يعيش معسكر اللواء المتقاعد خليفة حفتر خلافات كبيرة في المواقف والآراء، على خلفية تنافس كبير بين نجليه صدام وبلقاسم على الاستحواذ على أهم المراكز وتوسيع نفوذهما، ما قد يهدد معسكر حفتر بانقسامات أكبر قد تضعف موقعه في خريطة الصراع الليبي.
ومنذ سنوات، بدأ حفتر من تمكين أنجاله من قيادة أبرز مليشياته، كصدام الذي يحمل رتبة عميد ويتولى قيادة لواء طارق بن زياد، وخالد الذي يحمل أيضا رتبة عميد ويتولى قيادة اللواء 106، بالإضافة لنجليه الآخرين بلقاسم والصديق المدنيين اللذين يتوليان مهام على علاقة بالسياسة والنشاط المدني، فيما يفضل نجله الخامس، عقبة، الابتعاد عن المشاركة في إدارة دواليب معسكر والده ويقيم في فرجينيا، مقر والده السابق إبان لجوئه لدى الولايات المتحدة بعد توتر علاقاته مع رفيقه السابق العقيد الراحل معمر القذافي.
ويعد صدام وبلقاسم الأبرز من بين الأشقاء الخمسة، حيث يسيطر لواء طارق بن زياد، الذي يقوده صدام، على بنغازي وكافة المناطق الواقعة شرقها وصولا إلى الجنوب، بمشاركة اللواء 166 الذي يقوده أيوب الفرجاني، ابن أخت حفتر وزوج ابنته، في الوقت الذي ينشط بلقاسم قريباً من والده مستشاراً سياسياً له، ويعد شقيقه خالد مقرباً منه.
إطاحة باشاغا
ويفسر نشاط صدام وبلقاسم المعلومات التي أدلت بها مصادر ليبية مطلعة لـ"العربي الجديد" حول وقوف صدام وراء قرار إطاحة رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا، فيما تحفظ بلقاسم بشكل كبير حيال القرار إلى جانب رئيس مجلس النواب عقيلة صالح.
وبحسب معلومات المصادر، وهي مصادر مقربة من مجلس النواب ومعسكر حفتر، فإن جلسة مجلس النواب التي انعقدت في بنغازي الثلاثاء الماضي وصدر عنها قرار إيقاف باشاغا من مهامه وإحالته إلى التحقيق، جرت برعاية صدام وبتمهيد منه من خلال إقناعه عددا من النواب بالمشاركة فيها، لا سيما الرافضين لهيمنة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح على قرارات المجلس وتفرده بها في العديد من المناسبات.
وغاب صالح عن جلسة الثلاثاء الماضي، فيما ترأسها نائبه الأول فوزي النويري، الذي سبق أن شارك بشكل كبير في الحشد لاجتماعات للنواب في طنجة المغربية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، وغدامس في ديسمبر/ كانون الأول 2020، وصبراتة في فبراير/ شباط 2021، بهدف تغيير رئاسة مجلس النواب وتعيين بديل عن عقيلة صالح، إلا أنها فشلت، كما أنه طعن في بعض قرارات عقيلة، ومن بينها قرار تعديل صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء في نوفمبر 2021، مستغلا غياب صالح عن رئاسة مجلس النواب، إذ كان يستعد للترشح للانتخابات آنذاك.
ومما يكشف عن وجود خلافات عميقة داخل مجلس النواب حيال قرار استبعاد باشاغا، طعن عقيلة صالح في إجراءات استبعاد باشاغا، فبعد أربعة أيام من الغياب، ظهر صالح في تصريحات إعلامية، مساء أمس السبت، ليعلن عن عدم صحة إجراءات قرار إيقاف باشاغا عن مهامه وإحالته إلى التحقيق، وقال إنه ليس راضيا عن هذا القرار، لأنه كان متسرعا ولم يجر وفقا للقانون".
وكشف صالح، خلال التصريحات ذاتها، عن أن مجلس النواب سيتوافق مع مجلس الدولة على حكومة مصغرة للإشراف على الانتخابات، مؤكداً أن مجلس النواب لن يقبل إشراف حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة على الانتخابات.
بلقاسم يمارس ضغوطاً لإعادة باشاغا
وحول تحفظ بلقاسم حفتر على قرار استبعاد باشاغا، يؤكد دبلوماسي مقرب من مجلس النواب أن تشكيل حكومة بديلة عن حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس وتعيين باشاغا رئيسا لها "كانا مشروع بلقاسم منذ البداية"، وعلى الرغم من فشل باشاغا في فرض نفسه في المشهد، إلا أن الدبلوماسي نفسه أكد أن بلقاسم لا يزال متمسكاً به، وقال: "بلقاسم يمارس ضغوطاً على عقيلة صالح في اتجاه إجراء تحقيق عاجل مع باشاغا وإرجاعه إلى منصبه".
