عاد الجدل بشأن تقاعد البرلمانيين إلى الواجهة في المغرب، بالتزامن مع عزم مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان) عقد جلسة عمومية، مساء اليوم، للتصويت على مقترحي قانون بشأن إلغاء وتصفية نظام المعاشات المحدثة لصالح أعضاء مجلس النواب والمستشارين.
وفي الوقت الذي صادقت فيه لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين، أمس الاثنين، بالإجماع على مقترحي قانون بشأن إلغاء وتصفية نظام المعاشات المحدثة لفائدة أعضاء مجلس النواب والمستشارين، أثار التنصيص على استرجاع أعضاء الغرفة الثانية للبرلمان المساهمة الكلية، أي اشتراكاتهم التي دفعوها وفي نفس الوقت الاستفادة من مساهمات الدولة، جدلاً واسعاً في الساحة السياسية وبين رواد مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب.
وفي الوقت الذي كان فيه مجلس النواب قد أقر تصفية تقاعد أعضائه من خلال استرجاع اشتراكاتهم في صندوق التقاعد فقط، أُثير جدل حول تنصيص المادة 2 من مقترح قانون إلغاء وتصفية نظام معاشات مجلس المستشارين، والذي ينص على استرجاع المساهمة الكلية التي تتضمن واجبات اشتراك المنخرطين في صندوق التقاعد ومساهمات المجلس.
وبحسب رئيس المرصد المغربي للمشاركة السياسية، جواد الشفدي، فإن الطريقة التي سيتم بها إلغاء وتصفية تقاعد البرلمانيين بالغرفة الثانية "خطيئة سياسية وسبة في حق هيئة تشريعية"، مضيفاً، في تصريح لـ "العربي الجديد": "مع الأسف نعيش هذه الأيام فصلاً آخر من فصول الضحك على ذقون المواطنين، وتأبى الفرق البرلمانية بمجلس المستشارين إلا أن تخرج في وقت حساس بمقترح قانون يقضي بإلغاء وتصفية نظام معاشات أعضاء مجلس المستشارين".
وتابع الشفدي متسائلاً: "كيف سيقبل المغاربة أن يتم تعويض المستشارين بضعف ما ساهموا به والاستفادة من المال العام، والبلاد تعيش أزمة اقتصادية خانقة ما زالت تعاني منها؟"، معتبراً أن هذه الممارسات تزيد من تكريس الصورة النمطية السيئة التي ينظر بها المواطنون لممثليهم في البرلمان، من العزوف الانتخابي الذي يعتبر العدو الأول في المسار الديمقراطي الذي اختارته البلاد.
وأوضح أنه "في غياب معارضة قوية، فلي اليقين أن الضغط الذي سيمارسه بعض المؤثرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، سيكون له تأثير وازن لإلغاء هذا المقترح الشاذ".
من جهته، اعتبر أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، رشيد لزرق، أن دستور 2011 جاء للإجابة عن مطلب شعبي متمثل في إسقاط الريع، الذي هو شكل من أشكال الفساد، لكن الممارسات السياسية تشير إلى أن النخبة السياسية لا تريد إسقاط الفساد بل تريد نصيبها منه.
ويعتقد لزرق أن مناقشة معاشات البرلمانيين بغرفتيه "يوضح الصعوبة والمقاومة التي يلقاها مطلب إسقاط الريع، كما يكشف عن غياب إدارة سياسية لدى ممثلي الأمة"، لافتاً، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه في الوقت الذي أصر فيه أعضاء مجلس النواب على استرجاع مساهمتهم ورفضوا المساهمة بها في صندوق تدبير جائحة كورونا، أظهر مقترح مجلس المستشارين أنانية أكثر باسترجاع مساهماتهم ومساهمة الدولة، في ظل غياب حس وطني لدى نخبة سياسية تمثل الأمة وتشرع القوانين.
وفيما تتجه الأنظار، مساء الثلاثاء، إلى جلسة التصويت على مقترح قانون إلغاء وتصفية معاشات المستشارين، وصفت النائبة البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة، ابتسام عزاوي، في تدوينة لها على صفحتها الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، المقترح بـ"فضيحة سياسية وأخلاقية بامتياز".
وقالت النائبة التي كانت قد تقدمت بمقترح قانون لإلغاء تقاعد أعضاء مجلس النواب: "الصيغة التي ستعرض للتصويت بمجلس المستشارين خطأ جسيم.. لا يعقل أن يتم ضخ الملايين من مساهمات الدولة في حسابات البرلمانيين.. ويحدث هذا الأمر الفظيع، وبلادنا تعيش أزمة اقتصادية حقيقية وشبابنا لا يجد فرص الشغل وقطاعات مهنية ما زالت متوقفة... أتمنى أن يتدارك عقلاء المجلس هذا الخطأ ويصوتوا بالرفض على هذه الفضيحة".
ورغم أن صندوق معاشات البرلمانيين بالغرفة الثانية لا يعرف أية أزمة، في الوقت الراهن، وأن الدراسات الاستشرافية تشير إلى وقوع هذه الأزمة في غضون سنة 2023، إلا أن سبعة فرق ومجموعة برلمانية كانت قد وقعت على مقترح يروم تصفية معاشات المستشارين البرلمانيين التي أثارت جدلاً واسعاً في المغرب خلال السنوات الماضية.
وتُجمَع اشتراكات نظام معاشات البرلمانيين بالمغرب بُموجب اقتطاعات محددة في 2500 درهم (نحو 250 دولارا) شهرياً من تعويضات كل عضو فيه، بينما تؤدي الدولة المبلغ نفسه كمساهمة منها في هذا النظام، وبمُوجب هذا النظام، يُصرف معاشٌ قدره 5000 درهم (نحو 500 دولار) شهرياً لكل عضو في مجلسي البرلمان مباشرةً، بعد انتهاء الولاية التشريعية التي تمتد إلى خمس سنوات.
وكان مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي)، قد قرر في 15 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلغاء وتصفية نظام معاشات البرلمانيين، الذي كان طيلة السنوات الماضية محط رفض شعبي باعتباره "ريعاً سياسيا"، وجدلاً سياسياً بين الفرق النيابية.