تحرّك الجيش المصري، أمس الأحد، في عملية عسكرية في مناطق غرب سيناء، لطرد تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش"، الذي اتخذ من قرية جلبانة القريبة بضعة كيلومترات من قناة السويس، محطة جديدة لتمركز مجموعاته العسكرية، في ظل تمدده في سيناء من شرقها إلى غربها، والخناق الذي تعرّض له في مدن رفح والشيخ زويد والعريش.
في المقابل، يسعى الجيش ومن ورائه أجهزة المخابرات إلى إنهاء وجود "داعش" في منطقة قناة السويس، في أقرب وقت ممكن.
قوة غير مسبوقة لطرد "داعش"
وفي التفاصيل، قال أحمد الدويغري، أحد العاملين في المجموعات القبلية المنضوية تحت "اتحاد بئر العبد" المساند للجيش المصري غربي سيناء، إن قوات الجيش استدعت كل المقاتلين المتمرسين في قتال "داعش" طيلة السنوات الماضية، من كافة مناطق سيناء.
وكشف، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن الجيش استدعى قوات خاصة، وقوات الصاعقة، مدعومة بغطاء جوي لأول مرة على مدار الساعة.
وباشرت تلك القوات الإضافية العمل على تمشيط المناطق التي تسير فيها القوات البرية، مضيفاً أن التعليمات التي وجهت إلى مسؤولي المجموعات القبلية قبيل الانطلاق للعملية، تتلخص في ضرورة الانتهاء من وجود "داعش" في منطقة جلبانة، مهما كانت التكلفة والتضحيات.
وأوضح الدويغري أن قيادة العمليات ضد "داعش" في المخابرات المصرية، استدعت مسؤولين في المجموعات القبلية من مدن رفح والشيخ زويد ووسط سيناء، إلى منطقة جلبانة، بالإضافة إلى "اتحاد بئر العبد"، باعتبار أن العملية في جلبانة هي الأهم حالياً في كل سيناء، وتهدف إلى طرد "داعش" ثم تأمين المنطقة بشكل جيد، كي لا تتكرر أحداث الخميس الماضي، التي سيطر فيها "داعش" على الطريق الدولي والجسور ومحطات الكهرباء وسكة الحديد القريبة من قناة السويس.
وأشار إلى أن قوات الجيش سلّمت للمرة الأولى المجموعات القبلية في بئر العبد وللقادمين من بقية المناطق، سيارات دفع رباعي مصفحة قدِمت من مخازن الجيش في الإسماعيلية، بعد رفض المجموعات القبلية الدخول بالسيارات غير المصفحة للمنطقة الوعرة، جنوبي جلبانة.
أحمد الدويغري: الجيش استدعى قوات الصاعقة مدعومة بغطاء جوي
من جهته، أفاد جهاد سالمان، وهو أحد سكان منطقة جلبانة، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، بأن خلايا "داعش" كانت تتحرك بعيداً عن عيون الأمن في كافة مناطق غرب سيناء، طيلة الأشهر الماضية، لشراء المستلزمات لعناصرهم الموجودين في الصحراء، ولا يجرؤ أحد على الإبلاغ عنهم خوفاً من ردة فعلهم.
وأضاف أن الناس كانت تخشى من تعرّضها للقتل والاختطاف، في ظل ارتكاز قوات الأمن إلى الهدوء النسبي الذي تشهده مناطق بئر العبد وغرب سيناء بشكل كامل، طيلة سنوات "الحرب على الإرهاب"، إلى أن قررت تلك الخلايا البدء في ضرب الوضع الأمني في المنطقة، من خلال هجمات وسيطرة على جلبانة ومحيطها.
وهو ما أدى إلى تغير في المشهد الأمني، ودفع قوات الجيش إلى الاهتمام بالمنطقة، والعمل على استعادة السيطرة فيها، وعدم السماح لـ"داعش" بالتمدد غرباً باتجاه قناة السويس.
