تصاعد صراع النفوذ في حضرموت بين "الانتقالي" والحكومة اليمنية

11 نوفمبر 2024
قوات موالية للحكومة في حضرموت، فبراير 2018 (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -

تتصاعد حدة صراع النفوذ في حضرموت بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، عقب حادثة مقتل جنديين سعوديين، يوم الجمعة الماضي، على يد مجند يمني في اللواء 135 مشاة التابع للمنطقة العسكرية الأولى التي تتخذ من مدينة سيئون بمحافظة حضرموت شرقي اليمن مقراً لها. ومنذ سنوات يطالب "الانتقالي" بطرد قوات المنطقة العسكرية الأولى، والتي يتهمها بأنها موالية للإخوان المسلمين، من وادي وصحراء حضرموت واستبدالها بقوات النخبة الحضرمية التابعة له.

أهمية حضرموت

تنتشر القوات التابعة للمنطقة العسكرية الأولى، وهي إحدى المناطق العسكرية اليمنية السبع، في عدد من مدن محافظة حضرموت شرقي اليمن، مثل سيئون والقطن والخشعة والعبر وثمود ورماه، ويقع مركز قيادتها في مدينة سيئون، وتتكون من سبع وحدات قتالية موزعة بين قوات برية وحرس حدود بقيادة اللواء الركن صالح محمد طيمس. وتكتسب محافظة حضرموت أهمية جيوسياسية واقتصادية، فهي المحافظة اليمنية الكبرى من حيث المساحة التي تبلغ 193032 كيلومتراً مربعاً، أي أنها تمثل 36% من مساحة اليمن، ويفوق عدد سكانها المليون نسمة، وتضم شريطاً ساحلياً يبلغ طوله 450 كيلومتراً، وفيها عدد من الموانئ مثل ميناء المكلا وميناء الشحر وميناء الضبة النفطي، كما أنها من أهم المحافظات النفطية في اليمن، إذ تشير التقديرات إلى أنها تصدّر 80% من صادرات النفط اليمني.

وتتكون محافظة حضرموت التي تنقسم إلى جزأين، من 28 مديرية، ومدينة المكلا عاصمة لها. يتكون الجزء الأول من ساحل وهضبة حضرموت وينقسم إلى 12 مديرية تسيطر عليها قوات النخبة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي والمدعومة من الإمارات، والتي تسيطر على قيادة المنطقة العسكرية الثانية المكونة من الأجزاء الجنوبية لحضرموت ومحافظتي المهرة وسقطرى، كما تسيطر على مواقع مهمة أبرزها مطار الريان الدولي في المكلا. أما الجزء الثاني من محافظة حضرموت فهو مديريات الوادي والصحراء التي تتكون من 16 مديرية وعاصمتها مدينة سيئون، وتقع تحت نفوذ قوات الحكومة المعترف بها دولياً المدعومة من السعودية، وتسيطر على مطار سيئون الدولي. وتملك حضرموت أكبر شريط حدودي مع السعودية، يربط بينهما ميناء الوديعة البري الذي يعد المنفذ البري بين اليمن والسعودية، ما يجعلها ضمن أولويات الاهتمام السعودي باليمن.

 صراع النفوذ في حضرموت

في ظل صراع النفوذ في حضرموت يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي للسيطرة على مديريات الوادي والصحراء، إذ كان قد نظم، منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مسيرة جماهيرية في مدينة سيئون تحت عنوان "مليونية الهوية الجنوبية"، بالتزامن مع إحياء ذكرى ثورة 14 أكتوبر (عام 1963 في الجزء الجنوبي من اليمن ضد الاحتلال البريطاني). وشدّد البيان الصادر عن المسيرة على "أهمية دور قوات النخبة الحضرمية في بسط الأمن والاستقرار في المحافظة"، مجدِداً المطالبة "بإخراج القوات العسكرية الموجودة في المنطقة، تنفيذاً لما جاء في اتفاق الرياض (عام 2019 بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي يتضمن ترتيبات اقتصادية وسياسية وعسكرية وأمنية) لضمان سيطرة أبناء حضرموت على قرارهم ومستقبلهم". وأكد البيان على "وحدة الجغرافيا والقرار السياسي الحضرمي والتصدي لأي محاولات تسعى إلى تمزيق النسيج المجتمعي الحضرمي، وعدم السماح لأي قوى معادية تسعى إلى جر حضرموت نحو مربع العنف أو تحويلها إلى ساحة للصراعات أو لسلخ حضرموت عن جسدها الجنوبي".

وفي مواجهة التوجهات الانفصالية للمجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت، جرى تشكيل مجلس حضرموت الوطني الذي تم إشهاره، في يونيو/حزيران من العام الماضي، باعتباره الحامل السياسي والاقتصادي والثقافي والعسكري والأمني الممثل لأبناء حضرموت في الداخل والخارج. وفي أكتوبر الماضي عُقدت في الرياض اجتماعات هيئة رئاسة المجلس لاستكمال بنيته التنظيمية، وأُعلن عن تشكيل أمانته العامة وتسمية رئيس هيئة الحكماء (عبد الله مبروك بن عجاج النهدي). كما أن المجلس انضم إلى عضوية التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية والذي تم إشهاره قبل أيام من عدن، جنوبي البلاد. ويسعى مجلس حضرموت الوطني إلى دعم جهود مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية بما يُسهم في توحيد الصف، بالتزامن مع استمرار التصعيد ضد السلطة المحلية ومجلس القيادة الرئاسي، والذي يتبناه حلف قبائل حضرموت، ومؤتمر حضرموت الجامع (انطلق عام 2017). ويصر حلف قبائل حضرموت على أن يكون مؤتمر حضرموت الجامع هو الحامل السياسي لحضرموت وممثلها في مشاورات التسوية اليمنية، بينما تعترف الحكومة بمجلس حضرموت الوطني المدعوم من قبل السعودية.

