للأسبوع الثاني على التوالي، تتصاعد وتيرة الهجمات التي ينفذها مسلحو تنظيم "داعش" في محافظة كركوك العراقية (على بعد 250 كيلومتراً شمالي بغداد)، موقعة خسائر في صفوف قوات الشرطة والجيش العراقيين، فضلاً عن استهداف أبناء عشائر عربية يصنفها التنظيم على أنها "مرتدة" بسبب وقوفها في وجهه خلال عمليات تحرير مناطق جنوب غرب المحافظة من سيطرته، في عام 2016. وعلى الرغم من زيارات متكررة قام بها قياديون عسكريون وأمنيون للمحافظة، وعقدهم سلسلة اجتماعات نتجت عنها زيادة عدد القوات العسكرية والشرطية، وإطلاق حملات عسكرية لتتبع جيوب وخلايا التنظيم، إلا أن الهجمات الليلية لـ"داعش" لا تزال تسجّل في بلدات ومناطق مختلفة من المحافظة، منها خصوصاً تلك الواقعة على نطاق حدود سلسلة جبال حمرين، وحدود محافظتي ديالى وصلاح الدين المجاورتين لكركوك.
اقتراب موعد تنفيذ حملة أمنية واسعة في المحافظة، تركز على المناطق الجبلية والقرى البعيدة
وفي الوقت الذي لا تزال فيه قوات الأمن في كركوك، ثاني كبرى المحافظات العراقية بعد البصرة من حيث امتلاكها للثروات النفطية والغازية، في حالة إنذار عام، تشير تسريبات لـ"العربي الجديد"، إلى قرب تنفيذ حملة أمنية واسعة في المحافظة، تركز على المناطق الجبلية والقرى البعيدة، بحثاً عن خلايا وجيوب للتنظيم. وحول حصيلة ضحايا هجمات "داعش"، أكد مسؤول أمني عراقي أنها بلغت خلال الأسبوعين الماضيين 10 قتلى من قوات الأمن وسبع إصابات في صفوفهم، كما قتل مدنيان اثنان وخطف خمسة أشخاص من عشائر جنوب وجنوب غربي كركوك. وتحدث المصدر عن إطلاق سراح مختطف، بعد مقايضته بالمال من قبل عناصر التنظيم، كما سُجّلت عمليات انتقامية نفذّها مسلحو "داعش"، مثل حرق محاصيل وقتل مواش.
وتعتبر كركوك أهم المناطق المتنازع عليها بين الحكومتين الاتحادية في بغداد وإقليم كردستان العراق، إلى جانب مدن عدة، مثل سنجار والطوز وخانقين ومخمور وزمار ومناطق أخرى. ولم يحسم مصير كركوك السياسي طوال السنوات التي تلت عام 2003. لكن بعد إجراء إقليم كردستان استفتاء الانفصال عن العراق في 2017، أصدر رئيس الحكومة العراقية آنذاك حيدر العبادي أمراً بدخول قوات مكافحة الإرهاب العراقية إلى كركوك وإخضاع المحافظة لسيطرة الحكومة الاتحادية، بعدما كانت تحت سيطرة الأحزاب الكردية. هذا الأمر أدى إلى إعادة التنسيق مع البيشمركة وتراجعها للحدود الإدارية السابقة للمحافظة، ما نتج عنه تشكيل لجان أمنية عليا تنسق في ما بينها لضبط أمن المحافظة وحدودها.
وقال عضو "الجبهة العربية" في كركوك علي العبيدي إن "تنظيم داعش يسعى للضرب في أي منطقة يمكن أن تؤدي آثار استهدافها إلى أزمات سياسية واقتصادية، لذلك فهو يركز على كركوك مثلاً، وعلى مناطق أخرى مختلطة سكانياً". واعتبر العبيدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الهجمات الإرهابية لا يمكن أن تشكل غطاءً، أو حجّة أو حافزاً لإعادة (قوات) البيشمركة (الكردية) إلى المحافظة، لكن ما يجب فعله من قبل حكومة إقليم كردستان العراق، هو أن تتعاون في سدّ الفراغات الأمنية بالمناطق الجبلية والتضاريس الوعرة التي ينشط فيها داعش كمخابئ له". وبرأيه، فإن الحل "يكمن في إجراء تغييرات أمنية سريعة وإشراك الأهالي في الملف الأمني، من خلال تطويع أكبر عدد ممكن منهم في سلك الشرطة".
