أثار مشروع تنقيح المرسوم المتعلق بتنظيم الجمعيات في تونس حفيظة العديد من الجمعيات، التي أكدت رفضها هذا التنقيح الذي يضرب العمل الجمعياتي.
ودعا الرئيس التونسي قيس سعيّد، أمس الخميس، لسن قانون يمنع تمويل الجمعيات غير الحكومية من الخارج، معتبراً تلك "الجمعيات امتداداً لقوى خارجية".
وقالت رئيسة جمعية النساء الديمقراطيات نائلة الزعلامي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن السلطة في تونس تستبطن النية لتركيع المجتمع المدني والسيطرة عليه بدعوى مراقبة التمويلات الأجنبية"، معتبرة أن "مشروع المرسوم الذي سيصدره الرئيس سعيّد حق أريد به باطل".
وأشارت إلى أن "المجتمع المدني يوفر نحو 20 بالمائة من فرص العمل ويساعد على حماية الأسر من الهشاشة الاجتماعية بعد أن تخلت عنهم الدولة"، معتبرة أن "تكبيل الأجسام الوسيطة عبر المراسيم تهيئ الأرضية لسيطرة سعيّد على كل الاختصاصات ".
واعتبرت في سياق متصل أن "ذريعة الإصلاح التي تتخذها السلطة مطية ليست إلا معاول لهدم بناء المنظمات المدنية برمتها".
وأكدت رئيسة جمعية النساء الديمقراطيات أن "المجتمع المدني لن يقف صامتاً أمام محاولات تركيعه، وسيواصل نضاله ضد مخلف أشكال الديكتاتورية ومحاولات الانفراد بالسلطة من أي جهة سياسية كانت ".
من جهتها، قالت المتحدثة باسم جمعية أصوات نساء سارة المزياني، لـ"العربي الجديد"، إن "مشروع الرئيس قيس سعيّد الذي يهدف إلى تنقيح قانون الجمعيات يعدّ ضرباً للمنظمات المدنية ويحد من مكاسب هامة أتت بها الثورة، ولا سيما المكاسب المتعلقة بحرية التعبير".
ووصفت المزياني التنقيحات التي وردت في مشروع المرسوم المسرّب "بالخطيرة"، مؤكدة أن "تطبيقها سيضيق الخناق على العاملين في المجتمع المدني والحقل الجمعياتي، الذي يكابد من أجل سد الفراغات التي تركتها السلطة في مجال الرعاية للفئات الهشة، ومنها النساء المعنفات واللاتي تنتهك حقوقهن الاقتصادية".
وأضافت في سياق متصل أن "العمل الجمعياتي، الذي يستهدفه الرئيس سعيّد عبر مرسوم جديد يحد من تمويلاته، يوفر مئات فرص العمل للشباب وللأسر ويقوم بجهود كبيرة للحد من البطالة"، مشيرة إلى أن "أي تقييد لعمل الجمعيات سيحبط مجهودات كبيرة قام بها المجتمع المدني الذي كان حاضراً في كل المحطات الكبرى التي عاشتها البلاد"، بحسب قولها.
واعتبرت أن "القوانين الحالية، لا سيما قانون مكافحة الإرهاب، قادرة على تعقّب التحويلات المالية للجمعيات المشبوهة التي تطرّق إليها تقرير دائرة المحاسبات وذكرها بالاسم".
ونبّهت المزياني من "التضييق على العمل المدني في تونس وتقييد نشاط الجمعيات، التي تعد رافداً مهماً للديمقراطية الناشئة في البلاد وأحد أهم مكاسب الثورة".
ودعت جمعيات تونسية إلى تشكيل جبهة للتصدي لأي محاولة من السلطة التنفيذية "لقمع العمل الجمعوي أو التضييق عليه".
جاء ذلك في بيان مشترك لـ12 جمعية مدنية وحقوقية في تونس، نشرته تلك الجمعيات على صفحاتها عبر "فيسبوك".
