تتواصل تداعيات مقتل شاب تونسي يُدعى محسن الزياني، أمس الأربعاء، بجهة الباساج وسط العاصمة في تونس، بعدما أطلق أعوان دورية تابعة للجمارك النار عليه، بعد اشتباههم في حيازته بضاعة مهربة، حيث قوبلت هذه الحادثة بإدانة واسعة من قبل سياسيين ومنظمات ومواطنين.
ورغم قرار النيابة العامة الاحتفاظ بثلاثة أعوان من الدورية للتحقيق معهم من قبل فرقة أمنية مختصّة، إلا أن دائرة الاستنكار تتوسع.
وشهدت عدة أحياء في العاصمة تونس ليلة أمس احتجاجات غاضبة واستنكاراً لما وقع.
من جانبها، قالت الإدارة العامة للجمارك التونسية، في بيان، إن "الأبحاث الإدارية تفيد بأن مصالح الحرس الديواني (الجمارك) بتونس تحصلت على معلومات عن وجود سيارة محملة بكمية كبيرة من السجائر المهربة في جهة الباساج، فتمّ توجيه دورية على متن سيارة نظامية إلى عين المكان".
وأضافت أن "مجموعة كبيرة من المهربين تجمهرت في عين المكان، واعتدت على الدورية بالعنف وبالمقذوفات لمساعدة سيارة التهريب على الفرار". ولفتت إلى أنه "نتج من هذا الاعتداء إصابة أحد أعوان الدورية إصابة بالغة على مستوى الرأس سقط على إثرها أرضاً، وحاول سائق سيارة التهريب دهسه، ما أجبر أحد زملائه على إطلاق أعيرة نارية تحذيرية في الهواء وعلى عجلات السيارة، أصاب أحدها السائق"، بحسب البيان.
إلى ذلك، حذرت منظمة "أنا يقظ"، في بيان لها اليوم الخميس، من أن "هذه الانتهاكات ستساهم في المزيد من تقويض السلم الاجتماعي والمزيد من تكريس ثقافة الإفلات من العقاب وتقوية شعور الأفراد بالظلم والنقمة في وطنهم"، مؤكدة أن "حق الإنسان في الحياة حق مقدس، وأن استعمال السلاح والرصاص الحي في وجه مواطنين عُزّل جريمة إنسانية".
شهدت عدة أحياء في العاصمة تونس ليلة أمس احتجاجات غاضبة واستنكاراً لما وقع
وأضافت أن "آلة القمع والإجرام البوليسي، ومن ورائها قضاة التعليمات وبتواطؤ منهم، واصلت سياسة التنكيل بالشباب والنشطاء والصحافيين، وتوالت الانتهاكات في الآونة الأخيرة".
وقالت إن الفترة التي تلت التصديق على "دستور الجمهورية الجديدة"، والتي لم يمض عليها أكثر من شهر، شهدت "مقتل الشاب كريم السياري بجهة تينجة التابعة لمحافظة بنزرت جراء تعرضه للتعذيب داخل مركز الأمن، كما شهدت اعتداء أمنيين على الشاب مالك السليمي أصيل حي الانطلاقة، ما سبب له أضراراً بدنية جسيمة، وآخرها مقتل الشاب محسن الزياني على يد أعوان الحرس الديواني وبالجرم المشهود في مشهد وحشي سيبقى وصمة عار تلاحق دولة البوليس، لينضم هذا الشاب إلى قائمة طويلة من ضحايا حاملي السلاح وقضاة قصور اللاعدالة".
وأشارت المنظمة إلى أنه تم كذلك "اقتحام منزل الصحافي والناشط السياسي، غسان بن خليفة، أمس الأربعاء، واعتقاله بصفة تعسفية، وفي خرق واضح للإجراءات ولحقه الإنساني في الدفاع عن نفسه بحضور محاميه، مع احترام قرينة البراءة، وحقه كذلك في المحاكمة العادلة بعيداً عن التشفي أو التدخل السياسي، ومحاولات السحل الإلكتروني من مساندي الرئيس (قيس سعيّد) وأنصاره".
وقال رئيس منظمة "أنا يقظ"، مهاب القروي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الحادثة ليست الأولى، إذ سبق أن حصلت حوادث مماثلة لها في 2018 في السيجومي، حيث قُتل شاب على يد الجمارك ولم تحصل محاسبة، بل أُفرِج عن الأعوان"، مبيناً أن "مختلف الحوادث تبين أن هناك إفلاتاً واضحاً من العقاب".
وتوقع القروي الإفراج عن الأعوان الذين احتُفِظ بهم في حادثة أمس، قائلاً: "المسألة تحولت إلى تجاوز يرد عليه بالقتل، سواء من قبل الجمارك أو الأمن، والضحية هي المواطن".
