عاد التصعيد العسكري العنيف ضد القوات الأميركية، الذي لم يقتصر على التواجد الأميركي في العراق بل امتد إلى سورية، حيث أفشلت قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن هجوماً بطائرات مسيّرة على حقل العمر النفطي في ريف دير الزور الشرقي، بالتوازي مع هجومين خلال ساعات في العراق، استهدف الأول مساء الثلاثاء مطار أربيل الدولي الذي يضم معسكراً لقوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، وأعقبه بعد نحو 12 ساعة هجوم آخر على قاعدة "عين الأسد" غربي البلاد. واللافت أن هذا التصعيد جاء بعد زيارة مسؤول الاستخبارات في الحرس الثوري الإيراني حسين طائب، إلى بغداد الثلاثاء، حيث التقى قيادات في فصائل مسلحة حليفة لطهران. في المقابل، يتوقع مسؤولون عراقيون رداً عسكرياً أميركياً عنيفاً على الهجمات، التي أفشلت جهود الوساطة ومساعي التهدئة التي بذلها رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي.
وبعد ساعات من إسقاط القوات الأميركية ليل الإثنين-الثلاثاء، طائرة مسيّرة مفخّخة أثناء تحليقها فوق السفارة الأميركية في بغداد، تعرّض مطار أربيل الدولي الذي يضم معسكراً لقوات التحالف الدولي، لهجوم بواسطة طائرة مسيّرة ليل الثلاثاء، أسفر حسب حكومة الإقليم عن حرائق محدودة خارج حرم المطار من دون وقوع إصابات. وقال المتحدث باسم التحالف الدولي واين ماروتو في تغريدة عبر "تويتر" إنّ طائرة مسيّرة مفخخة انفجرت "بالقرب من قاعدة أربيل الجوية" ولم يبلّغ عن وقوع ضحايا أو أضرار جرّاء الهجوم.
وأكد مدير مطار أربيل أحمد هوشيار، أن حركة الملاحة الجوية في المطار لم تتأثر نتيجة الهجوم. فيما وجّه محافظ أربيل أوميد خوشناو، دعوة إلى التحالف الدولي والولايات المتحدة، لحماية إقليم كردستان من الهجمات التي يتعرض لها، واصفاً في تصريح صحافي استهداف مطار أربيل بـ"العمل الإرهابي الجبان". من جهته، تعهّد المتحدث باسم التحالف الدولي باستمرار دعمه لقوات البشمركة في إقليم كردستان لردع الهجمات. وسبق أن تعرّض مطار أربيل إلى عدة هجمات بصواريخ كاتيوشا وطائرات مسيّرة.
أعلنت مليشيا تطلق على نفسها اسم "سرايا أولياء الدم" مسؤوليتها عن الهجوم الذي استهدف مطار أربيل
وأعلنت مليشيا تطلق على نفسها اسم "سرايا أولياء الدم" مسؤوليتها عن الهجوم الذي استهدف مطار أربيل. وخاطبت الجنود الأميركيين في العراق بالقول "سبق أن نبهناكم، في حال تأخر طيرانكم عن التحليق مجدداً، فإننا سنضطر إلى استخدام أساليب أخرى لضربكم في عمق قواعد احتلالكم". وتابعت المليشيا التي سبق أن تبنّت عمليات مماثلة استهدفت القوات والمصالح الأجنبية في العراق، في بيان تداولته منصات مقربة من الفصائل المسلحة، "اجعلوا طيرانكم يحلق ثانية كي لا نضطر لمعاودة ما فعلناه الليلة، فقد عاهدنا شعبنا الأبي على أن نشويكم في الجو".
وبعد نحو 12 ساعة على هجوم أربيل، استهدف هجوم آخر أمس قاعدة "عين الأسد" في الأنبار، بواسطة 14 صاروخاً من طراز "غراد". وقال ماروتو عبر "تويتر" إن الهجوم على القاعدة أدى إلى إصابة شخصين بجروح طفيفة، لافتاً إلى أن الصواريخ سقطت داخل القاعدة وفي محيطها. وأكدت مصادر في قيادة عمليات الجزيرة للجيش المسؤولة عن حفظ أمن مناطق غرب العراق، أن محيط "عين الأسد" شهد إجراءات أمنية مشددة بعد الهجوم، موضحة لـ"العربي الجديد" أن المناطق القريبة من القاعدة شهدت عمليات تفتيش بحثاً عن متورطين بالهجوم. وكان وفد أمني عراقي رفيع المستوى، زار القاعدة الثلاثاء.
