في تطور لافت على مستوى الحراك السياسي بمدن ومحافظات شمالي وغربي العراق، والتي ما زال سكانها يكافحون لإعادة الاستقرار في مناطقهم المدمرة بفعل الحرب على الإرهاب، تصدرت في تلك المناطق خلال الأيام الأخيرة، المشاركة الواسعة للنساء المتنافسات ضمن الدوائر الانتخابية، لخطف واحد من مقاعد البرلمان الثلاثة المخصصة في كل دائرة.
ووفقاً لقانون الانتخابات الجديد في العراق، فإن مقاعد كوتا النساء في البرلمان المقبل، ستكون موازية لعدد الدوائر الانتخابية، أي أن البرلمان سيضم 83 مقعداً للنساء.
وبحسب أرقام مفوضية الانتخابات العراقية، هناك أكثر من 900 مرشحة للانتخابات البرلمانية بنسختها الخامسة منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، من أصل نحو 3500 مرشح، من بينهم العشرات من النساء اللواتي يتنافسن في مدن الأنبار ونينوى وصلاح الدين وكركوك وديالى وبغداد وشمال بابل.
وعلى الرغم من تهديدات سابقة لبقايا تنظيم "داعش" في العراق بشأن الانتخابات، إلا أن الحراك الانتخابي يمضي دون اكتراث بها في تلك المناطق.
وعزا عضو البرلمان العراقي الحالي، النائب أحمد الكناني، تصاعد التنافس الانتخابي المتعلق بالنساء في عموم مدن العراق، إلى أن "تراجع فرص القوى التقليدية بحصد المقاعد، دفعها الى الاعتماد على النساء، لضمان أكبر عدد من المقاعد ضمن الكوتا المخصصة للمرأة". وقال لـ"العربي الجديد"، إن "واحداً من أهم الأسباب لكثرة عدد المتنافسات، يتعلق بالقوى التقليدية والتي تريد أن تضمن أكبر عدد من المقاعد لها في الانتخابات البرلمانية المقبلة، عن طريق كوتا النساء، ليس حرصاً على التمثيل النسوي، وإنما قراءة من قبل تلك القوى لتراجع جمهورها وعدم تقبلها في تلك المناطق، ما دفعها لتفعيل كوتا النساء".
وأقرّ في الوقت ذاته بأن "فشل الكثير من النواب (الرجال) في الدورات البرلمانية السابقة، في تقديم الخدمات لتلك المناطق وتحقيق طموح الأهالي، قد يكون حافزاً لانتخاب المرأة، لكن ما نرجوه أن يتم انتخاب نساء لديهن القدرة على تقديم شيء لتلك المناطق، لا لمجرد شغل مقعد فقط".
ودافعت النائبة السابقة، المرشحة الحالية عن محافظة نينوى، نورة البجاري، عن استحقاق المرأة وقدرتها على تحقيق الكثير لمناطقها، مؤكدة ثقة الأهالي بالنساء. وقالت البجاري لـ"العربي الجديد": "هناك حضور كبير للنساء بقوائم الترشيح، سيما بالقوائم التي لها جمهور كبير جداً في المناطق المحررة"، مبينة أنه "تم اختيار شخصيات نسائية لها تأثير جماهيري واضح، من النائبات السابقات وغيرهن".
وأشارت الى أن "هناك ثقة كبيرة اليوم لدى الجمهور بدور المرأة، وما يمكن لها أن تقدمه من خدمات، وتواصل، والقيام بمسؤولياتها على أتم وجه"، مبينة أن "عدم وجود ملفات فساد تخص النساء، أعطاهن دعماً جماهيرياً كبيراً، وعزز من حضور المرأة بشكل عام"، مضيفة: "لمسنا دعماً جماهيرياً في المناطق العشائرية، على الرغم من أن المجتمع ذكوري، لكن اليوم هناك اختلاف بنظرة الجمهور إزاء المرأة"، متوقعة "فوز نساء ذوات كفاءة خلال التنافس الانتخابي، ما سيعزز دور المرأة في البرلمان المقبل".
ويرى مراقبون أن تلك القوى أرادت من زج المرشحات، مجرد تغيير للوجوه، إلا أن تلك المرشحات رهن سياسات القوى الداعمة لهن.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، غالب الزيدي، إن "دعم كل تلك المرشحات في تلك المناطق، لا يمثل التخلص من الوجوه التقليدية، بل يؤكد بقاءها، سيما وأن تلك القوى هي التي كسبت المرشحات وتدعم حملاتهن الانتخابية"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "من تفوز من تلك المرشحات لن تخرج عن سياسة تلك القوى".
وأكد أن "هيمنة تلك القوى على كوتا النساء تمثل وجها آخر من وجوه السياسات للقوى المتنفذة في العراق، والتي تحرك مرشحيها في الدوائر الانتخابية كما تريد"، معتبراً أن "نظام الكوتا هو بحقيقته نظام تمييز عنصري ضد المرأة وقد حجم تنافسها الانتخابية بنسبة معينة، كما يمنح القوى المتنفذة فرصة استغلالها سياسياً".