من جهته، اعتبر عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي كاطع الركابي، أمس الإثنين، أنّ الهجمات المتكررة في كركوك سببها "أن المنطقة هشّة أمنياً"، مضيفاً في تصريحات صحافية، أن "القادة الأمنيين مطالبون بأن يكونوا أكثر حرصاً على ما يجري في كركوك، إذ لو كان هناك رصد وتفتيش حقيقي للبؤر الموجودة (لـ"داعش")، لما حصلت هذه العمليات بشكل متكرر".
العبيدي: هجمات داعش لا يمكن أن تشكل غطاءً أو حجّة لإعادة قوات البيشمركة إلى المحافظة
لكن المتحدث باسم قيادة العمليات العراقية المشتركة، اللواء الركن تحسين الخفاجي، أكد لـ"العربي الجديد"، أن الوضع الأمني في محافظة كركوك وأطرافها "تحت السيطرة، ولا توجد مخاوف لدينا في هذا الإطار". وبيّن الخفاجي أن "ما حصل أخيراً من هجمات على القطعات العسكرية، يرادُ منه إيصال رسائل بأن داعش لا يزال قادراً على شنّ مثل هذه الهجمات، لكن الواقع هو غير ذلك، فنحن مستمرون في العمليات النوعية والاستخبارية بالقضاء على كل خلايا التنظيم المنتشرة في عموم المدن العراقية". وأوضح الخفاجي أن "القطعات العسكرية والأمنية في محافظة كركوك، وضعت خططاً جديدة مدروسة، لسد جميع الثغرات التي كان يستغلها عناصر التنظيم الإرهابي في شنّ هجماته، سواء تلك التي تستهدف القوات الأمنية أو المدنيين، كما تمّ تفعيل مركز المعلومات المشتركة مع قوات البيشمركة، والذي سيكون له أيضاً دور فاعل في منع مثل هذه الخروقات، التي قد تحصل في بعض المناطق، والتي فيها ثغرات".
بدوره، أقرّ المتحدث باسم "الحشد الشعبي" في شمالي العراق علي الحسيني باستغلال "داعش" ما وصفه بـ"عدم الاستقرار السياسي في كركوك، إذ إن الهجمات في المحافظة تجد صدى أكبر من غيرها بسبب وضعها المعروف". وأضاف الحسيني أن "الخروقات تحصل في مناطق كركوك، بسبب وجود خلل في الانتشار الأمني على الخط الفاصل بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة، وهو ما يستغله داعش لشنّ هجماته أو حتى الاختباء".
في المقابل، وصف الخبير الأمني العراقي أحمد الشريفي الأوضاع في كركوك بأنها "لا تحتاج إلى عملية عسكرية جديدة، بقدر حاجتها إلى عمل استخباري منظم"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المعركة الآن استخبارية ومعركة معلومات، لمعرفة خلايا وجيوب التنظيم التي تضرب وتتفرق، في إطار شنّها حرب استنزاف بين وقت وآخر". وحذّر المحلل الأمني العراقي من أن "العراق يمر حالياً بفترة خلافات سياسية كبيرة وعميقة بين كل الأطراف السياسية، بسبب قرب الانتخابات البرلمانية المبكرة (مقررة في 10 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل)، وهذه الخلافات غالباً ما يستغلها داعش لشنّ هجماته وتصعيدها، ولهذا وجب الحذر". وشدّد الخبير الأمني على أن القوى السياسية كافة "مطالبة اليوم بتهدئة التنافس الانتخابي، لما له من تأثير مباشر وخطير على الوضع الأمني في عموم مدن العراق".