وفيما أرجع الدبلوماسي، وهو مستشار لدى لجنة التواصل في مجلس النواب، تمسك بلقاسم ببقاء باشاغا في منصبه إلى التنافس الحاصل بينه وبين شقيقه صدام، أكد أن تنافساً بين الشقيقين بلقاسم وصدام "يجري منذ مدة تحت سيطرة والدهما، لكن خلافتهما الأخيرة قد تجرهما إلى صراع ومواجهة واضحة".
وحول ظروف تشكل مشروع بلقاسم، أوضح الدبلوماسي أن "أوساط مجلس النواب كان معلوما لديها وجود اتصالات مباشرة بين بلقاسم وعقيلة صالح منذ منتصف عام 2021، وكان الاعتقاد السائد وقتها أنها اتصالات من أجل تليين المواقف المتصلبة بين عقيلة وخليفة حفتر، لكن الأمر كان مختلفا، إذ كان بلقاسم قد أقنع والده بإمكانية الدخول إلى طرابلس سلميا ومن دون حرب، من خلال إحياء تحالف عقيلة صالح وفتحي باشاغا الذي سقط في الانتخابات في ملتقى الحوار السياسي لاختيار رئيس للمجلس الرئاسي ورئيس للحكومة أمام ثنائي محمد المنفي وعبد الحميد الدبيبة، ودعم هذا التحالف مجدداً لتمكينه من السلطة، فباشاغا كان بنظره شخصية لديها قبول واسع في أوسط مليشيات مصراتة وطرابلس، عكس الدبيبة الذي لم يكن لديه نفوذ في أوسط تلك المليشيات".
وأضاف: "بلقاسم كان له كذلك دور كبير في إقناع قطاع واسع من النواب بدعم توجه عقيلة صالح لسحب الثقة من حكومة الدبيبة وتشكيل حكومة جديدة برئاسة باشاغا، والترتيب للقاء الذي جمع حفتر بباشاغا في بنغازي".
وتابع: "رغم أن باشاغا كان مصحوبا بعدد من المترشحين للانتخابات عند زيارته حفتر وقتها، إلا أن وسائل إعلام حفتر ركزت على باشاغا بشكل أكبر، وجعلته عنواناً لمرحلة جديدة من السلام والاستقرار"، مذكّرا بأن بلقاسم ظهر علنا في صور لقاء حفتر بباشاغا في بنغازي في أول لقاء بينهما.
نقاط التلاقي بين بلقاسم وصالح
وحول نقاط التلاقي بين بلقاسم وعقيلة صالح، أشار الدبلوماسي إلى أن بلقاسم كان يسير قريباً من السياسات المصرية في الملف الليبي "التي يمثلها عقيلة صالح في الغالب"، مضيفاً أن بلقاسم "ظهر برفقة عقيلة صالح في العديد من الزيارات الرسمية إلى العواصم التي غيرت مواقفها مع القاهرة واتجهت لاستئناف العلاقات، بل كان وراء قبول رغبة تركيا في الانفتاح على الشرق الليبي بعد أن اتجهت العلاقات المصرية التركية للتقارب، وتُوج ذلك الانفتاح بزيارة عقيلة صالح إلى أنقره بشكل رسمي".
وأشار إلى جانب آخر في مواقف بلقاسم يتماهى مع الرؤية المصرية في الملف الليبي، وهو "اتصالاته مع المشري، التي جاءت بعد اتجاه القاهرة لاحتضان لقاءات مكثفة بين المشري وعقيلة صالح، ودعمت خيار إنشاء حكومة باشاغا، بل واعترفت بها".
والتقى رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري مع بلقاسم في العديد من المناسبات، من بينها لقاء في القاهرة في مارس/آذار من العام الماضي، حاول خلاله بلقاسم ترتيب لقاء بين المشري وباشاغا، بحسب وكالة نوفا الإيطالية، ولقاء آخر في الرباط المغربية حيث كان بلقاسم برفقة عقيلة صالح.
ومؤخراً، وصف المشري قرار مجلس النواب استبعاد باشاغا بــ"العبث السياسي"، وقال إن طريقة استبعاده "أقل ما يقال عنها أنها مريبة".
فشل مشروع بلقاسم
لكن فشل باشاغا في فرض نفسه في المشهد، بعد انكسار أكثر من محاولة له لدخول طرابلس، أثّر بشكل كبير على مشروع بلقاسم، بحسب الدبلوماسي ذاته، مستنداً في ذلك إلى بروز نشاط آخر في الأثناء يقوده صدام باتجاه إجراء اتصالات مباشرة مع إبراهيم الدبيبة، أبرز مستشاري رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة.
وقال: "لم يكن التنافس بين بلقاسم وصدام واضحاً في البداية، إذ كان الوضع متشابكاً، ففي حين قبل فيه الدبيبة بتعيين فرحات بن قدارة المقرب من حفتر، منتصف العام الماضي، أطلق باشاغا محاولة لاقتحام طرابلس في الشهر التالي، لكنه فشل"، مشيراً إلى أن فشل باشاغا في دخول طرابلس كان بمثابة فشل مشروع بلقاسم، ما أفسح المجال أكثر للمشروع الموازي بقيادة صدام.
