قبل أربعة أشهر، جُرح باسل الغزاوي (19 عاماً) جراء قصف إسرائيلي أدى إلى إصابته بالشلل. فجر اليوم الثلاثاء، كان الغزاوي هدفاً لجريمة اغتيال نفذتها قوات خاصة إسرائيلية في مستشفى ابن سينا التخصصي بمدينة جنين، شمالي الضفة الغربية المحتلة، حيث كان الغزاوي يرقد على سرير المرض داخل غرفته، يرعاه شقيقه محمد، وصديق لهما هو محمد وليد جلامنة (28 عاماً).
في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، دخل الغزاوي مضرجاً بدمائه إلى مستشفى ابن سينا، بعد إصابته بشظايا صاروخ أطلقته طائرة للاحتلال على مجموعة من المقاومين عند مدخل مخيم جنين. خضع بمجرد دخوله لسلسلة عمليات جراحية، ومكث نحو شهر في غرفة العناية المركزة، قبل نقله إلى غرفة في قسم التأهيل، مصاباً بشلل نصفي. وضعه الصحي استلزم أن يلازمه الغرفة شقيقه الأكبر محمد (24 عاماً)، وكان صديقهما محمد جلامنة يتردد عليهما بين الحين والآخر لتفقدهما ومساندتهما.
كاتم الصوت
دخلت الممرضة سجى حمارشة، فجراً، إلى الغرفة لتفقد باسل، فوجدت الثلاثة وقد غرقوا بدمائهم، ولم تكد تدرك ما تشاهد حتى بادر عدد من الأشخاص كانوا عند باب الغرفة من الداخل إلى ضربها. كان هؤلاء عناصر من وحدة "المستعربين" الذين تسللوا إلى المستشفى متخفين بزي طبيب وممرضين، أما جريمتهم التي نفذوها فكانت بأسلحة كاتمة للصوت.
اقتحم تسعة عناصر آخرين من الوحدة الإسرائيلية الخاصة مدخل الطوارئ في المستشفى، شاهرين أسلحتهم في وجه الكوادر الطبية والإدارية، ومرافقي المرضى الموجودين هناك، لتأمين انسحاب القوة بعد عملية الاغتيال. 10 دقائق كانت كافية لإنجاز الجريمة، وفق الناطق الرسمي باسم المستشفى، ورئيس قسم الجراحة، الدكتور توفيق الشوبكي.
يقول الشوبكي لـ"العربي الجديد"، إنّ عملية اغتيال الشبان "نفذت نحو الساعة الخامسة والنصف فجراً، بعد أن دخل ثلاثة أشخاص تنكّروا بالزي المدني (لباس أطباء وممرضين)، واتجهوا إلى الطابق الثالث في المستشفى، وقتلوا ثلاثة كانوا في غرفة بقسم التأهيل باستخدام مسدسات كاتمة للصوت، فلم نسمع صوت إطلاق النار".
وأضاف: "اقتحم المستشفى بعد دقائق عدد آخر يرتدون الزي المدني، وذلك بالطابق الأرضي حيث قسم الطوارئ والاستقبال، وشهروا أسلحتهم في وجه من كانوا هناك، وأمّنوا انسحاب القوة المنفذة، ثم انسحبوا معها".
اغتال الاحتلال قائد كتائب "القسام" الذراع العسكرية لحركة حماس في جنين، محمد وليد جلامنة، ومعه محمد أيمن الغزاوي، أحد قادة "كتيبة جنين" التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، وشقيقه الجريح باسل.
وأظهرت اللقطات التي وثّقتها كاميرات المراقبة في المستشفى لعملية اغتيال الشبان، ارتداء القوة الخاصة ملابس الطواقم الطبية، فيما ارتدى آخرون زياً فلسطينياً محلياً، فضلاً عن أن بعضهم جرّ عربة لذوي الاحتياجات الخاصة، وعربة أطفال.
