تقلبات الانتخابات الأميركية تثير قلق الصين

25 يوليو 2024
شي جين بينغ وجو بايدن في كاليفورنيا، 15 نوفمبر 2023 (براندون سميالوفسكي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **مخاوف صينية من الانتخابات الأميركية**: انسحاب بايدن وتأييده لهاريس أثار تساؤلات حول سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين، وسط شكوك حول قدرتها على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي.

- **آراء متباينة حول كامالا هاريس**: انقسمت الآراء في الأوساط الصينية حول فرص هاريس، حيث توقع البعض سياسات أكثر صرامة تجاه الصين لتعزيز فرصها الانتخابية.

- **التوترات المستمرة في العلاقات الصينية الأميركية**: رغم بعض الإشارات الإيجابية، استمرت التوترات في ملفات مثل التعريفات الجمركية والتكنولوجيا الفائقة، مع توقعات بأن تكون إدارة هاريس أكثر صرامة.

أثارت حالة عدم اليقين المحيطة بمسار الانتخابات الأميركية المقررة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، مخاوف في الأوساط الصينية بشأن مستقبل العلاقات بين البلدين. ومهّد انسحاب الرئيس جو بايدن من السباق الرئاسي وتأييده لترشح نائبته كامالا هاريس، الطريق أمام مرشح ديمقراطي جديد قد يتبع إلى حدّ كبير سياسة بايدن تجاه الصين في حال فوزه بالانتخابات. على ضوء ذلك، طرحت وسائل إعلام صينية تساؤلات حول سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين إذا فازت هاريس بالرئاسة، وإن كانت ستصبح أكثر صرامة، وسط شكوك حول ما إذا كانت ستتمكن هاريس من الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي.

وتوقعت وسائل الإعلام الصينية أن تتبع كامالا هاريس السياسة نفسها التي أرساها جو بايدن تجاه الصين، إذا فازت في سباق الرئاسة الذي يترشح له أيضاً عن الحزب الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترامب. ولفتت إلى أن نائبة الرئيس الأميركي الحالي تُعتبر صارمة في التعامل مع قضايا مثل حقوق الإنسان في هونغ كونغ وإقليم شينجيانغ، فضلاً عن استراتيجية واشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وكانت هاريس كثّفت اتصالاتها مع شركاء الولايات المتحدة في المنطقة وتعهدت بالتزام واشنطن بالمساعدة في مواجهة الأنشطة العسكرية الصينية في بحر الصين الجنوبي.

لم تظهر هاريس أي رؤية سياسية مميزة تجاه الصين بصفتها نائبة للرئيس

آراء متباينة بشأن كامالا هاريس

انقسمت الآراء في الأوساط الصينية بين من قلّل من فرص وصول هاريس إلى البيت الأبيض إذا ما رشحّها الحزب الديمقراطي للرئاسة، نظراً لضعف أدائها خلال السنوات الماضية، وبين من رأى أنها تشكّل تهديداً حقيقياً لمستقبل العلاقات بين بكين وواشنطن. ويعتقد أصحاب الرأي الأول أن انسحاب بايدن هو السيناريو الأفضل للديمقراطيين لتعزيز فرصهم في الانتخابات، لكن قدرة هاريس على أن تكون زعيمة مؤثرة محل شك بسبب سجلها الضعيف في الداخل. ولفت هؤلاء إلى أنه تم تكليف هاريس بمهمة معالجة قضايا الحدود الأميركية عندما تولت منصبها، لكن جهودها تعرضت لانتقادات بسبب افتقارها إلى النتائج. فقد عبر أكثر من 2.4 مليون مهاجر الحدود الأميركية من المكسيك بشكل غير نظامي في عام واحد. أما في ما يتعلق بالسياسة تجاه الصين، فلم تظهر هاريس أي رؤية سياسية مميزة بصفتها نائبة للرئيس حيث لم يكن هناك أي فرق بين آرائها وآراء بايدن.

في المقابل، توقع أصحاب الرأي الثاني أن تقترح هاريس إذا ما تمّ ترشيحها رسمياً لسباق الانتخابات الأميركية المرتقبة، سياسات أكثر صرامة بشأن الصين، لتعزيز فرصها خلال حملتها الانتخابية القصيرة نسبياً، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى على المنتجات الصينية، على غرار ما فرضه ترامب. وكان ترامب قد هدّد بفرض رسوم جمركية بنسبة 60% على جميع السلع الصينية في حالة إعادة انتخابه، بما في ذلك رسوم جمركية تصل إلى 200% على السيارات الكهربائية الصينية. وواجهت السيارات الكهربائية الصينية بالفعل رسوماً جمركية بنسبة 100% في عهد بايدن. وقال هؤلاء إن هاريس ستفعل ذلك بشكل أكثر قسوة من بايدن للتنافس مع ترامب.

الانتخابات الأميركية ومستقبل العلاقات

مرّت العلاقات الصينية الأميركية بفترة عصيبة خلال حقبة ترامب، واستمرت التوترات حتى انعقاد القمة بين الرئيس الصيني شي جين بينغ، ونظيره الأميركي جو بايدن، في كاليفورنيا نوفمبر الماضي، وأعقب ذلك ظهور عدة إشارات إيجابية للعلاقات الثنائية، إذ استأنفت الدولتان الحوار رفيع المستوى، بما في ذلك المحادثات العسكرية، وأطلقتا مجموعات عمل عدة، وأجرتا مفاوضات بشأن التجارة والمناخ، كما استأنفتا التعاون بشأن ترحيل المهاجرين الصينيين غير النظاميين من الولايات المتحدة.

لكن التوترات ظلّت قائمة في ملفات أخرى، مثل التعريفات الجمركية، التحركات الأميركية الرامية إلى تقييد وصول الصين إلى التكنولوجيا الفائقة، وعلاقة بكين بموسكو. إضافة إلى ذلك، برزت قضايا شائكة بين البلدين تكاد تكون عصية على الحل، مثل مسألة تايوان، ودعم الولايات المتحدة لحلفائها في المنطقة ضمن استراتيجيتها في المحيطين الهادئ والهندي لاحتواء الصين. ملفات ستكون حاضرة على طاولة الساكن الجديد للبيت الأبيض بعد الانتخابات الأميركية في نوفمبر.

في تعليقه على ذلك، قال الباحث في العلاقات الدولية بمركز ونشوان للدراسات الاستراتيجية، جيانغ لي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن بكين لا تنتظر معرفة نتائج الانتخابات الأميركية لإجراء مقاربتها، إذ لا يوجد فرق بين رئيس جمهوري أو ديمقراطي في ما يتعلق بالسياسة الخارجية خصوصاً ما يتصل بالعلاقة مع الصين. وأضاف أن العلاقات الصينية الأميركية غير متكافئة ولا تزال تفتقر إلى المعاملة بالمثل. وتابع: "لطالما حاولت بكين استيعاب المخاوف الأميركية بشأن العديد من الملفات الخلافية، ولكن في المقابل فإن الجانب الأميركي ظلّ متردداً في معالجة مخاوف الصين. وقد ساهم ذلك في اتساع أزمة الثقة القائمة بين البلدين، إذ لم يحدث أي تقدّم في محاولة تذليل العقبات المتعلقة بالخلافات التجارية والمخاوف الأمنية".

جين توي: تبدي هاريس دعماً كبيراً لقضايا حقوق الإنسان التي لا يحبذها الحزب الشيوعي الصيني

واعتبر لي أنه "يجب أن تتخذ واشنطن إجراءات ملموسة بشأن التزامها بعدم دعم استقلال تايوان، والتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للصين، وكذلك وقف دعم الاستفزازات الفيليبينية في بحر الصين الجنوبي، والامتناع عن تشويه العلاقات الطبيعية بين موسكو وبكين. عدا ذلك فإنه لا يمكن استبعاد حدوث أزمة أخرى أو شكل من أشكال المواجهة إذا استمر المسار الحالي خلال الفترة الرئاسية المقبلة".

مسلّمات 

في المقابل، قلّل أستاذ الدراسات السياسية السابق في جامعة تايبيه الوطنية، جين توي، في حديث لـ"العربي الجديد"، من فرص التوصل إلى توافق صيني أميركي بشأن الملفات والقضايا الخلافية بغض النظر عن هوية الرئيس الجديد في البيت الأبيض بعد الانتخابات الأميركية. وقال إنه في السياسة الخارجية لكل دولة، هناك مسلّمات حتمية لا تخضع للمساومة، على سبيل المثال في ما يتعلق بمسألة تايوان، ترى بكين أن الجزيرة جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية ويمكن إعادة توحيدها بالقوة إذا لزم الأمر. أما الولايات المتحدة، فلا تعترف بتايوان دولةً مستقلة، لكنها تعارض أي محاولة للاستيلاء على الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي بالقوة، وتلتزم بتزويدها بالأسلحة. وبالتالي، برأيه، فإنه من الاستحالة في ظل هذه المعطيات أن يتم تسجيل أي اختراق في هذا الملف بعد الانتخابات الأميركية. وتابع: "قس على ذلك قضية التبت، والدعم الأميركي للفيليبين، ومحاولة واشنطن توسيع تحالفاتها العسكرية في المنطقة". ولفت إلى أن كل هذه الملفات تمثّل حجر عثرة في طريق الوصول إلى وفاق، ما يقلل من حجم التوتر بين البلدين.

كما أشار جين توي إلى أن إدارة هاريس في حال فوزها، قد تكون أكثر صرامة في نهجها السياسي تجاه الصين، خصوصاً أنها تبدي دعماً كبيراً لقضايا حقوق الإنسان التي لا يحبذها الحزب الشيوعي الصيني. لكنه لفت إلى أنه لا يزال من غير الواضح كيف ستختلف السياسة الخارجية لهاريس لأنها كررت في الغالب سياسة بايدن الخارجية على الساحة الدولية في ملفات وقضايا أخرى هامة.