أصدر المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) ومقره في رام الله، أمس الإثنين، تقريره الإستراتيجي لعام 2022، بعنوان "المشهد الإسرائيلي 2021"، مستخلصاً أن الاحتلال الإسرائيلي نجح في مراكمة مزيد من المكاسب الإقليمية عبر اتفاقيات التطبيع، إلى جانب تحسينه علاقاته الرسمية مع الدول الغربية في عهد الحكومة الإسرائيلية الحالية.
الوسيط الإسرائيلي في أوكرانيا
من جهتها، قالت المديرة العامة للمركز، هنيدة غانم، إن التقرير، عادةً، يتناول عاماً منصرماً، غير أن "مدار" لم يستطع تجاهل الحرب الروسية على أوكرانيا (في 24 فبراير/شباط الماضي)، وهي حرب لا يمكن غض النظر عن تأثيرها على النظام العالمي. وتابعت "أن علاقة إسرائيل بنيوية في حرب أوكرانيا".
هذه الحرب التي اضطرت "مدار" إلى إضافة فصل يفحص الحدث الذي انفجر في أوكرانيا، ليس استثناء، بحسب غانم.
من هنا تناول التقرير ديناميات الحرب الروسية على أوكرانيا والتعامل الإسرائيلي معها، مشيراً إلى إمكانية انعكاسها على سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين من خلال استغلال الانشغال الغربي التام بالصراع مع روسيا، وبالتالي، توسيع قدرتها على المناورة وزيادة الاستيطان والتهويد والضمّ الفعلي المستمر، عبر استقدام عشرات آلاف المهاجرين من أوكرانيا وروسيا إلى إسرائيل، وتسكينهم في مناطق مختلفة بما في ذلك المستوطنات.
وحلل التقرير الانعكاسات الإقليمية للحرب، إذ تخشى إسرائيل أن يؤدّي اصطفافها الصريح في المعسكر الغربي إلى خسارتها حرية العمل في سورية، وفي الدفع نحو تعزيز التموضع الإيراني في سورية، الذي تعتبره إسرائيل خطراً مباشراً عليها، بالإضافة إلى إمكانية التدهور الميداني على الجبهة الشمالية السورية/ اللبنانية عبر الدفع نحو تسخين الجبهة، أو رفع التقييد عن النشاطات العسكرية.
وفي هذا الجانب، جاء في التقرير: "انطلاقاً من مصالح أمام روسيا، وفي مواجهة تعقيدات الاصطفاف وتداعياته؛ تحاول إسرائيل لعب دور الوسيط وتحويل حيادها وعلاقتها المتينة مع الأطراف المتصارعة كافة إلى أداة دبلوماسية مهمة تؤهلها للعب هذا الدور للتغلب على استحقاقات الاصطفاف، ومن جهة أخرى والأهم تبييض احتلالها وتعزيز صورتها ومكانتها الدولية".
مكاسب إقليمية
لم يترك التقرير بالطبع ضمن محاوره السبعة، وفي ما يزيد على مئتي صفحة، تمكّن إسرائيل من مراكمة مزيد من مكاسبها الإقليمية عبر اتفاقيات التطبيع.
واعتبر التقرير أن "اتفاقيات أبراهام" (التي وقعت بين إسرائيل وأربع دول عربية هي: الإمارات والبحرين والمغرب والسودان)، عززت مكانة إسرائيل كجزء من الخريطة الجيوسياسية، وأسهم ذلك في توقيع عشرات الاتفاقيات ومذكّرات التفاهم والتعاون مع دول "السلام الإبراهيمي".
وبحسب التقرير، فإنه وفي ظلّ التفكّك في الدول التي شكّلت سابقاً "مصدر تهديد" كالعراق وسورية، إضافة إلى السلام مع مصر والأردن، أصبحت إسرائيل لا ترى أن العالم العربي يُشكّل مصدر تهديد، وتقلّصت "مخاطر" اندلاع مواجهة مباشرة مع جيوش نظامية. على ضوء ذلك، جرى بناء "التعاون العربي/ الإسرائيلي" ونظمه في مواجهة إيران والحركات غير النظامية والإسلامية وحزب الله وغيرها.
