تتباين المواقف الداخلية والخارجية في قراءة إعلان المغرب، أول من أمس الخميس، عن استئناف الاتصالات الرسمية والعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل "في أقرب الآجال"، والعمل على إعادة فتح مكاتب للاتصال في البلدين، بالتوازي مع اعتراف واشنطن بسيادة الرباط على الصحراء، وذلك بعد أشهر من الصمود في وجه الضغوط الأميركية للتطبيع مع تل أبيب. وأثار إعلان المغرب عن استئناف الاتصالات الرسمية والعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل "في أقرب الآجال"، والعمل على إعادة فتح مكاتب للاتصال في البلدين، أكثر من علامة استفهام حول دوافع الخطوة المغربية وحدودها. وفيما تتباين المواقف داخلياً وخارجياً بشأن خطوة استئناف العلاقات، يبدو المغرب كمن يمسك عصا التطبيع من الوسط، ففي الوقت الذي تدفعه مصالحه الوطنية إلى السعي بكل الطرق لحسم ملف الصحراء، يحرص على التأكيد أن ترسيخ مغربية الصحراء لن يكون على حساب القضية الفلسطينية.
قبل نحو عامين انطلقت المساعي الأميركية والإسرائيلية من أجل إقناع المغرب بطلب إقامة علاقات مع تل أبيب بمستوى العلاقات نفسها التي أقامها معها عام 1994، حينما فتحت إسرائيل في الرباط مكتباً للاتصال، والشيء نفسه قامت به الرباط، بيد أن المفاوضات تكثفت خلال الأشهر القليلة الماضية، من تفاوض كبير مستشاري دونالد ترامب، جاريد كوشنر، والمبعوث الخاص آفي بيركوفيتش مباشرة مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة. وكان لافتاً طيلة السنتين الماضيتين دفع الحكومة الإسرائيلية الإدارة الأميركية في اتجاه متابعة مساعي الظفر بتطبيع العلاقات مع الرباط، وعودته المملكة على الأقل إلى ما كانت عليه قبل 2000، تاريخ إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط بالتزامن مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
تتباين المواقف داخلياً وخارجياً بشأن استئناف العلاقات
وكان الحديث عن تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل قد عاد إلى الواجهة في فبراير/شباط 2019 مع زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى الرباط، حين تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية آنذاك عن احتمال أن يكون المغرب مستعداً للتطبيع مع إسرائيل في مقابل دعم أميركي لموقف الرباط في قضية الصحراء. وتزامنت زيارة بومبيو مع حديث وسائل إعلام إسرائيلية عن إعراب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال لقائه بومبيو في البرتغال قبل أيام من حلوله بالرباط، عن أمله في "تحقيق إنجاز دبلوماسي حقيقي"، لتعزيز فرصه السياسية قبل انتهاء الفترة المحددة للكنيست لاختيار رئيس لتشكيل حكومة في 11 ديسمبر/كانون الأول 2019. غير أن آمال نتنياهو تبخرت بعد أن غادر بومبيو المغرب من دون أن يستقبله العاهل المغربي الملك محمد السادس.
وزادت الشكوك في تطبيع المغرب مع إسرائيل، بعد الزيارة التي قام بها كوشنر إلى المغرب في مايو/أيار 2019، باعتباره مهندس الخطة الأميركية لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن". في حين عاد الحديث عن إمكانية التطبيع بين الرباط وتل أبيب مباشرة بعد الإعلان عن اتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات في 13 أغسطس/آب الماضي، والحديث عن تطبيع مرتقب مع بلدان عربية أخرى، في المستقبل، ذكر من بينها المغرب، الذي تمت الإشارة إليه باعتباره بلداً محتملاً لعقد اتفاق تطبيع مع الدولة العبرية، بضغط من واشنطن، التي ستقدم للرباط في المقابل اعترافاً بالسيادة المغربية على الصحراء من خلال فتح قنصلية لها في العيون.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أثارت زيارة كوشنر إلى الرباط جملة من التساؤلات حول مغزاها ومدى قابلية الرباط لإقامة علاقات رسمية مع إسرائيل في ظل تصريحات إسرائيلية عديدة عن اقتراب قيامها، وكان لافتاً ردود أفعال شعبية رافضة لها، وأخرى لرئيس الحكومة المغربي سعد الدين العثماني، الذي قال أمام اجتماع لحزب "العدالة والتنمية"، إن المغرب يرفض أي تطبيع مع "الكيان الصهيوني" لأن ذلك يعزز موقفه في مواصلة انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني، مضيفاً: "موقف المغرب ملكاً وحكومة وشعباً هو الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى ورفض أي عملية تهويد أو التفاف على حقوق الفلسطينيين والمقدسيين وعروبة وإسلامية المسجد الأقصى والقدس".
مساع منذ سنتين لإقناع المغرب بإقامة علاقات مع الاحتلال
وبحسب مراقبين مغاربة، فإن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل والتي تتعلق بالأساس بإعادة العمل بمكتب الاتصال والتعاون الاقتصادي والسياحي، بعدما أن سبق للمغرب التحفظ على "صفقة القرن" والتنديد بما تقوم به إسرائيل من استيطان، لا يرقى إلى مرتبة التطبيع التي باشرتها أخيراً أربع دول عربية، معتبرين أن تصريحات المسؤولين المغاربة وفي مقدمتهم العاهل المغربي تؤكد أن الموقف الداعم للقضية الفلسطينية ثابت لا يتغير، وأن عمل بلاده من أجل ترسيخ مغربية الصحراء لن يكون على حساب نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه المشروعة. ورأى الخبير في الدراسات الجيواستراتيجية والأمنية، الشرقاوي الروداني، أن الرباط كانت لها دائماً علاقات مهمة ومتميزة من أجل خلق آليات دعم السلام والأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط. واعتبر أنه سيكون لخطوة إعادة العلاقات تطورات مهمة إيجابية على القضية الفلسطينية باعتبار أنها ستدخل مرحلة براغماتية من أجل حل الدولتين ووضع أسس استراتيجية كبيرة من أجل خلق عملية سلام شاملة بين العرب وإسرائيل وبين الفلسطينيين والإسرائيليين.
مقابل هذه الرؤية، ترى تحليلات أخرى أن المغرب أخطأ بـ"مقايضة" الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء باستئناف العلاقات مع إسرائيل بعد الصمود الذي أبداه تجاه الضغوط الأميركية طيلة الأشهر الماضية. وبحسب رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع أحمد ويحمان، فإن "قضية الصحراء لا تحتاج إلى الصهاينة لكي يتم التعبير عن مغربيتها، فالمغرب في صحرائه، وهو واقع ذو بعد تاريخي واجتماعي وثقافي، وكذا من المنظور الواقعي للأمور". واعتبر في حديث مع "العربي الجديد" أن "تبرير التطبيع بقضية الصحراء أمر غير مقبول، وهو خضوع للابتزاز الذي صمد فيه الجانب الرسمي لسنوات". وفي السياق ذاته، استنكرت مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين، بكل مكوناتها الحزبية والنقابية والحقوقية والحركية والطالبية، بشدة ما سمتها الهرولة نحو التطبيع، مشيرة في بيان وصل إلى "العربي الجديد"، إلى أنه "لا يمكن القبول بغطاء الصحراء لتسويق موقف التطبيع الخياني، كما يحاول وزير الخارجية عبثاً، ادعاء ذلك وتبريره، بل إن ذلك هو أكبر ما يسيء للقضية الوطنية، ويقدم أكبر خدمة لخصوم وحدتنا الترابية".