بفم مطبق، وحاجبين مقطّبين، وكتفين محنيين بعض الشيء، وذراعين تارة مبسوطتين وتارة أخرى مكتوفتين، أمضى دونالد ترامب، الثلاثاء، جلسة محاكمة تاريخية، أصبح معها أول رئيس أميركي سابق يمثُل أمام محكمة فيدرالية.
في قاعة المحكمة في ميامي، وقف الملياردير مرتدياً كعادته بدلة داكنة وربطة عنق حمراء، وأنصت لكلّ من القاضي والمدّعي العام بصمت مطبق لم يخرقه سوى ليهمس بضع كلمات في أذن محاميه تود بلانش.
"غير مذنب"
بعيداً عن المكتب البيضاوي الذي شغله طوال أربع سنوات، وبعيداً أيضاً عن الديكورات المذهّبة التي تملأ منازله الكثيرة، جلس ترامب في قاعة المحكمة بجانب محاميه الذي قال بالنيابة عنه إنّ موكّله "غير مذنب" بكلّ التّهم الـ37 الموجّهة إليه في قضية الوثائق السرية.
وعلى الرّغم من أنّ قطب العقارات السابق الطامح للعودة إلى البيت الأبيض في انتخابات العام المقبل، ملاحق بقضايا عدة، إلا أنّ هذه الدعوى هي الأخطر على الإطلاق، فالرئيس السابق متّهم بتعريض أمن الولايات المتّحدة للخطر، من خلال احتفاظه في منزله في فلوريدا بمخطّطات عسكرية ومعلومات تتعلّق بأسلحة نووية.
وتوسّط ترامب وكيلي الدفاع عنه في هذه الجلسة، وهما تود بلانش وكريستوفر كيسي.
جواز سفر
وبعدما دفع وكيل الدفاع عن المتّهم ببراءة موكّله، سأل القاضي جوناثان غودمان المدّعي العام ديفيد هارباخ عمّا إذا كانت النيابة العامة ترغب بأن يسلّم الرئيس السابق جواز سفره للسلطات، فأجاب هارباخ "كلا، حضرة القاضي".
كما سأل القاضي عمّا إذا كانت النيابة العامة تطلب من المحكمة منع المتّهم من مغادرة البلاد، فردّ المدّعي العام قائلاً "كلا، حضرة القاضي".
وبعد جواب النائب العام، قال القاضي إنّه يرغب شخصياً بأن يفرض "شرطاً خاصاً" على المتّهم، مشيراً إلى أنّه يريد أن يمنع ترامب من إجراء "أيّ اتّصال بالشهود أو الضحايا إلا من خلال محامين". كما قال القاضي إنّه يريد أن يمنع المتّهم من التطرّق إلى هذه القضية مع المدّعى عليه الآخر والتين ناوتا، وهو أحد مساعدي الرئيس السابق، وقد مثل معه في قاعة المحكمة.
وما أن أفصح القاضي عن رغبته هذه، حتى بادر المحامي بلانش إلى الاعتراض على هذين الشرطين لكن بنبرة ملؤها الاحترام وبدت أحياناً أقرب إلى التوسّل. وقال المحامي إنّ ما يطلبه القاضي "غير مناسب" لأنّ من بين الشهود في هذه القضية أشخاص يتواصل معهم ترامب يومياً. وأضاف أنّ "أحد الشهود الرئيسيين هو أحد محامي الرئيس" السابق. وتابع "مع فائق احترامي، هذا ليس مناسباً".
مدّ وجزر
وبينما كان هذا المدّ والجزر يجري بين القاضي والمحامي، كان ترامب يتابع نقاشهما بوجه عابس.
وفي حلّ وسط بين ما يريده القاضي وما يطلبه الدفاع، اقترح المدّعي العام أن يعدّ مكتبه قائمة "غير شاملة" بالشهود الذين يحظر على ترامب الحديث معهم بشأن هذه القضية، وذلك في مسعى منه "لأخذ هذه المخاوف في الاعتبار". لكنّ اقتراح المدّعي العام اصطدم باعتراض بلانش، إذ اعتبر المحامي أنّ هذا الشرط يفرض قيوداً كثيرة على موكّله.
بيد أنّ حجّة المحامي لم تقنع القاضي الذي قرّر في النهاية أن يضع الادّعاء العام قائمة بأسماء الشهود الذين لا يمكن لترامب التواصل معهم "بشأن وقائع القضية إلا من خلال محامين". غير أنّ القاضي أوضح أنّه في حال وجد الدفاع أنّ هذه القائمة "مبالغ بها (...) أو غير منطقية أو إشكالية (..) فيمكنكم عندها تقديم استئناف أمامي".
ومع انتهاء هذا الفصل من الجلسة، أُحضرت المستندات التي يتعيّن على ترامب توقيعها بصفته متّهماً في هذه القضية، فألقى عليها الرئيس السابق نظرة قبل أن يراجعها محاميه الذي أعادها إلى موكّله ليوقّعها.
وبعد الانتهاء من ترامب، أتى دور المتّهم الثاني في هذه القضية والتين (والت) ناوتا، الذي دفع بدوره ببراءته من التّهم الموجّهة إليه.
وباستكمال إجراءات توجيه الاتّهام لهذا المتّهم، أعلن القاضي، بعد أقلّ بقليل من ساعة على انطلاق الجلسة، رفعها.
وكانت الجلسة قد افتُتحت بالعبارة التالية: "الولايات المتّحدة ضدّ دونالد جيه ترامب"، وهو الاسم الرسمي لهذه القضية.
وفي ختام الجلسة، قال القاضي إنّ "دوري في هذه القضية ينتهي... في هذه اللحظة بالذات"، في إعلان ممزوج بروح من الفكاهة، بدا معه كما لو أنّه تنفّس الصعداء لعدم اضطراره للمضي قدماً في هذه المحاكمة التاريخية.
وما أن رُفعت الجلسة حتى هرع الصحافيون إلى الخارج لإبلاغ وسائلهم الإعلامية بأبرز ما حصل في القاعة التي مُنعوا من إدخال كاميرات إليها.
وفي استقبالهم، كان بضع مئات من أنصار ترامب محتشدين في الخارج، حيث تحدّوا حرارة الشمس الحارقة للدفاع عن "رئيسهم"، مردّدين بأعلى أصواتهم اسم بلدهم "يو إس إيه، يو إس إيه".
(فرانس برس)