وأضاف التقرير أن "سقوط (رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، بنيامين) نتنياهو وإقامة حكومة التغيير أسهما أيضاً في تحسّن علاقات إسرائيل مع دول المنطقة التي شابها الجفاء في عهده، فقد عادت العلاقات مع الأردن إلى التحسّن، وكذلك تحسّنت العلاقة السياسية مع مصر، بالإضافة إلى تحسّن العلاقات مع تركيا التي تجلّت بزيارة إسحق هيرتسوغ لتركيا في 9 آذار/ مارس 2022، ولقائه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان"، لكن التقرير أشار أيضاً إلى أن إسرائيل ما زالت ترى أن عدم تغلغل السلام إلى المستوى الشعبي/ الجماهيري بمثابة تحدٍّ كبير أمامها.
وفي جانب العلاقات مع الدول الغربية، قال التقرير إن إسرائيل حسنتها في عهد حكومة بينت/ لبيد، إلا أن هذا يبقى محاصراً بمجموعة من الاختبارات الدولية الضاغطة، أبرزها مفاوضات "النووي الإيراني" التي تتخذ مساراً يعاكس الرغبات الإسرائيلية.
والمقصود بحكومة بينت/ لبيد، الحكومة الإسرائيلية السادسة والثلاثون التي تشكلت في يونيو/ حزيران العام الماضي، ويتقاسم فيها رئاسة الوزراء نفتالي بينت حتى عام 2023، ويتسلم منه الحكم يئير لبيد حتى عام 2025.
دولة أبارتهايد
كما ركز التقرير على التحول الجذري في خطاب منظمات حقوقية دولية وازنة تجاه إسرائيل، الذي انتقل من وصفها دولة احتلال على حدود 1967 إلى اعتبارها دولة تقيم نظام أبارتهايد بين النهر والبحر.
وفي السياق، قال المحاضر والباحث في الجغرافيا والتاريخ القانوني لفلسطين، أحمد أمارة، إن تصنيف النظام الإسرائيلي وسياساته في الضفة الغربية وقطاع غزة وأيضاً في داخل إسرائيل، نظام فصل عنصري - أبارتهايد طغى على المشهد السياسي أيضاً في عام 2021 – 2022.
وذكر أنه "وبعد أن تعاملت بتسيلم (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة) مع الموضوع في الأراضي الفلسطينية المحتلة كنظام أبارتهايد، نشرت أيضاً الجمعيتان العالميتان المركزيتان: هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية "أمنستي" تقارير صنفت فيها إسرائيل دولة ذات نظام فصل عنصري، في المناطق المحتلة 1967 وفي داخل إسرائيل أيضاً".
بدوره، شدد الأستاذ في برنامجي الماجستير في الديمقراطية وحقوق الإنسان والدراسات العربية بجامعة بير زيت، جورج جقمان، على أهمية التقارير الدولية التي تربط بين إسرائيل والفصل العنصري، معتبراً أنها بداية لطريق طويل يتطلب الكثير من العمل ضمن مشروع مواجهة جديد، يرتكز على عناصر ترتبط باهتمامات الناس، ويناهض سرقة الأرض، ويدعم حركة المقاطعة في العالم عبر بناء شبكات عالمية من خلال الجاليات الفلسطينية، ورفدها بالمعلومات الضرورية ويتبنى لغة خطاب يفهمها العالم.
لكن هذا المجهود، بحسب جقمان، يلزمه جهد مدروس حول الأدوار والمهام لأن البنية التنظيمية، كما يصفها، هي العصب الحساس وأهم عنصر تنفيذي للمشروع.
ورأى المتحدث أن الجاليات الفلسطينية في الخارج هي المرشحة لحمل العبء الأكبر، بسبب حرية الحركة لديها، ومعرفة اللغات المختلفة وآليات المخاطبة وبخاصة من قبل الجيل الشاب، وهذا لا يسلب دوراً أساسياً للداخل، حتى لو كان عرضة للملاحقة والاعتقال من سلطة الاحتلال أو من قبل السلطة المحلية القائمة مستقبلاً في الضفة، كما قال.
هذه البنية التنظيمية الفلسطينية، لا يرى جقمان أنها تنظيم حزبي، بل شبكات تتبادل المعلومات وتنظم حملات منسقة مع الجاليات الفلسطينية والعربية إضافة إلى آخرين من المناصرين.
وأكد أن لغة الخطاب الموجهة للعالم ينبغي أن تنطلق من قيم إنسانية تحررية مشتركة يفهمها العالم المطلوب منه الانتصار للقضية، وليس من أي خصوصيات ثقافية أو اجتماعية فلسطينية أو برامج حزبية خاصة موجهة لقواعد تلك الأحزاب.
