تبدي قوى سياسية عراقية مختلفة، مخاوفها من تصاعد هجمات مسلحي تنظيم "داعش" في مدن عدة شمال وغرب ووسط البلاد، خلال الأسبوعين الأخيرين، والتي أسفرت في مجملها عن مقتل وجرح العشرات من المواطنين وقوات الأمن، فضلاً عن مسلحي "الحشد الشعبي"، وقوات البشمركة، عدا عن اختطاف عدد من المواطنين.
وتصدرت كركوك وديالى والأنبار إضافة لحزام بغداد، قائمة مناطق العراق الأكثر تعرضاً للاعتداءات الإرهابية أخيراً، في وقت تواصل فيه قوات الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب، عمليات واسعة النطاق لاحتواء مخاطر وتهديدات جيوب التنظيم، بالتزامن مع حراك مماثل على الحدود مع سورية، حيث يعتقد مسؤولون عراقيون بأنّ عدداً من مسلحي التنظيم يتسللون عبرها بين وقت وآخر، وهم من يتورطون في الهجمات الحالية داخل العراق.
وقال عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، النائب عن تحالف "القوى العراقية"، عبد الخالق العزاوي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد": "هناك تصاعد خطير في هجمات تنظيم داعش في عدد من المدن، ما يشير لوجود ثغرات أمنية وعسكرية، يستغلها عناصر التنظيم في شن هجماتهم". وأوضح العزاوي أنّ "القيادات الأمنية مطالبة بإعادة النظر، وبشكل عاجل، في الخطط الأمنية، لمنع أي خروقات تؤدي لسقوط قتلى وجرحى"، مشيراً إلى أنّ الهجمات "عادت لتشكل خطراً على استقرار المدن وأمنها بشكل واضح". ووصف عمليات الخطف الأخيرة في كركوك بأنها "مؤشر خطير على تصاعد خطر التنظيم، وأهمية إعادة النظر في خطط مواجهة بقاياه".
بلغ عدد ضحايا هجمات التنظيم خلال الأسبوعين الأخيرين نحو 30 قتيلاً
وبحسب مصادر أمنية عراقية، فقد بلغ عدد ضحايا هجمات التنظيم خلال الأسبوعين الأخيرين نحو 30 قتيلاً، أكثر من نصفهم عناصر أمن، فضلاً عن جرح ما لا يقل عن 40 شخصاً. واحتلت كركوك وديالى والأنبار الصدارة كأكثر المحافظات تعرضاً للاعتداءات. وبحسب المصادر نفسها التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإنّ "أغلب الاعتداءات كانت بواسطة عبوات ناسفة وهجمات مسلحة، كما سجل اختطاف عدد من المواطنين".
وفجر أمس السبت، شنّ مسلحو "داعش" بالتزامن هجمات عنيفة استهدفت قوات الجيش في بلدة الطارمية شمالي بغداد، وأسفرت عن مقتل سبعة عسكريين بينهم ثلاث ضباط، وجرح عدد آخر من الجنود. وأعقب ذلك هجوم آخر استهدف حاجزا أمنيا لقوات البشمركة على مقربة من مدينة داقوق جنوب كركوك، ما أسفر عن مقتل 3 وجرح 4 من أفراد هذه القوات، بحسب ما أعلنته السلطات الأمنية. والخميس الماضي، قتل عميد بقوات حرس الحدود، واثنان من مرافقيه، بهجوم لتنظيم "داعش"، غربي محافظة الأنبار قرب الحدود مع سورية.
في السياق، كشف النائب عن تحالف "سائرون"، بدر الزيادي، عن "حراك في البرلمان لاستضافة القيادات الأمنية والعسكرية العليا في البلاد، لمناقشة تصاعد هجمات تنظيم داعش في مختلف المدن، وخطورة هذا الأمر على الوضع الأمني في عموم العراق". وقال الزيادي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "تصاعد هجمات التنظيم، سيكون له تأثير بكل تأكيد على إجراء الانتخابات البرلمانية في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، في المدن التي تشهد خروقات أمنية بشكل شبه يومي، ولهذا يجب وضع حد لهذه الخروقات، ومنع أي ثغرات، وتشديد الإجراءات الأمنية، والاعتماد على الجهد الاستخباراتي والضربات النوعية الاستباقية".
