لم تكد عمليات الهدم العام الماضي تضع أوزارها في القدس المحتلة حاصدة هدم مئات المباني والمنشآت السكنية، حتى عادت مطلع هذا العام، وعلى مدى الأيام الماضية، لتحصد المزيد بمعدل عمليتي هدم يومياً، إضافة إلى تسليم مزيد من أوامر الهدم لتشمل مراكز صحية ومسجداً. المدينة المقدسة استقبلت العام الجديد، بهجمة غير مسبوقة من الانتهاكات المنظمة التي يمارسها الاحتلال في المدينة وضواحيها يومياً، تجاوزت بحسب حركة "فتح" في القدس، كل الخطوط الحمراء الخاصة بالقانون الدولي والاتفاقات، وتشكل صفعة في وجه المجتمع الدولي.
وقال المتحدث باسم حركة "فتح" في القدس، محمد ربيع في حديث مع "العربي الجديد"، إن "سلطات الاحتلال لم تدخر جهداً للسيطرة على المدينة المقدسة وتهويدها وتغيير معالمها، فرفعت وتيرة الهدم للبيوت الفلسطينية، وأجبرت الأهالي على هدم منازلهم بأيديهم".
وأشار ربيع إلى أن عمليات الهدم في القدس طاولت أيضاً المراكز الطبية، ودور العبادة، كما حدث في بلدة جبل المكبر جنوب القدس المحتلة، وأخطرت بوقف أعمال البناء في مسجد التقوى ببلدة العيسوية.
معاناة الأهالي من عمليات الهدم
وعمدت آليات تابعة لبلدية الاحتلال في القدس، يوم الأربعاء الماضي إلى هدم منزل سلطان حليسي في بلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى، بحجة البناء بدون ترخيص. مع العلم أن مساحة المنزل الذي تم تشييده في 2014، بحسب ما أوضح حليسي لوكالة "الأناضول" لا تتجاوز 65 متراً مربعاً، وكان يعيش فيه مع زوجته وأولاده الأربعة.
هدم الاحتلال 187 منشأة في العام الماضي وحده
كما كانت عائلة المواطن المقدسي صهيب الرجبي من حي بيت حنينا، شمالي القدس، من ضحايا أحدث عمليات الهدم التي نفذتها بلدية الاحتلال، الثلاثاء الماضي، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة، فيما شبح الهدم يتهدد منزل عائلة الشهيد فادي أبو اشخيدم من مخيم شعفاط، شمالي القدس، وهو منفذ العملية الفدائية في القدس القديمة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
ووصف الرجبي في حديث لـ"العربي الجديد"، ما جرى لعائلته من تشريد، بأنه جولة ثانية من الملاحقة والتهجير التي تستهدف عائلته، مع إصرار بلدية الاحتلال الإسرائيلي في القدس على منعه من بناء منزل يؤوي أفراد عائلته، وهي معاناة تمتد منذ ثماني سنوات تخللتها محاولات للحصول على رخصة بناء إلا أنها باءت بالفشل جميعاً، لتفاجأ العائلة ومن دون سابق إنذار باقتحام المنزل وإرغام من فيه على مغادرته والمباشرة بهدمه على محتوياته ومقتنياته.
عملية الهدم، وبحسب الرجبي، تمت على الرغم من حصوله من بلدية الاحتلال على أمر يمنع الهدم، وقال: "لقد رفضوا الامتثال لقرار المنع، على الرغم من إبرازه لهم، وواصلوا تنفيذ مهمتهم". ولا تنتهي معاناة عائلة المواطن المقدسي صهيب الرجبي عند عملية الهدم، بل إنها ستتواصل بعد ذلك، لتضيف عليه عبئاً اقتصادياً آخر، يتمثل باستمراره بدفع رسوم الغرامة المالية العالية والبالغة 400 ألف شيكل بالعملة الإسرائيلية (نحو 130 ألف دولار).
وامتدت عمليات الهدم حتى المرافق العامة، إذ سبق عملية هدم منزل الرجبي في ساعة مبكرة من صباح يوم الثلاثاء الماضي، قيام جرافات الاحتلال بهدم الصالة الرياضية التابعة لمركز عبد الله الشيخ الصحي، الكائن في بلدة جبل المكبر، جنوبي القدس، البالغة مساحتها نحو 80 متراً مربعاً، بحجة البناء من دون ترخيص.
