انتقد نشطاء سياسيون وحزبيون ما وصفوه بمواصلة الرئيس التونسي قيس سعيد الضغط على القضاء والإعلام، وذلك في سياق زيادة إحكام قبضته على جميع السلطات، بهدف توظيف كل الأجهزة لخدمة أجندته.
وركز المتابعون على تواتر لقاءات الرئيس قيس سعيد أخيراً بالمسؤولين عن السلطات القضائية، وتجديد رسالته لوزيرة العدل ليلى جفال ولرئيس المجلس الأعلى المؤقت للقضاء المنصف الكشو، بضرورة مشاركة القضاة في "معركة تطهير البلاد" التي يقودها، والدعوة المتكررة للمحاسبة وإثارة المتابعات القضائية "ضد كل من تسول له نفسه تأجيج الأوضاع والتصدي لظاهرة الإفلات من العقاب".
كما انتقد مراقبون توجيه الرئيس سعيّد انتقادات لاذعة لمديرة التلفزيون التونسي، عواطف الدالي، وخصوصاً للخط التحريري في القناة، وترتيب الأخبار في نشرة الأنباء، في لقاء وصف بـ"التوبيخي"، وبضرب حرية الإعلام.
تطويع القضاة وتركيع الإعلام
وأكد القيادي في جبهة الخلاص، والمتحدث الرسمي باسم حزب الإرادة، عمر السيفاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "استهداف النظام للقضاء والإعلام أمر منتظر ومتوقع، فأي نظام ديكتاتوري يبحث عن تثبيت انقلابه وإحكام قبضته على جميع السلطات، من خلال تطويع القضاة لاستهداف معارضيه وتخويفهم وتخويف كل من يعارضه، وكذلك تركيع الإعلام لخدمة أجندته، والترويج لنظامه وتبييض صورته".
وأشار السيفاوي إلى أنه "رغم ما جرى خلال سنتين من الانقلاب من تفرد بالسلطات وهيمنة، فإن السلطة تسعى لمزيد إحكام قبضتها على القضاء والإعلام، من خلال الضغط المتواصل على المسؤولين على المرفق القضائي ومديري وسائل الإعلام".
بدوره، اعتبر القيادي في حزب ائتلاف الكرامة، منذر بن عطية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "ما يقوم به قيس سعيد هو سلوك كلاسيكي لأي مستبد بصدد تركيز أركان حكمه الديكتاتوري، فبعد أن ضمن ولاء أجهزة الدولة الحاملة للسلاح، التفت للقضاء، وشنّ حملة أسفرت عن إقالة أكثر من 50 قاضياً، أغلبهم لا جُرم لهم سوى عدم إعلان ولائهم للمنظومة الجديدة، وأضاف مرسوماً يعطي الرئيس حق إعفاء أي قاض مباشرة، وهو سيف مسلط على رقبة كل قاض وإزهاق لاستقلالية القضاء عن السلطة التنفيذية، وبذلك أحكم قبضته على القضاء".
وشدد عطية: "بالنسبة للإعلام، كان الرئيس قد أصدر المرسوم 54 الذي يخنق الحريات، وقبلها أغلق مكتب قناة "الجزيرة"، وسجن الصحافي عامر عياد من أجل قصيدة، والصحافي صالح عطية ومدير عام قناة "موزاييك"، وفتح تحقيقاً ضد الصحافي زياد الهاني، وتعرضت المديرة العامة للتلفزة الوطنية للتوبيخ أمام أنظار العالم".
وبين أن "المتابع للإعلام التونسي ما قبل 25 وما بعده يلاحظ انحداراً رهيباً للحرية والحياد والموضوعية في التعاطي مع الشأن السياسي، وخاصة في نقد الرئيس، ونقل الأوضاع المزرية للتونسيين، وهذا مردّه الخوف".
وتابع عطية: "الخوف هو المنتج الوحيد الذي أفلح في إنتاجه قيس سعيد وتوزيعه بالمساواة بين كل القطاعات، سياسة، إعلام، قضاء، إدارة، رجال أعمال.. حتى المواطن الذي كان ينتقد الجميع وبلسان لاذع قبل 25 أصبح اليوم يتحاشى ذكر اسم قيس، رغم ما يعانيه من غلاء المعيشة، وفقدان المواد الأساسية.. لقد عدنا إلى كبت أيام (الرئيس الراحل زين العابدين) بن علي، لكن في ظل واقع اقتصادي واجتماعي أقبح مما كنا عليه، وهو ما ينبئ بعواقب وخيمة على الجميع".
من جهتها، أشارت القيادية في حزب النهضة فريدة العبيدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "رئيس النظام القائم يواصل ما بدأه من سعي لتركيع القضاء والإعلام وتوظيفهم لفائدته، وذلك رغم استماتة الشرفاء من القضاة والإعلاميين، ودفاعهم عن استقلالية قطاعاتهم، ودفاعهم بذلك عن حق المواطن وعلى الحريات والديمقراطية".
وأفادت العبيدي بأن "استقلال القضاء والإعلام ليست مَهمة ومعركة القضاة والإعلاميين فقط، بل هي قضية تهم كل التونسيين، لأن خطورة توظيف القضاء والإعلام تمسّ المواطن والمجتمع ومستقبل البلاد".
ويفسر قضاة قرار إيقاف قاضي التحقيق المسؤول عن ملف قضية "أنستاليغو"، التي يعد رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي من أبرز المتهمين فيها، في سياق "تطويع القضاء"، بحسب تعبيرهم، وينزلونه في سياق عزل 56 قاضياً، وحلّ المجلس الأعلى للقضاء المنتخب بمراسيم رئاسية.
وعلق القاضي المعزول حمادي الرحماني، في تدوينة على حسابه في "فيسبوك"، بعنوان "قضاء الواحد الأحد"، قائلاً: "مؤشرات إضافية تظهر لتؤكد نوايا المماطلة في إصدار الحركة القضائية، آخرها إقدام وزيرة العدل (ليلى جفال)، وفي خطوة جديدة صادمة، على إيقاف قاضي التحقيق الذي أنهى مؤخراً أبحاثه في قضية "أنستالينقو" عن العمل استناداً على الأرجح إلى القانون الأساسي البائد للقضاة لسنة 1967" .
واستدرك الرحماني: "لكنها تستعجل العقاب، وتثبيت موقف إدانة غامض ومستغرب وسابق لأوانه التفافاً على الحركة القضائية القادمة، مستفيدة من التراخي المدروس في إصدارها، بما يسمح لها بالتحكم في النُقَل والترقيات، وتجريف الخطط القضائية بإرادة فوقية منفردة، حتى إذا جاء المجلس المؤقت للقضاء لم يجد شيئاً ووجد المواقع شُغلت، والشغورات سُددت، والاختصاصات سُلبت على مرأى ممن نصبه، وسمى جميع أعضاءه، وألزمه على الاشتغال في فلكه ووفق توجيهاته دون تردد".