وهذا، كما أشار، يتطلب مجهوداً تثقيفياً لبعض القطاعات في الخارج، وخصوصاً لجهة عدم توفير أسلحة للخصوم من خلال مسيرات يجري فيها ترديد عبارات مثل "خيبر خيبر يا يهود" كما حصل قبل فترة في مسيرة داخل لندن.
يمين ويمين متطرف
إلى ذلك، قال مدير وحدة "المشهد الإسرائيلي" ووحدة الترجمة في "مدار"، أنطوان شلحت، إن أهم حدث في المشهد السياسي والحزبي الإسرائيلي خلال عام 2021 يتمثل في تمكن تحالف مناهض لاستمرار حكم بنيامين نتنياهو من وضع حد لهذا الحكم الذي استمر مدة 12 عاماً متتالية (2009-2021).
وقال إن نتائج الانتخابات العامة للكنيست الـ24 التي جرت يوم 23 مارس/ آذار 2021، وكانت الرابعة خلال أقل من عامين، أظهرت أنه ليست هناك أغلبية لحكومة يؤلفها معسكر الأحزاب المؤيد لاستمرار حكم نتنياهو، وفي الوقت نفسه، ليست هناك أغلبية لحكومة يؤلفها معسكر الأحزاب المناهض لاستمرار حكم هذا الأخير.
وأضاف أن "سياسة الحكومة الجديدة حيال القضية الفلسطينية هي السياسة القديمة نفسها، التي هناك شبه إجماع داخل إسرائيل على أن من بات يُحددها هو اليمين، وأن "معسكر الوسط – اليسار" يسير منقاداً وراءه بإرادته".
وخلص إلى أن "الحكومة الإسرائيلية الحالية تبدو لمن يتفحص خطوطها العريضة وشخوصها، حكومة يمين ويمين متطرف، وإن كانت تتستر بغطاء من "اليسار الصهيوني"، ومن حزب عربي أيضاً (القائمة الموحدة التي تمثل التيار الجنوبي للحركة الإسلامية)".
يذكر التقرير أن انضمام القائمة الموحدة والتي يترأسها منصور عباس، يعتبر تغييراً استراتيجياً في آليات عمل الأحزاب العربية، التي عادةً ما تلعب دور المعارضة، وترفض الانضمام لحكومة إسرائيلية في ظل الاحتلال.
كما نظر التقرير إلى انضمام القائمة الموحدة للائتلاف الحكومي حدثاً استراتيجياً فارقاً، بسبب القبول بالاندماج في البنية الإسرائيلية القائمة وفق شروطها، وعلى أساس خطوط عريضة ائتلافية يمينية متعارضة مع القانون الدولي (وليس فقط مع الموقف الفلسطيني) كمكانة القدس والاستيطان.
وسجل التقرير أن هذا الانضمام ترافق مع التنصل من مواقف كانت تعتبر تابوهات في الخطاب السياسي الوطني، بدأت بإعلان رئيس القائمة، منصور عباس، أنه لا يزور "الإرهابيين" في إشارة للأسرى السياسيين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، ثم إعلانه أن من لا يُعجبه العيش في إسرائيل يمكنه أن يتنازل عن بطاقة الهوية، وآخرها إعلانه أن "إسرائيل كانت وستظل دولة يهودية".
هبة الداخل الفلسطيني
وتناول التقرير "هبة مايو/أيار" التي اندلعت في كل فلسطين التاريخية، تضامناً مع الفلسطينيين الذين تعرضوا للقصف في غزة، بالتزامن مع هجمة استيطانية في حي الشيخ جراح، والاعتداء على المسجد الأقصى في القدس المحتلة.
وعد التقرير هذا الحدث مفصلياً خلال 2021، عكس وجود توجهات قومية عابرة للخط الأخضر، كما شكل دخول مليشيات مسلحة من المستوطنين للمدن الساحلية المختلطة تحت أنظار الشرطة وبتنسيق مع بعض رؤساء البلديات كما حصل في اللد مثلاً، حدثاً غير مسبوق، أجج المواجهات وعرض الفلسطينيين في الداخل لأكثر من مستوى من العنف الرسمي وغير الرسمي.
البعد القومي للهبة
وقدمت الأكاديمية والناشطة النسوية، قدمت عرين هواري قراءتها للمشهد الاجتماعي، وقالت فيها إن دراسات إسرائيلية للهبة ركزت على أنها أبعاد اقتصادية أو شغب وأعمال أقلية مهمشة، باترةً إياها عن بعدها القومي.