وأشار سالمان إلى أن الوضع الأمني انقلب رأساً على عقب، إذ أن حجم القوات الأمنية التي وصلت إلى المنطقة خلال اليومين الماضيين، يُظهر أن الجيش باشر حملة عسكرية لم تشهدها المنطقة من قبل، في ظل التحليق المستمر للطيران الحربي، وانتشار مئات الجنود في النقاط الأمنية القريبة من جلبانة، بالإضافة إلى تعزيز الحماية العسكرية لقناة السويس.
وهذا ما لاحظه المواطنون المتنقلون عبر ضفتي القناة خلال اليومين الماضيين، وفقاً لسالمان، الذي لفت إلى أن سكان جلبانة لم يعرفوا هذه المشاهد من قبل، ولم تدخل الآليات العسكرية منطقتهم طيلة سنوات الحرب على الإرهاب في سيناء، ما أصاب الكثيرين بالخوف والفزع، ودفعهم إلى ترك منازلهم في جلبانة والتوجه إلى مناطق أكثر أماناً، إلى حين عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقاً.
جهاد سالمان: خلايا "داعش" كانت تتحرك بعيداً عن عيون الأمن في غرب سيناء طيلة الأشهر الماضية
وبيّن سالمان أن أهالي جلبانة هادئون في حياتهم منذ عقود، ويعملون في الزراعة والصيد والتجارة العامة، مستغلين وجودهم في منطقة حيوية وذات موارد طبيعية جيدة، كالأرض والماء والطقس وكذلك الأيدي العاملة، فيما لم تتعرض المنطقة لأي هجوم منذ عام 2013، إلا بعض التحركات لتنظيم "داعش" على حدودها، أو هجمات نادرة ضد قوات الجيش في المنطقة المحيطة بها.
وذكر أن القلق يزداد لدى المواطنين من إمكانية استمرار المعارك في المنطقة لفترة أطول، كما حصل في بقية مدن محافظة شمال سيناء، والتي لا تزال تعاني من مخلفات الإرهاب وفلوله حتى يومنا هذا، وكذلك القلق على مصير منازلهم ومزارعهم، خصوصاً في المنطقة الجنوبية التي تشهد الحملة العسكرية التي جاءت للقضاء على "داعش"، في ظل عدم وجود أي خطة حكومية لإخلاء المواطنين وتحييدهم عن المعركة، أو مساعدتهم في قضاء حوائجهم الأساسية، في ظل الاستنفار الأمني الذي يحيط بالمنطقة.
قلق من وصول "داعش" إلى محيط قناة السويس
وكانت حالة من القلق تسود لدى الأمن المصري من خطورة وصول تنظيم "داعش" إلى حدود قناة السويس طيلة السنوات الماضية، إلى أن أصبح الهاجس حقيقةً خلال الأيام القليلة الماضية، ما أدى إلى حالة من الفوضى الأمنية في المنطقة، قادت إلى حملة عسكرية تشارك فيها كل أذرع الجيش والمجموعات القبلية، بحثاً عن نتائج مضمونة في التخلص من وجود "داعش" قرب قناة السويس، مهما كانت تكلفة هذه العملية العسكرية الجديدة، التي تمت من محوري جلبانة الشمالي والجنوبي، بمساندة جوية على مدار الساعة من الطيران الحربي والمروحي.
يشار إلى أن الجيش المصري والمجموعات القبلية المساندة له يخوضون حملة عسكرية شرسة ضد تنظيم "داعش" في مناطق رفح والشيخ زويد والعريش وبئر العبد ووسط سيناء منذ مارس/آذار الماضي.
وتمكنت الحملة العسكرية من فرض السيطرة على مساحات واسعة من المناطق التي كان التنظيم موجوداً فيها منذ سنوات طويلة، بينما اتجه التنظيم إلى فتح جبهة جديدة غرب سيناء، بهدف التخفيف عن بقية المناطق، ومحاولة إحداث ثغرة في الجدار الأمني لقناة السويس، بما يؤثر على سمعتها والاقتصاد القومي المصري بأكمله.