على خلفية توغّل قوات من الجيش الأردني أمس السبت في العمق السوري، واشتباكها مع بعض الأفراد الذين يُستخدمون في تهريب المخدرات وما سبقه من ضربات جوية على قرى جنوبي السويداء، أصدرت عشيرة الرمثان التي تقطن المنطقة بياناً يستنكر الضربات الجوية الأردنية التي أدت لمقتل أبرياء، وبث الرعب لدى سكان قرية الشعاب، وتدمير ثلاثة منازل، وإلحاق الأذى بمنازل أخرى، مناشدة قوات النظام السوري والأردني بعدم استهداف البيوت وترويع الأهالي والأطفال.
ونفت العشيرة في بيانها وجود مليشيات مسلّحة مرتبطة بالخارج ضمن صفوفها، مشيرة إلى أن مسألة تهريب المخدرات والسلاح خارج إرادة العشيرة، وأنه ليس من مسؤوليتها حماية الحدود التي تبلغ عشرات الكيلومترات، إنما تلتزم فقط بحماية حدود القرية التي تقطنها، أي قرية الشعاب، من أي جماعات خارج المنطقة، وذلك كمساندة لحرس الحدود.
وفي وقت سابق من نهاية العام الماضي، قام سلاح الجو الأردني بقصف منزل تاجر المخدرات مرعي الرمثان وقتله مع زوجته وخمسة من أطفاله. وفي ذلك الوقت، أصدرت العشيرة بياناً برّأت نفسها خلاله من كل من يرتبط بتجارة وتهريب المخدرات.
وفي حديث مع "العربي الجديد"، يقول أبو راضي، أحد أبناء العشيرة والذي فضّل عدم ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، إنه غالباً ما يُحمَّل أبناء العشائر أو أبناء القرى المحاذية للحدود مسؤولية التهريب، في تعامٍ واضح عن الفاعل والمسؤول الحقيقي.
ويشير إلى أن "حزب الله" اللبناني والفرقة الرابعة في الجيش السوري هما المسؤولان عن عمليات تهريب المخدرات والسلاح إلى الداخل الأردني، وبعض المتورطين من أبناء المنطقة ليسوا سوى أدوات وضحايا للفقر الذي أجبرهم على أن يمتهنوا التهريب. ويستطرد بالقول: "لا أبرر لهم، والخطأ خطأ، ولكن أليس الحري بالجيش الأردني وسلاح الطيران ضرب معاقل حزب الله والفرقة الرابعة في البادية وهما رأس الأفعى؟"، كما قال.
ويضيف: "حالة الذعر والرعب التي تعتري أطفالنا ونساءنا مع كل غارة لا يمكن وصفها، ليس عادلاً أن يدفع الأبرياء ثمناً لأطماع ومخططات هؤلاء".
وتابعت تقارير إخبارية وإعلامية كثيرة حدث التوغل أمس، ولكنها لم تذكر تفاصيل عن الأشخاص الذين ألقت قوات الجيش الأردني القبض عليهم، حتى إنها لم تكشف خلفياتهم، لتبقى التهمة ملصقة بأبناء المنطقة، في الوقت الذي كشفت فيه مصادر مطلعة عن أن "حزب الله" والفرقة الرابعة يجندان أفراداً من مختلف المناطق السورية، وليس فقط من أبناء عشائر السويداء.
وأشارت المصادر إلى أن الأفراد الذين تم إلقاء القبض عليهم، كان من بينهم أفراد من ريف دمشق، والحسكة، وعشائر درعا، والسويداء.
ويقول فارس المتني (اسم مستعار لأحد ابناء مدينة صلخد) لـ"العربي الجديد": "غبن كبير أن يغض النظر عن المجرم الحقيقي، في الوقت الذي تدمر منازل الأبرياء ويقتل أطفالهم، والغبن الأكبر أن تتهم منطقة أو عشيرة، وتؤخذ بجريرة فرد فاسد معروف ويعرف مشغلوه"، مضيفاً: "الاستقواء على الفقراء والأبرياء أصبح عنوان كل الأنظمة العربية، في الوقت الذي يشخص فيه المجرم الحقيقي أمامهم ويقدمون له فروض الاحترام".
ويشير المتني إلى أن محافظة السويداء بكلّ مكوناتها بين حضر وعشائر بدو عانت كالأردن من العصابات التي عاثت فساداً ونشرت المخدرات بين أبناء المحافظة، ليتم القضاء على أكبرها بثورة شعبية في منتصف عام 2022، الأمر الذي أرّق الجهات الأمنية و"حزب الله" الداعمين لهذه العصابات، ليرتكز دعمهم في النهاية على عصابة ناصر فيصل السعدي في صلخد، والذي ينشط في حماية المهربين بدعم لوجستي من "حزب الله".
ويرى المتني أن خلاص الأردن لا يأتي باستباحة القرى الحدودية السورية، وإيذاء مدنيين أبرياء، فيما يختبئ قادة عصابات التهريب في أماكن تابعة للجيش السوري و"حزب الله" في البادية، بينما تقصف منازل مدنيين لا علاقة لهم بالأمر، بل على سلاح الجو الأردني توجيه ضرباته إلى الفاعلين الحقيقيين في هذا الملف، إن كان يريد الحل، وإلا فإن عملياته لا تعدو أكثر من محاولات لاستجلاب المزيد من الأموال بحجة مكافحة المخدرات، وهو يحاول الإبقاء على حجة لاستجرار المزيد من الأموال الأممية، لذلك يبقي على الأصل ويحارب الفرع.
ويقول المتني إنه في ظل التخبط الحاصل في المنطقة، وبالعودة لتصريحات أردنية سابقة اتهمت خلالها الحكومة الأردنية النظام السوري بالمسؤولية المباشرة عن صناعة وتمويل تهريب المخدرات عبر الأردن، يُطرح السؤال نفسه: "هل سيبقى المدنيون في الجنوب سورية الهدف الخطأ للضربات الجوية للطيران الحربي الأردني؟ كما يطرح المواطنون في هذه المناطق تساؤلاً منطقياً مفاده ألا يُعتبر صمت النظام السوري عن هذه الضربات اتفاقاً رسمياً بين نظامي البلدين؟".
ويسأل: "كيف للأردن، في حال الاتفاق مع النظام السوري على ذلك، أن يوافق بوضع يده مع المجرم الحقيقي لضرب بلدات وقرى في الجنوب؟ ألا يُعتبر ذلك شيئاً يُثير الشبهات ويضع الحكومة الاردنية في شبهة إثارة حرب وهمية على تجار المخدرات لجباية أموال أمنية بحجة مكافحة المخدرات؟".
وأثبتت تقارير دولية ومحلية تورط النظام السوري وحلفائه من "حزب الله"، ومليشيات يحركها الحرس الثوري الإيراني، في صناعة وترويج وتجارة أصناف كثيرة من المخدرات، لا سيما مخدر "الكبتاغون" الذي أصبح علامة مسجلة باسم رئيس النظام السوري بشار الأسد، والذي يُدرّ له وللنظام أموالاً طائلة.