ودعا النائب عن تحالف "سائرون" رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي "إلى الاهتمام بالملف الأمني بشكل أكبر، وجعله على رأس الملفات التي يجب العمل عليها، كونه أهم الملفات، خصوصاً بالنسبة للمناطق المحررة من تنظيم داعش الإرهابي".
حراك في البرلمان لاستضافة القيادات الأمنية والعسكرية العليا، لمناقشة تصاعد هجمات تنظيم داعش
في المقابل، قال المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العراقية، اللواء تحسين الخفاجي، إنّ قوات الأمن "تجري تغييرات وتحديثات على الخطط الأمنية، لمنع تكرار الخروقات والهجمات". وأكد الخفاجي، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الحديث عن إمكانية سيطرة تنظيم داعش على مناطق أو قرى صغيرة من خلال هجماته، أمر ليس فقط مستحيلاً، بل هو حلم لن يتحقق، فأي هجوم يشنه التنظيم يتم صده، فضلاً عن أنّ التنظيم يشنّ الهجوم بعدد قليل من العناصر يتراوح بين 4 و6 أفراد، ولا يمكن السيطرة أو احتلال أي منطقة بهكذا عدد من الإرهابيين".
وأوضح الخفاجي أنّ "القيادات العسكرية والأمنية، في اجتماعات متواصلة لوضع خطط محكمة، وسد أي ثغرة يستغلها تنظيم داعش الإرهابي للتحرك وشن هجماته، التي يريد من خلالها إيصال رسالة مفادها أنه ما زال موجوداً ويستطيع التحرك". وأشار إلى أنّ "الضربات الجوية والعمليات النوعية، مستمرة لضرب مراكز التحكّم والقيادة التابعة لداعش، والعراق تمكّن خلال الفترة القليلة الماضية، من توجيه ضربات نوعية حققت أهدافها بقتل قيادات في التنظيم واعتقال آخرى، وتدمير مراكز تحكم وقيادة، بالإضافة إلى الحصول على وثائق مهمة لداعش".
الخفاجي: قوات الأمن تجري تغييرات وتحديثات على الخطط الأمنية، لمنع تكرار الخروقات
وختم بالقول إنّ "هناك بعض الثغرات ما زالت موجودة على الحدود العراقية – السورية، وهذه الثغرات تشكل تهديداً لأمن المدن العراقية واستقرارها، ويتم حالياً وضع أسلاك شائكة، ورفع سواتر ترابية ونصب كاميرات حرارية على الحدود لغلق هذه الثغرات الأمنية، لمنع تسلل عناصر تنظيم داعش، خصوصاً بعد زيادة نشاطه في مناطق شمال شرق سورية".
لكن الخبير في الشأن الأمني العراقي، العقيد المتقاعد عبد الكريم الزهيري، قال في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الهجمات تؤشر إلى فشل عراقي في تثبيت الأمن عند مستوى واحد"، وإنّ "المبادرة باتت لدى المسلحين". وأضاف الزهيري أنّ "الهجمات قد تستغلها المليشيات الحليفة لطهران، وكذلك القوى السياسية القريبة منها، لتأجيج النعرة الطائفية مجدداً في البلاد. كما أنها قد تشكل عاملاً يتم استغلاله في الخطاب الانتخابي. لذا، الحكومة مطالبة بالتحرك سريعاً لإعادة مستويات الأمن إلى ما كانت عليه". وأكد الزهيري أنّ "طبيعة الاعتداءات الأخيرة تشير إلى وجود حاجة ملحة لاعتماد طرق وأساليب عمل جديدة لضرب خلايا التنظيم، غير عمليات التمشيط والبحث التي يبدو أنّ مسلحي داعش نجحوا في التعامل معها والإفلات منها".