ولفت الدبلوماسي إلى وجه آخر لاختلاف المشروعين قائلا: "فيما كان بلقاسم يسير في ركاب السياسة المصرية، جرت كل المفاوضات بين صدام ومستشاري الدبيبة برعاية إماراتية، بل إن أول لقاء بينهما كان في أبوظبي".
وهو ما أكده المشري في تصريحات تلت تعيين بن قدارة واصفاً تعيينه بـ"الصفقة المشبوهة"، وأنه جرى بعد اتفاق صدام وإبراهيم الدبيبة "في أبوظبي دون أي صفة رسمية"، وقال إن "الدبيبة أخبرني بأن ما تسمى القيادة العامة سمت بن قدارة لمنصب رئيس مؤسسة النفط".
لكن مفاوضات صدام ومستشاري الدبيبة توقفت بعد تعيين بن قدارة لعدة أشهر. ويكشف الدبلوماسي عن العديد من الأسباب المحيطة بتوقفها، مضيفاً: "لكن أهمها دفع المشري وعقيلة صالح بملف المناصب السيادية ذات العلاقة بأكثر مناصب الدولة أهمية بحجة أهمية حسمه كشرط للمضي في الترتيبات اللازمة للانتخابات، لكن الهدف الحقيقي لإثارة ملف المناصب السياسية كان لإفشال الخطوات الأولى لصفقة صدام والدبيبة، التي كانت تعمل على تعيين شخصيات تابعة للطرفين في مراكز ومفاصل مؤسسات الدولة، كخطوة أولى لبناء الثقة بينهما قبل المضي في باقي خطوات المشروع، كتقاسم الوزارات السيادية في إطار دمج الحكومتين".
وأشار إلى أن التصور الأولي أن يقبل الدبيبة بقرار من مجلس النواب بإجراء تعديل وزاري في حكومته، يستوعب عدداً من وزراء وشخصيات الحكومة الموازية.
وفيما تبدو تصريحات صالح، أمس السبت، تجاوباً مع دعوة المشري مجلس النواب للاتفاق على "خريطة طريق واضحة تؤدي إلى الانتخابات في ظل حكومة موحدة صغيرة"، ذهب الأخير إلى إصدار قرار لتشكيل لجان لمتابعة ما وصفه بـ"تجاوزات" حكومة الدبيبة.
وفيما اعتبر عضو مجلس الدولة محمد معزب، في تصريحات صحافية، أن قرار المشري تشكيل لجان لمتابعة أعمال حكومة الدبيبة "يوحي بتصاعد الخلاف الشخصي بينهما"، قال عضو مجلس النواب، علي التكبالي، إن هدف تشكيل هذه اللجان هو "منع أي تعديل وزاري على الحكومة، من خلال حشد الرأي العام ضد حكومة الدبيبة من خلال ما ستكشف عنه تقارير هذه اللجان من فساد، وبالتالي سيتوجب استبدالها".
مزيد من الانقسام
وحول ما يمكن أن يترتب عن تعارض خطوات نجلي حفتر، قال الدبلوماسي: "الخيارات المطروحة لن تؤدي إلا للمزيد من الارتباك وربما الانقسام أكثر، إذا تشدد نجلا حفتر في التمسك بمشروعيهما، خصوصا أن مشروع صدام ليس ناضجا ليحقق أهدافه في التنفيذ في مفاصل الدولة وكسب رضا والده، فلن يكفي تقاسم الوزارات والمناصب لدمج الحكومتين في حكومة واحدة، وإلا فأين موقع والده الذي لن يرضى إلا بمنصب يهيمن على الجميع، وفي المقابل، لا يزال حفتر غير مقبول في قطاعات واسعة من مسلحي غرب البلاد، خصوصا في طرابلس".
ويتابع الدبلوماسي بقوله: "صمت الخارج مقلق بالنسبة للطرفين، فعقيلة صالح والمشري وبلقاسم يعولون على استمرار الموقف المصري الرافض لوجود الدبيبة في المشهد، بينما يعول الدبيبة وصدام على دعم أميركي، حيث سبق أن لمّح السفير الأميركي إلى جدوى وجود هيئة حكومية تجمع الحكومتين"، مؤكداً أن أوساط مجلس النواب ومعسكر حفتر لم يصل إليها أي مؤشر على خلاف مصري إماراتي حول الأزمة الحكومية وشكل حلحلتها.
ويختم الدبلوماسي بقوله: "تقف أمام جميع المساعي عرقلة أساسية تتعلق بامتلاك المبعوث الأممي عبد الله باتيلي ختم الموافقة على أي شكل من أشكال تسوية الأزمة الحكومية، إذ أبلغ باتيلي مجلس النواب ومجلس الدولة بأنه لن يقبل بنقاش الأزمة الحكومية إلا بعد إصدار القوانين الانتخابية".