السودان مقبل على تصعيد إضافي قد يعقّد الأزمة التي تعشيها البلاد بشكل أكبر، منذ الانقلاب الذي نفذه المكون العسكري بقيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2021، وهذه المرة يأتي التطور الجديد من شرق البلاد، مع إعلان الأمانة السياسية لـ"المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة"، أمس الأربعاء، عدم الاعتراف بحكومة الخرطوم، وتفعيل "حق تقرير المصير"، وتنصيب نفسها حكومة مؤقتة للإقليم، وعدم المشاركة في أي تسوية أو حكومة سودانية.
هذا التطور يثير مخاوف من تصعيد جديد يتجه إليه الوضع في شرق السودان، خصوصاً في حال تكرار مجلس نظارات البجا عملية إغلاق الموانئ على ساحل البحر الأحمر والطرق البرية والمطار وسكة الحديد، كما فعل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مما يعقّد الأوضاع في البلاد، التي يجري الحديث فيها عن اتجاه لتسوية بين قوى "إعلان الحرية والتغيير" والمكون العسكري، لتشكيل حكومة مدنية، وهو ما قد يكون السبب وفق بعض المحللين إزاء إعلان الأمانة السياسية لنظارات البجا. فهذه التسوية التي ترى بعض الأطراف السياسية أنها تستثنيها، تدفع وفق مراقبين لتصعيد، كما يحصل في شرق السودان، مع عدم استبعاد تكرار المشهد في مناطق أخرى.
رفض الاعتراف بحكومة الخرطوم
وأعلنت الأمانة السياسية للمجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، في بيان أمس الأربعاء، تكوين "الهيئة السيادية لتقرير مصير البجا"، مضيفة أنها "هيئة عليا لاستخدام حق تقرير المصير المكفول قانوناً".
وأضافت أنه "رفضاً لمماطلة الخرطوم في تنفيذ مطالب شعبنا، وإصرارها على إقصاء شعبنا، وعملاً بالحق المكفول لكل شعوب العالم في تقرير المصير، فإن الهيئة العليا لمجلس البجا هي البرلمان التشريعي العرفي للإقليم، وأن اللجنة السيادية لتقرير المصير بلجانها المتخصصة هي الحكومة الوزارية التنفيذية المؤقتة للإقليم"، معلنة "عدم اعترافنا بحكومة الخرطوم ولا بأي سلطة أو مؤسسة أو إدارة مركزية أخرى تضع يدها على مواردنا وثرواتنا وحرياتنا الطبيعية قبل التوصل إلى اتفاق بين سلطة الإقليم وحكومة السودان".
مجلس نظارات البجا: لا مشاركة في أي تسوية أو حكومة تتم قبل إلغاء مسار الشرق
وأكدت "حق سلطة الإقليم المؤقتة في إقامة مؤسسات حكم ذاتي متعددة للحكم والإدارة وتصريف الأمور، وبناء قوات عسكرية نظامية للدفاع عن الشعب وعن الحقوق وللقيام بالدور الأمني والشرطي بالإقليم".
كما أعلنت الأمانة "عدم المشاركة في أي تسوية أو حكومة تتم قبل إلغاء مسار الشرق الأجنبي المدسوس، وقبل أن يصل البجا إلى اتفاق سياسي دستوري يوقّع مع حكومة السودان في منبر تفاوضي منفصل، وكذلك عدم المشاركة في أي تحالف مركزي خرطومي لا يستصحب قضيتنا"، مضيفة أن "المجلس ليس عضواً في مبادرة نداء السودان ولا في تحالف الحرية والتغيير - التوافق الوطني"، مشددة على أن "المجلس الأعلى للبجا لن يقبل نتائج أي تسوية تجري الآن ثنائية كانت أو أكثر ما لم تتضمن مجلس وقرارات مؤتمر سنكات 2020".
ويعود جزء من التوترات إلى ما بعد توقيع اتفاق مسار شرق السودان في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 بين الحكومة السودانية و"الجبهة الشعبية" و"مؤتمر البجا".
ونص هذا الاتفاق على تنفيذ برامج تنموية في الإقليم، وتحديد نسب مشاركة الشرق في الحكومة السودانية والولايات الثلاث المكونة لشرق السودان، وهي البحر الأحمر وكسلا والقضارف. لكن الاتفاق واجه معارضة قادتها قبائل في الإقليم، على رأسها قبيلة الهدندوة التي شكلت مع قبائل أخرى "المجلس الأعلى لنظارات البجا"، وتبنى حملة لإلغاء المسار بحجة أنه لا يمثل أهالي الإقليم ومصالحهم.