عملية الهدم للصالة الرياضية في جبل المكبر وصفها المدير التنفيذي للمركز الطبي غسان جلاجل في حديث لـ"العربي الجديد"، بأنها كانت مفاجئة، بالنظر إلى أن المركز كان بدأ بإجراءات الترخيص اللازمة لدى محكمة بلدية الاحتلال في القدس.
أعداد عمليات الهدم
وعلى الرغم من تضارب المعطيات الموثقة من قبل المؤسسات الحقوقية، إلا أن مركز معلومات وادي حلوة - القدس، أكد أن بلدية الاحتلال في القدس هدمت خلال عام 2021، 187 منشأة في مدينة القدس، من بينها 115 منشأة هدمت ذاتياً بأيدي أصحابها.
وكانت المنشآت السكنية الأكثر استهدافاً بعملية الهدم، مع رصد هدم 123 منشأة سكنية من منازل ومبان وبركسات وغرف سكنية وشرف، فضلاً عن هدم 29 منشأة تجارية ومخازن، و18 منشأة حيوانية وزراعية، إضافة الى هدم وتجريف أسوار، ساحة، ومستودعات.
وأشار التقرير السنوي الصادر عن وزارة شؤون القدس للعام 2021، إلى أن سلطات الاحتلال هدمت خلال العام الماضي، ما مجموعه 177 مبنى، ما أثر مباشرة على 1422 مواطناً.
وتوزعت عمليات الهدم كما يلي: جبل المكبر (27)، بيت حنينا (25)، سلوان (21)، العيسوية (22)، صور باهر (11)، الطور (10)، حزما (10)، الولجة (9)، رأس العامود (9)، الرام وضاحية البريد (5)، واد الجوز (5)، بيت صفافا (4)، الثوري (3)، الشيخ جراح (3)، مخيم شعفاط (3)، قلنديا (3)، بتير (2)، بئر عونه (2)، الشيخ سعد (1)، شعفاط (1)، أم طوبا (1).
يعتبر الاحتلال 20 ألف منزل في القدس بأنها "غير مرخصة"
وجزء كبير من المنازل السكنية تم هدمها ذاتياً تحت وطأة التهديد بفرض غرامات باهظة في حال عدم الهدم. كما هدمت بلدية الاحتلال نحو 30 منشأة تجارية وزراعية وجدراناً.
كما تواجه عشرات المنازل الأخرى تهديداً وشيكا بالهدم ومنها أكثر من 100 منزل في حيي وادي ياصول والبشير، و84 منزلاً في حي البستان في سلوان، ومبنى من 5 طوابق تضم 10 شقق سكنية في الطور، ومنازل في أحياء أخرى بالمدينة المقدسة، ما ينذر بتشريد آلاف الفلسطينيين. وتصنف سلطات الاحتلال أكثر من 20 ألف منزل بالمدينة على أنها غير مرخصة.
أما معطيات منظمة "بيتسيلم" الإسرائيلية، فأشارت بهذا الشأن إلى أن بلدية الاحتلال هدمت في القدس المحتلة خلال العام الماضي، 160 مبنىً بضمنها 96 كانت تُستخدم لأغراض السّكن. لكن معطيات محافظة القدس التي رصدت انتهاكات الاحتلال في المدينة المقدسة خلال العام الماضي، أشارت إلى 310 عمليات هدم لمنازل ومنشآت وتجريف أراض في حدود محافظة القدس تم هدمها وتدميرها بالكامل، من بينها إجبار بلدية الاحتلال مواطنين مقدسيين على هدم 97 منزلاً قسراً، فيما نفذت آلياتها 200 عملية هدم أخرى، كما أجرت 15 عملية تجريف لتكون حصيلة عمليات الهدم والتجريف خلال العام الماضي 310 عمليات.
وطاولت عمليات الهدم محال تجارية، وبركسات وحضانات وأسوارا، ومنازل مواطنين تؤوي عدداً كبيراً من الأفراد، فيما طاولت عمليات الهدم أيضاً منشآت ومباني قيد الإنشاء.