في تفاهم هو الأول من نوعه منذ سنوات، قالت السلطات العراقية، أمس الثلاثاء، إنها توصلت إلى اتفاق لإدارة أمنية مشتركة في عدد من المناطق المتنازع على إدارتها شمالي البلاد مع إقليم كردستان العراق تشمل مناطق حدودية مع سورية.
وشهدت الحدود العراقية السورية ضمن محافظة نينوى شمالي العراق والمقابلة لبلدتي الحسكة ودير الزور السورية التي تسيطر عليها "قوات سورية الديموقراطية" (قسد) مشاكل أمنية عدة في الفترة الأخيرة بفعل عمليات التسلل لمسلحين أكراد يتبعون حزب "العمال الكردستاني" المعارض لأنقرة.
وأسفرت عن مقتل وإصابة عناصر من الجيش العراقي وقوات البشمركة خلال تصديهم لمحاولات التسلل تلك، فيما من شأن الاتفاق الجديد في حال تنفيذه تضييق مساحة تحرك مسلحي "الكردستاني" الذين يوجدون بكثافة في بلدة سنجار غربي الموصل، وتعتبر الحدود السورية ممر تنقّلهم الرئيس للبلدة المضطربة أمنياً.
وفي ساعة متأخرة من مساء أمس الثلاثاء، أعلن متحدث عسكري عراقي التوصل لتفاهمات بشأن الحدود السورية مع قوات "البشمركة" الكردية.
وقال المتحدث باسم قيادة العمليات العراقية المشتركة، اللواء تحسين الخفاجي، في تصريح صحافي، إنه تم "فتح مراكز مهمة للتنسيق الأمني على الحدود العراقية السورية"، موضحاً أنّ "القوات الأمنية ستعمل مع حرس الإقليم (البشمركة) على سد الثغرات وتقريب المسافات التي كانت تستغلها عصابات داعش الإرهابية للوجود فيها، لا سيما المناطق الجبلية الوعرة التي يصعب فيها حركة المشاة".
وشدد على أنّ "هذا التنسيق العالي وتبادل المعلومات الاستخبارية والأمنية سيسهمان في استقرار الوضع سواء في الحدود العراقية السورية أو في المناطق ذات الاهتمام الأمني المشترك"، مبيناً أن اللقاءات والاجتماعات التي حدثت في الآونة الأخيرة مع الإقليم "شهدت التأكيد على أن يكون هناك تنسيق وعمل مشترك لسد الثغرات، من خلال تكثيف الجهد الاستخباري والعمليات النوعية".
وأكد وجود تطور في العمل الاستخباري والأمني، موضحاً أن التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، قدّم خلال الفترة الأخيرة دعماً لجهاز الاستخبارات العراقي.
ويعتبر هذا الاتفاق الأول من نوعه الذي يشمل نحو 140 كيلومتراً من الحدود السورية المضطربة مع العراق، التي تفوق مساحتها أكثر من 600 كيلومتر، إذ تتقاسم مليشيات مسلحة وقوات النظام السوري إضافة إلى مليشيات "قسد" السيطرة على الجانب السوري منها، وسبق للعراق توجيه انتقادات للنظام السوري بشأن عدم تعاونه في ملف ضبط الحدود.
وفي معرض تعليقه على إعلان بغداد بشأن التنسيق الأمني الجديد، قال مسؤول عسكري كردي في أربيل إنه "يستهدف داعش والمهربين وكذلك المسلحين الآخرين"، في إشارة الى المسلحين الموالين لحزب "العمال الكردستاني" القادمين من داخل مدينة الحسكة السورية.
وأضاف المسؤول، في حديث لـ"العربي الجديد"، شريطة عدم ذكر اسمه، بأن التفاهمات الأمنية بين بغداد وأربيل ستركز على حماية الحدود مع سورية بهدف منع تسلل عناصر "داعش"، وكذلك الحيلولة دون تدفق مقاتلين تابعين لحزب "العمال الكردستاني" إلى مدينة سنجار غربي محافظة نينوى، موضحاً أن هذه التفاهمات ستشمل أيضاً العمل على ضبط أمن بعض المناطق المتنازع عليها، وخصوصاً تلك التي شهدت خروقات أمنية متكررة خلال الفترة الأخيرة، في إشارة الى مناطق جبال قره جوخ الحدودية بين نينوى وأربيل.
ولفت إلى أنّ "قوات البشمركة يمكن أن تساعد الجيش العراقي في الوصول إلى أوكار "داعش" بحكم خبرتها في جغرافية المناطق المتنازع عليها، والتي تضم بعضها مناطق جبلية ووعرة يصعب الوصول إليها".
ويُطلق على عدد من المناطق والبلدات التي تضم خليطاً عربياً وكردياً شمالي العراق مصطلح "المناطق المتنازع عليها"، وهو المصطلح الذي برز عقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003 ومنح المحافظات الكردية الشمالية حق تشكيل إقليم بصلاحيات واسعة. وتطالب أربيل بضم هذه المناطق لإدارتها فيما ترفض بغداد ذلك.
ومن أبرز هذه المناطق كركوك وسهل نينوى وسنجار وخانقين كلار وطوزخورماتو، ومناطق أخرى، كان من المقرر أن يُجري استفتاء شعبي فيها لتحديد نسبة المؤيدين الانضمام للإقليم أو البقاء تحت سلطة الحكومة الاتحادية ببغداد، لكن بفعل عوامل تغير ديمغرافي نفذت بالسنوات الأخيرة حالت دون تنظيم هذا الاستفتاء.
وفي السياق، أكد مدير الإعلام في وزارة "البشمركة" بحكومة إقليم كردستان العراق، عثمان محمد، قرب تفعيل عمل 4 غرف عمليات مشتركة مع الجيش العراقي في مناطق بمحافظات كركوك وديالى ونينوى، قائلاً، في حديث لوسائل إعلام كردية، إنّ "تشكيل وتفعيل هذه الغرف التي تم الاتفاق بشأنها بين وزارتي البشمركة والدفاع الاتحادية هو المرحلة الأولى، وسيتبع ذلك تشكيل قوات مشتركة بين البشمركة والجيش لتنفيذ عمليات مشتركة ضد الإرهابيين في تلك المناطق".
وكان ممثل حكومة إقليم كردستان العراق في غرفة العمليات العراقية المشتركة، اللواء عبد الخالق طلعت، قد شدد، في وقت سابق، على ضرورة تفعيل غرف العمليات المشتركة بين بغداد وأربيل من أجل ضبط الأمن في المناطق المتنازع عليها، موضحاً أنّ بعض هذه المناطق شهد أخيراً تحركات لعناصر "داعش" رغم الضربات المتكررة لمخابئ التنظيم.