ولفت إلى أن "عديد الشباب هم ضحية العنف البوليسي، والخطير اليوم أن الحادثة وقعت في قلب العاصمة ولم تقع على الحدود، كما أنها سببت حالة من الرعب والذعر لدى المواطنين"، مؤكداً أن "التعامل لم يكن ناجحاً، لأن الادعاء أنه أُطلق 4 أعيرة نارية في الهواء وعلى عجلات السيارة غير صحيح، لأن الصور والفيديوهات تبين أن السائق أصيب وهو داخل السيارة، وأن الرصاص اخترق الزجاج".
وبيّن المتحدث ذاته أن "هذه الرواية تشبه بقية الروايات التي تقدمها الجمارك أو الأجهزة الأمنية، ولا يمكن تصديقها لعدة أسباب"، مضيفاً أن "هذا الأمر خلق عدم ثقة بين المواطنين والأمن، وهي روايات مضحكة وغير مقنعة". وقال إن هناك "شبه إجماع على أنه لن تقع المحاسبة ولا المساءلة الحقيقية، وستمر هذه الحادثة كغيرها من الحوادث، وسيضيع حق هؤلاء الشباب".
من جهته، اعتبر الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، أن ما حصل أمس "دليل على المخاطر التي تهدد السلم الأهلي في تونس التي تعيش على وقع أزمة استثنائية".
وقال الشابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "رئيس الجمهورية (قيس سعيّد) الذي يحتكر كل السلطات عاجز عن إيجاد حلول، والحادثة تكشف أنه لم يبق أمام السلطة سوى التعاطي الأمني مع مثل هذه الحالات، رغم أن الاقتصاد الموازي تحول إلى ظاهرة نتعايش معها، وهي ملاذ عديد التونسيين في ظل ارتفاع الأسعار".
وأوضح الشابي أن "هناك احتقاناً اجتماعياً واضحاً، واستعمال القوات للرصاص الحي أدى إلى مقتل شاب في مقتبل العمر يكشف أن الأزمة في تطور"، مؤكداً أنه "سبق لهم التحذير مما يقع".
وقال إن "السلطة تقف اليوم مكتوفة الأيدي وغير قادرة على مواجهة الأزمة، واهتمامها الوحيد الانكباب على السلطة واحتكارها دون الالتفات إلى الواقع الاقتصادي والاجتماعي"، مضيفاً أن "ما حصل أمس عنوان بارز لأزمة واضحة، وقد يتكرر".
وأعرب الشابي عن أمله "أن يأخذ القضاء مجراه، وأن تقع مساءلة مسبّب إطلاق النار لطمأنة الناس إلى أن دماءهم لا تذهب هدراً"، مضيفاً أنه يخشى أن "الاحتقان الذي بدأت بوادره تظهر في عدة أحياء، والذي يكشف عن حالة من القلق والتململ، قد يقود إلى انفجار الأوضاع، الذي لن تقدر عليه الدولة ولا الأحزاب ولا النقابات بسبب التأخر الكبير في حلّ الأزمة، ولكن السلطة لا تستمع لأحد".
من جانب آخر، حمّل حزب العمال في بيان له الرئيس التونسي وحكومته "مسؤولية هذه الجريمة وغيرها من الجرائم في حق الشباب في تينجة ودوار هيشر وحي التضامن والانطلاقة وكل جهات البلاد، مع التأكيد أن هذه الجرائم لن تسقط بالتقادم، ولا تحت أي عنوان كان".
بدورها، قالت "جبهة الخلاص الوطني" المعارضة في تونس إنها تتابع "بانشغال شديد لجوء السّلطة الحاكمة للعنف المؤدّي لسقوط ضحايا في ظروف غامضة".
وطالبت الجبهة، في بيان لها الخميس، بالكشف عن "الحقيقة كاملة حول ملابسات الواقعة وتسليط العقاب المناسب على من تثبت مسؤوليّته"، محملة المسؤولية لـ"سلطة الانقلاب على تصاعد العنف ضدّ المواطنين وتكريسها سياسة الإفلات من العقاب في مقابل توظيف الأجهزة الأمنية لملاحقة معارضيها وتلفيق قضايا كيديّة ضدّهم".
وحذّرت الجبهة من "مغبة انتهاج منحى العنف من قبل سلطة الأمر الواقع في مواجهة الحراك الشّعبيّ المتصاعد احتجاجا على غلاء المعيشة وتردّي الأوضاع الماديّة لقطاعات واسعة من الشّعب التّونسي".
كذلك، اعتبرت أنّ "إصرار رئيس الدّولة (قيس سعيّد) على التّفرّد بالقرار والاستئثار بجميع السّلط وعدم اهتمامه بمشاغل مواطنيه ومعاناتهم يحمّله المسؤوليّة الشّخصيّة عن التّبعات الكارثيّة لانسداد الأفق السّياسي في البلاد، والتردّي المتواصل للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية".