وضعت إدارة الرئيس جو بايدن، الثلاثاء، مجلس الشيوخ في صورة الوضع الإيراني وموقفها منه، وذلك خلال جلسة سرية شارك فيها مسؤولون كبار من الدرجة الثانية في وزارتي الخارجية والدفاع ووكالة الاستخبارات الوطنية ومخابرات وزارة المالية، تتقدمهم ويندي شيرمان نائبة الوزير أنتوني بلينكن.
وتأتي هذه الإحاطة بعد طول انتظار، حيث كان قد سبق للمجلس، خاصة الجمهوريين فيه، أن طلبها منذ أشهر لاستيضاح بعض التباينات المحيطة منذ فترة بسياسة بايدن الإيرانية.
ومع أن ما دار خلال الجلسة لم يتسرب حتى الآن بحكم سريتها، إلا أن تلميحات المقربين من أجوائها والإشارات الملتبسة التي حملتها تصريحات المعنيين، فضلا عن تركيبة الفريق الذي التقى بالمجلس؛ عززت الانطباع بأن مقاربة الإدارة لهذا الملف بقيت على لونها الرمادي، تماما كما كان وما زال تعاطيها مؤخرا مع الملفين السوداني والسوري، وكل ما أثاره ذلك من مآخذ، خاصة في الكونغرس.
أول ما كان لافتا هو غياب روبرت مالي، المبعوث الخاص لمفاوضات النووي الإيراني، عن فريق الإدارة الذي أحاط مجلس الشيوخ بالموضوع. في حين كان يفترض أن يكون في طليعتهم باعتباره المعني المباشر بأهم بند يريد الشيوخ الاطلاع على تطوراته.
في تفسيره لغياب مالي، قال نائب الناطق في الخارجية فيدنت باتيل الثلاثاء، إن المبعوث في "إجازة" قصيرة حالت دون انضمامه إلى الإحاطة. ذريعته التي بدت مستغربة، جرى ربطها بما نُسِب إلى جهات مطلعة قولها عن وجود "تقدم في الموضوع النووي"، من دون توسع في الشرح.
وكان قد انتشر مؤخرا "همس" في واشنطن في هذا الخصوص، ولو أنه بدا غير بعيد عن التكهنات. وكأن عدم حضور مالي كان دافعه اجتناب الإفصاح عن مثل هذا التقدم لو أنه فعلا قد حصل، حيث لا يقوى مالي في مثل هذه الحالة على نكرانه أمام مجلس الشيوخ، الأمر الذي كان لا بدّ وأن يستدعي دخوله المباشر في تفاصيل المساومات مع إيران، والتي لا توجد قابلية لها في الكونغرس الذي يتحدث بلغة التصعيد مع طهران.
ولمحت الخارجية الأميركية الثلاثاء إلى هذه الأجواء وإن بصورة مبطّنة، إذ كرر المتحدث كالعادة التأكيد على "إيمان الإدارة بالحل الدبلوماسي لقضية النووي باعتباره الأبقى والأضمن للحيلولة دون امتلاك إيران للسلاح النووي". صحيح أن هذه الجملة لا تغيب عن خطاب الإدارة، وصارت جزءا منه عند الحديث عن المشروع النووي الإيراني، لكن الحرص على التمسك بها في هذا الظرف المأزوم مع طهران أكثر من أي وقت مضى، يعكس إصرار الإدارة على السعي للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران وإعطائه الأولوية.
ويصب في هذا المجرى في حرص الإدارة على ترك بعض الأبواب مفتوحة، وإن مواربة أمام حلحلة تتيحها الظروف. فقد رفضت دعوات مكررة من الكونغرس للتشدد في تطبيق العقوبات على النفط الإيراني وسد حنفية تصديره حتى إلى الصين. لكن في الوقت ذاته صعّدت الحشود البحرية في مياه الخليج وجواره ردا على احتجاز إيران لناقلتي نفط مؤخرا، كوسيلة ردع وكأداة ضغط على طهران ردا على توسيع علاقاتها "الدفاعية" مع موسكو، حيث أشار جون كيربي، الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، الإثنين، إلى المزيد من "الضغوط" القادمة خلال الأيام القليلة المقبلة رداً على هذه العلاقة.
هذا الخليط من التشدد و"الدبلوماسية" فاقم الأجواء بين البيت الأبيض والكونغرس، بمن في ذلك بعض الديمقراطيين أحيانا الذين يتخوفون من عدم تماسك مقاربته للنووي ولسياسته إجمالا في المنطقة، وهو يتوجس بدعوات التصعيد ويتخوف من تبعاتها.
وبين هذا وذاك، بقي تعامل البيت الأبيض مع إيران أقرب إلى المراوحة. ثم تعززت هذه الصورة مع أزمة السودان التي بدا "كمن يجري وراء أحداثها"، ثم موجة التطبيع مع سورية التي بدت إدارته "كعاجز" إزاءها.