تشي تصريحات مسؤولين عسكريين أميركيين، بأن الشرق السوري ربما يشهد مواجهة بـ"الوكالة" بين موسكو وواشنطن التي تتحدث عن "عدائية متزايدة" من الجانب الروسي الذي تحرّشت طائراته في الآونة الأخيرة بالطيران الأميركي الحربي في سماء سورية، في خطوة اعتبرتها واشنطن "سلوكاً متهوراً".
ونقلت وكالة "أسوشييتد برس"، أول من أمس السبت، عن "مسؤول دفاعي أميركي كبير" قوله إنّ بلاده "تدرس عدداً من الخيارات العسكرية للتعامل مع العدائية الروسية المتزايدة"، في سماء سورية منذ مارس/ آذار الماضي. ولم يخض المسؤول الأميركي في تفاصيل هذه الخيارات، بيد أنه أكد أن واشنطن لن تتنازل عن الأراضي التي تعمل فيها في شرق وشمال شرقي سورية وأنها ستواصل التحليق في الجزء الغربي من سورية لأداء مهمات ضد تنظيم "داعش".
وتحدث المسؤول الأميركي عن "تنامي" التعاون والتنسيق بين موسكو وطهران والنظام السوري لمحاولة الضغط على الولايات المتحدة للمغادرة. وأضاف أن بلاده لمست مزيداً من التعاون والتخطيط وتبادل المعلومات الاستخبارية، بين الروس وقادة "فيلق القدس" الإيراني في سورية، للضغط على الولايات المتحدة للانسحاب من هناك، حيث يوجد نحو 900 جندي أميركي في البلاد.
وتصاعد التوتر بين الروس والأميركيين في السماء السورية خلال شهر يوليو/ تموز الحالي، حيث حلّقت أكثر من مرة طائرات مقاتلة روسية، بالقرب من مسيّرات أميركية عدة، وهو ما اعتبرته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) "سلوكاً متهوراً"، داعية القوات الروسية إلى "الالتزام بمعايير السلوك المتوقعة من قوة جوية محترفة، حتى نتمكن من استئناف تركيزنا على الهزيمة الدائمة لداعش"، وفق بيان لها.
تحشيد عسكري في دير الزور
في الأثناء، تواصل جميع الأطراف حشد قوات في ريف دير الزور الشرقي، وهو المسرح المتوقع لأي صدام عسكري محتمل، حيث يستقدم "التحالف الدولي"، بقيادة الولايات المتحدة، تعزيزات من العراق إلى قاعدتي حقلي "العمر" للنفط، و"كونيكو" للغاز. بينما يواصل الروس والإيرانيون حشد مليشيات طائفية ومحلية تتبع لهم إلى خطوط التماس مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، ذراع "التحالف الدولي" العسكرية البرّية، والتي نقلت هي الأخرى وحدات قتالية إلى ريف دير الزور، شمال نهر الفرات.
ونقلت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام السوري، أمس الأحد، عن متزعم لمليشيا عشائرية في دير الزور أنه "في حال كسر قواعد الاشتباك، فالأمور ستكون مفتوحة".
تواصل جميع الأطراف حشد قوات في ريف دير الزور الشرقي
وتنتشر في ريف دير الزور الشرقي جنوب نهر الفرات مليشيات طائفية إيرانية، وأخرى محلية، مرتبطة بالروس والإيرانيين، وتتحرك وفق أوامرهم. ولم يسبق أن دخل الروس والأميركيون في مواجهات مباشرة أو غير مباشرة في سورية، سواء غربي الفرات أو شرقه، ما خلا احتكاكات بين دوريات في ريف الحسكة. غير أن التطورات المتلاحقة في الشرق السوري تشي بأن الأوضاع ربما تنزلق الى صدام بـ"الوكالة" بين "قسد" من جهة ومليشيات إيرانية ومحلية من جهة أخرى.
