل الخصم، أي روسيا الاتحادية".
بدوره، أكد منسق الاتصالات الإستراتيجية بمجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، أن الولايات المتحدة لا ترى مؤشرات على توريد مصر أسلحة إلى روسيا، رافضاً في الوقت نفسه التعليق على ما إذا كانت هناك اتصالات أجريت بين واشنطن والقاهرة بشأن المزاعم المذكورة.
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" مطلع الأسبوع الجاري، أن مصر كانت تعتزم إنتاج عشرات آلاف الصواريخ لتلبية احتياجات الجيش الروسي مع الحفاظ على سرية إنتاجها وإخفاء نقلها عن الدول الغربية، وذلك نقلاً عن الوثائق السرية الأميركية المسربة والجاري تحقيق في تسريبها بواسطة وزارتي الدفاع والعدل الأميركيتين.
وبحسب الوثيقة المؤرخة بـ17 فبراير/شباط الماضي، فإن السيسي وجه عسكريي بلاده بإنتاج ما يصل إلى 40 ألف صاروخ لتوريدها إلى روسيا. وعلاوة على ذلك، طالب الرئيس المصري بالحفاظ على سرية المعلومات حول إنتاج الأسلحة ونقلها بهدف "تجنب المشكلات مع الغرب"، وفق زعم تقرير "واشنطن بوست".
من جهته، شدد الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، رداً على سؤال الصحيفة الأميركية، على أن موقف القاهرة يستند منذ بدء النزاع في أوكرانيا إلى "عدم التدخل في هذه الأزمة والالتزام بالوقوف على نفس المسافة من الطرفين"، ودعم ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.