وفي بيان مشترك، قالت "القسام" و"كتيبة جنين": "إن ثلة من مجاهدينا ارتقت بعملية اغتيال جبانة نفذتها قوة خاصة من المستعربين تسللت إلى مستشفى ابن سينا". وأوضح البيان أن "الشهداء هم القائد محمد أيمن الغزاوي أحد مؤسسي كتيبة جنين مع رفيق دربه جميل العموري، إضافة إلى شقيقه باسل أيمن الغزاوي، ومحمد وليد جلامنة، أحد أبرز قادة ومجاهدي كتائب القسام في جنين".
جريمة مكتملة الأركان
اعتبر الشوبكي، أن ما حدث هو "جريمة مكتملة الأركان، فهي إعدام بدم بارد لجريح يرقد على سرير الشفاء وهو مشلول، ولشابين كانا يسهران على مساعدته، ولم يكن أحد منهم مسلحاً، وكذلك هي اقتحام لحرمة مستشفى محمي بموجب كل القوانين، ناهيك عن اعتدائهم على الطاقم التمريضي في القسم الذي تواجد فيه الشهداء".
يلفت الشوبكي إلى أن المستشفى لا ينظر إلى هوية المريض أو المصاب، ويقول: "نحن نقوم بواجبنا الإنساني البحت، الذي يحتم علينا تقديم كل ما نستطيع لإنقاذ الحالة التي تصلنا، وفي المقابل بكل تأكيد نحن حريصون على حياة كل الموجودين في المستشفى، لكن الاحتلال لا يبالي بذلك، وهذا يندرج في إطار تصاعد حالة الاعتداءات على المستشفيات والمراكز الصحية والطواقم الطبية والإسعافية".
جريمة متوقعة
كانت عائلتا محمد الغزاوي ومحمد جلامنة تتوقعان استشهادهما، بعد عام من المطاردة المستمرة، تعرضت معها العائلتان لسلسلة تهديدات، واعتقال، للضغط على المحمدين لتسليم أنفسهما.
يقول أيمن الغزاوي، والد الشهيدين محمد وباسل: "كنت أتوقع أن يرتقي محمد شهيداً منذ أن غادر البيت قبل عام، ومع كل عملية اقتحام للاحتلال كنت أنتظر سماع خبر استشهاده، وقد ساومني الاحتلال مرات عديدة بعد اعتقالي، واعتقال أشقائه الأكبر، لتسليمه لهم، لكنني طبعاً كنت أرفض ذلك رفضاً قاطعاً".
والد محمد جلامنة، يشير إلى أنّ الشهيد زرع في أخيه الصغير باسل حب الوطن ويقول: "كنا نلتقي به لدقائق خلال مشاركته في وداع رفاقه، وكنت دوماً أوصيه أن ينتبه لنفسه، فكان يرد بأنه وهب نفسه لله، متلهفاً للقاء من سبقوه من الشهداء، وكنت أتوقع هذا كل يوم، ولكن ما زاد في حزننا أننا فقدنا أيضاً صغيرنا باسل، الذي كان مصاباً وعانى كثيراً من آلام الإصابة".
ويضيف وليد جلامنة: "إن تحرير فلسطين وعد من الله، وعلى هذه الطريق سيكون هناك شهداء كثر، ومن بينهم ابني محمد، الذي كان ذا شكيمة قوية ولا يهاب من الاحتلال، بل هو الذي يطاردهم ويلحق بهم من مكان لآخر".
يضيف "أنا راض عنه، وأسال الله أن يرضى عنه ويتقبله. طلبوا الشهادة ونالوها. لذلك لن نبكي عليهم، بل نحن فرحون بأن اصطفاهم الله. الدماء الزكية في قطاع غزة والضفة الغربية تستحلف المسؤولين بالوحدة ونبذ الخلافات، فالعدو واحد وهو لا يفرق بين فلسطيني وآخر".
وشيّع فلسطينيون، ظهر اليوم، الشهداء الثلاثة على وقع الهتافات التي تؤيد المقاومة، وتندد بجرائم الاحتلال، فيما عمّ الإضراب الشامل جنين، بدعوة من فصائل العمل الوطني والإسلامي.
وباستشهادهم، يرتفع عدد الشهداء الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلة إلى 381 شهيداً، منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بينهم 62 شهيداً منذ مطلع العام الجاري.