من جهتها، قالت وزارة الدفاع العراقية إن عدداً من منازل المدنيين وأحد المساجد تضررت جراء القصف على "عين الأسد". وذكرت خلية الإعلام الأمني في بيان أن "شاحنة بداخلها حاوية توقفت في منطقة البغدادي في محافظة الأنبار، وكان ظاهراً أنها تحمل أكياساً من مادة الدقيق، لكنها كانت تحمل قاعدة لإطلاق الصواريخ". وأضافت أن "14 صاروخاً انطلقت من الشاحنة تجاه قاعدة عين الأسد الجوية ومحيطها، فيما انفجرت بقية الصواريخ التي كانت متبقية بداخلها في مكانها ما أدى إلى أضرار في منازل المواطنين القريبة وأحد المساجد".
وتبنّت مليشيا تطلق على نفسها اسم "لواء ثأر المهندس" الهجوم على "عين الأسد" بثلاثين صاروخا من طراز "غراد"، وفق إعلانها.
وعن هذا التصعيد، قال مسؤول عراقي في بغداد، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن حكومة الكاظمي تتوقع رداً أميركياً على الهجمات وبنحو قد يكون أعنف من السابق، مؤكداً فشل جهود الوساطة ومساعي التهدئة التي بذلها الكاظمي في هذا السياق والتي كانت قد وصلت إلى درجة التفاوض على تأجيل الرد في الوقت الحالي. واعتبر المسؤول أن زيارة مسؤول الاستخبارات في الحرس الثوري حسين طائب، إلى بغداد الثلاثاء، ساهمت في تأجيج الموقف الأمني بعد لقائه بعدد من زعماء الفصائل المسلحة.
حكومة الكاظمي تتوقع رداً أميركياً على الهجمات وبنحو قد يكون أعنف من السابق
وكشف أن الجيش الأميركي سلّم الحكومة العراقية تقارير بشأن الجهات المتورطة بقصف المنطقة الخضراء وقاعدتي "عين الأسد" وأربيل والمناطق التي تخرج منها الطائرات المسيّرة واستخدام تلك الفصائل لإمكانيات "الحشد الشعبي" في تنفيذ تلك الهجمات، لافتاً إلى أن الجيش أكد أن "الرد سيكون دفاعياً من قِبله". وحذر من أن استمرار التصعيد قد يهدد إجراء الانتخابات النيابية المقررة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل ويدخل البلاد في أزمة أمنية جديدة.
كما كشف مسؤول في وزارة الدفاع العراقية لـ"العربي الجديد" أن وزير الدفاع جمعة عناد عقد اجتماعاً مغلقاً مع السفير الأميركي في بغداد ماثيو تولر مساء الثلاثاء، قبل ساعات من القصف الذي استهدف أربيل، مضيفاً أن القوات الأميركية تمتلك قاعدة معلومات ومواقع جغرافية لمصادر تهديد قواتها، وحذرت من أن الرد سيكون واسعاً، معتبراً أن استخدام الفصائل المهاجمة معسكرات "الحشد الشعبي" نفسه التي خصصتها الحكومة لها يجعل من أي ضربات أميركية داخل العراق أمراً له تداعيات سياسية كبيرة أيضاً وليست أمنية فقط.
من جهته، كشف قيادي في "الحشد الشعبي"، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، عن إجراء فصائل مسلحة بارزة تغييرات كبيرة في الأيام الماضية في مقراتها الرئيسة تحسباً من ضربات أميركية وشيكة، وقال إن ذلك شمل تغيير مكان إقامة قيادات في تلك الفصائل تحسباً لضربات تستهدفهم أيضاً. ورجح أن يكون الرد الأميركي هذه المرة في حال حصوله، داخل العراق وليس على المنطقة الحدودية بين العراق وسورية، كما كان في المرات السابقة.