وتورد الباحثة أن هناك التوجــه "الليبرالــي" وتمثلــه دراســة قــام بهــا معهــد دراســات الأمن القومــي فــي جامعــة تــل أبيــب، فــي مايو/ أيــار 2021، حيــث أصــدر ورقــة رأت في "هبة مايو" تعبيراً عــن ضيــق اجتماعــي اقتصــادي "لهوامــش جنائيــة".
وقالت هواري إن هــذا التوجــه "يدافــع" عــن الفلســطينيين "عــن طريــق قطعهــم عــن شــعبهم، ويدعــو إلى زيــادة القطيعــة عبر زيــادة الانتماء والولاء والارتباط والتبعيــة للدولــة اليهوديــة من خلال سياســات دمــج الفلســطينيين بهامــش الاقتصاد الإسرائيلي النيوليبرالــي".
لكن ما وصفته بأنه "شــكل عبثــي"، تمثل في أن الأبحاث اليمينية هي أكثـر مـن "يعتـرف" بالبعـد الفلسـطيني الوطنـي للهبــة، فتضعهــا ضمــن ســياق فلســطيني وطنــي عــام.
وقالت هواري إن هذه الأبحاث رأت في الهبة تعبيراً عن واقــع سياســي ولا تــرى فيهــا مجرد إفـراز لواقــع اجتماعــي واقتصــادي، أي احتجاجــات مــن أجــل ميزانيــات وخدمــات واندمــاج إســرائيلي أعمــق وأوســع.
وخلصت هنا إلى أن هذا الاعتراف "لا يخفى علينا ويأتي مقدمة للتحريض وللمطالبة بسياسات عقابية انتقامية ورادعة".
تسييل الخط الأخضر
في مقابل، النزعة الاندماجية التي عكسها انضمام القائمة الموحدة وتعيين عيساوي فريج وزيراً للتعاون الإقليمي وانضمام امرأتين عربيتين لقائمتي ميرتس والعمل، وما يستتبعه ذلك من تصليب الخط الأخضر وتشديد الحدود الفاصلة بين العرب في إسرائيل وبقية الفلسطينيين، عكست "هبة مايو" نزعة مناقضة من تسييل الخط الأخضر فلسطينياً وإسرائيلياً، وعلى أكثر من مستوى.
فقد تمكنت الأحداث من إذابة (ولو بشكل مؤقت) الخطوط السياسية والجغرافية، إذ شارك الفلسطينيون في كل أماكن وجودهم فيها، وشملت الكل الفلسطيني على جانبي الخط الأخضر، وانتظمت على أساس قومي واضح.
في مقابل ذلك، ذكر التقرير أنه على الصعيد الإسرائيلي، كشفت الهبة أيضاً عن "تسييل" الخط الأخضر من خلال إعادة تدوير الاستيطان وانتقاله من الأراضي المحتلة عام 1967 مجدداً إلى داخل المدن الساحلية على مستويين: مستوى الاستيطان التهويدي الذي تقوم به الجمعيات الاستيطانية عبر "الأنوية التوراتية" في قلب المدن الساحلية المختلطة، ومستوى المليشيات المسلحة الاستيطانية التي نقلت نشاطها المليشياوي خلال الهبة من الضفة إلى الداخل، للمشاركة في قمع الفلسطينيين وسط تواطؤ من الأجهزة الرسمية الإسرائيلية.
تجدر الإشارة إلى أن تقرير "مدار" السنوي، تحرره د. هنيدة غانم، ويشارك فيه نخبة من المتخصصين في الشأن الإسرائيلي، يتضمن سبعة محاور أساسية هي: محور إسرائيل والمسألة الفلسطينية، المحور السياسي/ الحزبي الداخلي، محور العلاقات الخارجية، المحور الأمني/ العسكري، المحور الاقتصادي، المحور الاجتماعي، وأخيرًا محور الفلسطينيين في إسرائيل.
وشارك في إعداد محاور التقرير للعام الحالي، كل من: وليد حباس، وعبد القادر بدوي، ومهند مصطفى، وأنطوان شلحت، وفادي نحاس، وعاص الأطرش، وعرين هواري، وأحمد أمارة. وجاء في ما يزيد على مئتي صفحة، وأدارت مؤتمر إطلاقه الإعلامية جيفارا البديري.