أمجد صبيح: جزء من قوات المنطقة العسكرية الأولى يرتبط بعلاقات مع الإخوان والحوثيين

وبشأن صراع النفوذ في حضرموت يقول مدير إدارة الإعلام والثقافة بالهيئة التنفيذية المساعدة للمجلس الانتقالي الجنوبي لشؤون مديريات وادي وصحراء حضرموت، أمجد صبيح، لـ"العربي الجديد"، إن "الانتقالي" يطالب "بنقل قوات المنطقة العسكرية الأولى من وادي وصحراء حضرموت واستبدالها بقوات النخبة الحضرمية". ويوضح أن هذا المطلب يأتي "خطوةً جوهريةً لتلبية التطلعات المشروعة لأبناء حضرموت الذين يرفضون الوجود العسكري لهذه القوات في أراضيهم، ويطالبون بقوات محلية تمثلهم وتعكس واقعهم واحتياجاتهم الأمنية الفعلية"، لافتاً إلى أن "هذه الخطوة ستعمل على تقليل التوترات وتعزيز الاستقرار، نظراً للتكامل والانسجام الذي توفره قوات النخبة الحضرمية مع النسيج المجتمعي في حضرموت". ويضيف صبيح أن "جزءاً من قوات المنطقة العسكرية الأولى يرتبط بعلاقات مع تنظيم الإخوان المسلمين وجماعة الحوثيين، ما يثير قلقاً عميقاً حول دورها في تهديد أمن المنطقة واستقرارها"، معتبراً أن "حادثة مقتل الجنديين السعوديين تأتي دليلاً واضحاً على أن الإرهاب ينبع من هذه المنطقة، ما يجعل من الضروري اتخاذ إجراءات حازمة لتأمين حضرموت وإزالة أي تهديدات أمنية".

ويشير إلى أن "نقل قوات المنطقة العسكرية الأولى يأتي ضمن بنود اتفاق الرياض، الذي يؤكد ضرورة إعادة تموضع القوات العسكرية وتخصيص القوات المحلية لحماية مناطقها، لذا فنحن نؤمن بأن أهل الأرض هم الأحق بحماية أرضهم، وأن نشر قوات النخبة الحضرمية، التي تتألف من أبناء المحافظة نفسها، سيكون خطوة فعالة نحو تحقيق الأمن والاستقرار في الوادي والصحراء". ويبيّن صبيح أنه "لتحقيق هذا المطلب الشعبي، يعمل المجلس الانتقالي الجنوبي على عدة مسارات، من أبرزها تنظيم فعاليات جماهيرية واسعة لدعم ومساندة مطالب أبناء حضرموت، والمطالبة الصريحة بإخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى". إضافة إلى ذلك "يتم التواصل المستمر مع قيادة التحالف العربي ومختلف الجهات المعنية لحثها على ضرورة تنفيذ بنود اتفاق الرياض، تحقيقاً للأهداف المشتركة وتعزيزاً للتعاون بين الأطراف المعنية".

عصام باوزير: المجلس الانتقالي الجنوبي يدرك استحالة إعلانه الانفصال من دون حضرموت

من جهته، يقول المحلل السياسي عصام باوزير، لـ"العربي الجديد"، إن "الصراع للسيطرة على حضرموت بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي يأتي بسبب الأهمية التي تكتسبها حضرموت نتيجة مساحتها الشاسعة، والثروات النفطية، وامتلاكها العديد من المطارات والموانئ". ويوضح أن صراع النفوذ في حضرموت يعود لأن المحافظة "بمثابة شوكة الميزان بالنسبة لليمن وللمحافظات الجنوبية على وجه الخصوص"، مضيفاً أن "المجلس الانتقالي يدرك استحالة إعلانه الانفصال من دون حضرموت لأنه لا معنى لدولة جنوبية من دون حضرموت، والحكومة الشرعية تدرك أن حضرموت هي الضامن لبقاء اليمن موحداً، بالإضافة إلى حضورها الكبير في الاقتصاد والسياسة، ما يجعلها مؤثرة جداً في الملف السياسي اليمني".

وحول صراع النفوذ في حضرموت يلفت باوزير إلى أن "حضرموت باتت ملعباً للصراع بين القوى الإقليمية، إذ يسعى كل طرف لدعم طرف موجود على الأرض، ويظهر هذا الصراع في الجانب السياسي والعسكري أيضاً، مع سعي كل طرف لاستكمال سيطرته على بقية المحافظة". والملاحظ وفق باوزير، فإن "حضرموت باتت ملعباً للاستقطابات من خلال التشكيلات والكيانات التي يجري تشكيلها في ظل غياب كيان جامع أو دور للأحزاب السياسية وبرامجها ورؤاها، إذ بات هناك طرفان يتقاسمان السيطرة على الأرض والموانئ والمطارات".

المساهمون