أما سعد السعدي، القيادي في حركة "عصائب أهل الحق"، إحدى أبرز الفصائل المسلحة المدعومة من إيران، فقال لـ"العربي الجديد" تعليقاً على الهجمات الأخيرة على مواقع أميركية، إنها "جزء من رد على الهجوم الأميركي الذي استهدف قطعات الحشد الشعبي على الحدود العراقية السورية، وهذه الهجمات ستتصاعد بإذن الله وستكون هناك عمليات نوعية في المرحلة المقبلة". وأضاف متحدثاً عبر الهاتف من بغداد أن "الفصائل العراقية مستعدة للمواجهة وهي تعلم جيداً أن استهداف الأميركيين للفصائل لن يتوقف، حتى لو لم تردّ الفصائل، ونحن لا نخشى الرسائل الأميركية الحالية والتهديدات التي تطلقها، والتصعيد مستمر إلى حين إخراجها بالكامل من كافة الأراضي العراقية". وشدد على أن "أي عملية أميركية جديدة تعني رداً جديداً وواسعاً وبعمليات نوعية، تجعل المواجهة مفتوحة، وكل الخيارات مطروحة الآن".
قيادي في "عصائب أهل الحق": هذه الهجمات ستتصاعد وستكون هناك عمليات نوعية في المرحلة المقبلة
من جهته، حذر عضو البرلمان العراقي باسم خشان، من "رد فعل أميركي أكثر عنفاً تجاه استمرار استهداف مصالحه في العراق"، لافتاً في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن واشنطن أكدت أن استمرار استهداف مصالحها يعني استمرار الضربات رداً على الجماعات المسلحة المسؤولة عن هذه الهجمات. وأشار إلى أن "قوى سياسية لها أجنحة مسلحة متورطة أيضاً في تلك الهجمات، لكن ليس بهدف إخراج القوات الأجنبية من العراق، بل لديها أهداف سياسية معروفة، فهي تسعى إلى إشعال فوضى أمنية في البلاد، من أجل عدم إجراء الانتخابات المبكرة، إذ تخشى خسارة نفوذها الحالي ما بعد الانتخابات المرتقبة".
في المقابل، قال الخبير في الشأن السياسي والأمني العراقي أحمد الشريفي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "استمرار استهداف المصالح والأهداف الأميركية في العراق من قبل بعض الفصائل المسلحة يحمل رسائل سياسية وأمنية لأطراف داخلية وخارجية أيضاً". ولفت إلى أن "الرسائل الأمنية واضحة جداً بأن الفصائل المسلحة قادرة على الوصول لأي هدف تريد استهدافه على الرغم من التحصينات الأمنية والدفاعات الجوية، كما أنها لا تخلو من التهديد الأمني لإقليم كردستان وليس التواجد الأجنبي".
ورأى الشريفي أن "عمليات القصف من خلال الطيران المسيّر، تحمل رسائل سياسية للقوى الفاعلة في الإقليم بأنها يجب أن تكون مع مطالب الفصائل بقضية التواجد الأجنبي، كما هي رسائل سياسية لحكومة بغداد وإحراجها بشكل أكبر أمام المجتمع الدولي"، مضيفاً أن "استمرار عمليات قصف كهذه من خلال الطيران المسيّر، سيدفع الولايات المتحدة إلى اتخاذ موقف أكثر حدة، والرد العسكري ربما يكون حاضراً بقوة أكثر من فرض العقوبات".
وكانت فصائل عراقية مسلحة قد هددت باستهداف الوجود الأميركي في العراق رداً على الضربة الأميركية التي أودت بحياة 4 عناصر في مليشيا "كتائب سيد الشهداء" على الحدود العراقية السورية نهاية الشهر الماضي. وتوعد الأمين العام لـ"كتائب سيد الشهداء"، أبو آلاء الولائي، بالرد على تلك الضربة الأميركية، موضحاً أن "الانتقام سيكون من خلال عملية نوعية، ليس في العراق أو إقليم كردستان فقط، بل في أي مكان". وبحسب وكالة "فرانس برس"، فمنذ مطلع العام استهدف 48 هجوماً المصالح الأميركية في العراق.