ومن بين الجمعيات الموقعة على البيان "أصوات نساء"، و"الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات"، و"جمعية بيتي"، و"جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية".
ورفض البيان "مشروع المرسوم المتعلق بتنقيح قانون الجمعيات بمبادرة من رئاسة الحكومة، الذي يُعرض حالياً أمام مختلف الوزارات لإبداء النظر فيه"، معتبرة أن المشروع "سالب للحرية".
وعبّرت الديناميكية النسوية عن رفضها القطعي مشروع تنقيح المرسوم عدد 88 لسنة 2011، لما اعتبرت أنه يحمل في طياته تضييق على حرية تأسيس الجمعيات وحرية العمل الجمعياتي في تونس كما أقرتها الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل الدولة التونسية.
كما عبرت، في بيان، عن عميق انشغالها إلى ما آلت إليه الأوضاع السياسية والقانونية والمؤسساتية في تونس، بما في ذلك التهديدات التي تطاول مبدأ حرية الجمعيات، معتبرة أن هذا المشروع يمثل انتكاسة لحرية الجمعيات التي ناضلت من أجلها أجيال من المناضلات والمناضلين، ويخفي في طياته رغبة للانفراد بالحكم ونظاماً لا يعترف بوجود القوى المعارضة.
وأوضحت أن هذا المشروع يمنح الإدارة سلطة تقديرية واسعة تمكنها من رفض تكوين الجمعيات وشبكات الجمعيات (الفصول 10 و27) أو حل منظمات المجتمع المدني "آليا بقرار صادر عن الإدارة المكلفة بالجمعيات برئاسة الحكومة" (الفصل33) أو عند ارتكابها "لمخالفات جسيمة تقدرها الإدارة" (الفصل45).
وتابعت أن من الأوجه الخطيرة أيضاً لهذا المشروع محاولة إضعاف الجمعيات من خلال إقرار وجوبية الحصول على ترخيص مسبق من اللجنة التونسية للتحاليل المالية لقبول المساعدات والتبرعات والهبات الأجنبية (الفصل 35) وإقرار شرط المشروعية بالنسبة للعائدات الناتجة من مشاريع الجمعية (الفصل34) دون بيان لمعنى لفظ "مشروعة"، وتركه قيد السلطة التقديرية للإدارة مقابل تخليها عن مسؤولياتها تجاه المواطنات والمواطنين وتعويلها على منظمات المجتمع المدني للقيام بالمهام المعهودة إليها، على غرار مناهضة العنف ضد النساء ووضع مراكز الإنصات والتوجيه والإيواء لفائدة النساء ضحايا العنف، والتمكين الاقتصادي للنساء والفئات الهشة.
تنشط في تونس آلاف الجمعيات غير الحكومية تحت المرسوم رقم "88" الصادر عام 2011، حيث تمنع المادة 35 منه الجمعيات من "قبول مساعدات أو تبرعات أو هبات صادرة عن دول لا تربطها بتونس علاقات دبلوماسية أو عن منظمات تدافع عن مصالح وسياسات تلك الدول".
إلا أن المادة 41 من المرسوم ذاته تسمح بقبول المساعدات من بقية الدول الأجنبية بشروط، منها نشر المساعدات والتبرعات والهبات الأجنبية وذكر مصدرها وقيمتها.
وتعاني تونس أزمة سياسية حادة منذ 25 يوليو/ تموز 2021، حين بدأ الرئيس سعيّد فرض "إجراءات استثنائية"، منها تجميد اختصاصات البرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة الحكومة وتعيين أخرى جديدة.
وترفض غالبية القوى السياسية والمدنية في تونس هذه الإجراءات، وتعتبرها "انقلابا على الدستور"، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها "تصحيحًا لمسار ثورة 2011" التي أطاحت الرئيس آنذاك زين العابدين بن علي.