وأواخر العام 2021 أعلن رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، "تعليق مسار شرق السودان، إلى حين توافق أهالي الشرق بعد التشاور مع أطراف الحكومة والوساطة". وجاء ذلك بعد سلسلة من الإغلاقات لمجلس نظارات البجا، في شرق السودان، شملت خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2021، الطريق الرابط بين بورتسودان والخرطوم، وطريقا آخر يربط السودان مع مصر، والمطار الوحيد في مدينة بورتسودان، وكل الموانئ السودانية على ساحل البحر الأحمر.
كما أغلق محتجون أنبوباً للنفط في منطقة هيا بولاية البحر الأحمر، لمزيد من الضغط على الحكومة، بهدف "الاستجابة لمطالب سكان شرقي السودان"، وأبرزها طلب وقف مسار الشرق.
ومنذ سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير في إبريل/نيسان 2019، شهدت ولايات شرق السودان، اختلالات أمنية أكثر من مرة، كما شهدت نزاعات قبلية أودت بحياة العشرات. واتهم تحالف "الحرية والتغيير" في أوقات سابقة، عناصر نظام البشير، بالعمل على إفشال الفترة الانتقالية.
كما وُجهت اتهامات للمكوّن العسكري بتحريض القيادات القبلية على إغلاق الطرق والموانئ والمطارات لإحراج الحكومة المدنية التي كانت قائمة برئاسة عبدالله حمدوك، في ظل عدم مهاجمة المحتجين للمكون العسكري، والحرص المستمر على التفاوض معه وحده.
ضرب للتسوية السياسية في السودان؟
واللافت أن إعلان الأمانة السياسية لمجلس نظارات البجا، أمس، جاء في ظل حديث في الفترة الأخيرة عن قرب التوصل إلى تسوية سياسية بين العسكر وقوى "الحرية والتغيير"، قد تنتهي بالتوقيع على إعلان سياسي، يعقبه تشكيل حكومة مدنية كاملة، وفق مشروع دستور انتقالي مقترح من نقابة المحامين.
كما جاء تطور الأمس بعد تظاهرات كبيرة الشهر الماضي، في ذكرى انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول، أعادت رفع الضغط الشعبي على المكون العسكري الحاكم.
محي الدين: الأزمة في شرق السودان سياسية ولا تُحل إلا سياسياً وليس بالقوة
إلا أن القيادي السابق في الجيش السوداني الفريق فتح الرحمن محي الدين، يشدد على أن الأزمة في شرق السودان سياسية ولا تحل إلا سياسياً وليس بالقوة. ويرد محي الدين، في حديث مع "العربي الجديد"، ما أعلنته الأمانة السياسية لمجلس نظارات البجا إلى ما اعتبره "محاولة المبعوث الأممي فولكر بيرتس فرض رؤيته للحل السياسي في البلاد عبر تسوية ثنائية بين قوى "الحرية والتغيير" والمكون العسكري، واستبعاد باقي الأطراف السياسية".
ويعتبر أن نظارات البجا لا تسعى إلى تصعيد إنما تنتظر ما سيحصل على الساحة السياسية، لكنه لا يستبعد إعلانات مماثلة في شمال السودان وغيرها من المناطق في حال استمرت محاولة فرض التسوية الثنائية.
ويقول محي الدين إن "المبعوث الأممي يسعى لفرض مشروع الدستور الذي قدمته نقابة المحامين على كل المكونات السياسية، وهذا ما يعقّد المشهد ولا يؤدي إلى حل"، مشدداً على أن أي حل ثنائي وإقصاء أي مكون أمر مرفوض، ولن ينجح. ويتوقع أنه في حال حصل توافق سياسي بين مختلف المكونات، سيعود مجلس نظارات البجا عن قراره، إلى الإجماع الوطني، مع تشديده على أن المكون العسكري في السودان لن يقبل بأن تُفتت البلاد وسيضطر للتدخل لوقف ما تقوم به الآلية الثلاثية (المكونة من بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة التنمية الحكومية)، ويمكن أن يعلن حكومة وموعداً للانتخابات.