ويفصل نهر الفرات بين المناطق الخاضعة للنفوذ الأميركي في شماله، أو ما بات يُعرف اصطلاحاً بمنطقة "شرق الفرات"، وتلك الخاضعة للنفوذين الروسي والإيراني في محافظة دير الزور، جنوب النهر، في أقصى الشرق السوري. وسبق للمليشيات الإيرانية أن استهدفت القوات الأميركية في قاعدتي العمر وكونيكو، ما أدى في مارس الماضي إلى مقتل متعهد أميركي بعدما قصفت طائرة مسيّرة يشتبه بأنها تابعة لمليشيا موالية لإيران، منشأة تأوي موظفين أميركيين في شمال شرق سورية، ما استدعى رداً عسكرياً أميركياً محدوداً.
حوراني: روسيا تأخذ تبدل الموقف التركي بعين الاعتبار
وبدأ التدخل الأميركي العسكري في سورية في عام 2014 مع بدء الحرب ضد "داعش"، في حين شرع الروس في تدخلهم العسكري المباشر إلى جانب النظام أواخر سبتمبر/أيلول 2015. ويتركز الحضور العسكري الأميركي في سورية في منطقة شرقي نهر الفرات، وخصوصاً في محافظتي دير الزور والحسكة، وهناك العديد من القواعد التابعة لـ"التحالف الدولي"، فضلاً عن قاعدة التنف في المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني، وهي أبرز القواعد الغربية في سورية. بينما ينتشر الروس في غربي البلاد، حيث قاعدة حميميم على الساحل، وفي أقصى الشمال الشرقي من سورية، حيث قاعدة مطار القامشلي، إضافة إلى وجودهم في العديد من المناطق السورية الخاضعة للنظام. وحرص الجانبان طيلة أكثر من 8 سنوات على تجنّب أي صدام مباشر يمكن أن يتطور إلى مواجهة عسكرية.
استبعاد المواجهة المباشرة
وأشار المحلل العسكري في مركز "جسور" للدراسات رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن القوات الروسية "أجرت أخيراً تدريبات في ريف حلب الشرقي"، مضيفاً أن "هناك تعزيزات من قوات النظام والمليشيات الإيرانية في دير الزور". لكنه رأى أن "كل ذلك لا يُقارن من حيث الكمّ والنوع مع التجهيزات العسكرية الأميركية، سواء للقوات والقواعد أو لحلفائها المحليين ("جيش سورية الحرّة" و"قسد").
وبرأي حوراني، فإن "تبدل الموقف السياسي لتركيا في قمة حلف شمال الأطلسي التي انعقدت أخيراً في ليتوانيا، وعدم الاهتمام الجدّي من قبل أنقرة بمسألة التطبيع مع النظام برعاية روسية، هي أمور تأخذها روسيا بعين الاعتبار"، مضيفاً أن "الموقف العام في سورية ليس لصالح موسكو، لذا تحاول من باب البروباغندا (الدعاية) مجاراة التجهيزات العسكرية الأميركية في سورية الموجهة ضدها".
واستبعد حوراني حدوث مواجهة مباشرة بين الطرفين الأميركي والروسي في سورية، أو بالوكالة، مضيفاً أنه "إذا وصلت الأمور بإرادة أميركية إلى حد المواجهة فستميل روسيا لإرضاء الولايات المتحدة، والتراجع عن خطواتها ضدها في سورية، خصوصاً أن موقف الروس العسكري في أوكرانيا مضطرب"، بحسب اعتقاده.
بدوره، رجّح الباحث السياسي محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد"، ألا يتحول التصعيد بين الروس والأميركيين إلى "مواجهات واسعة النطاق"، بل "سيبقى في معدل المناوشات الخفيفة التي نشهدها حالياً". أما في حال اتساع هذه المناوشات، فإن الكفة تميل برأيه لصالح الولايات المتحدة والتحالف الدولي، نظراً للفوارق التقنية العسكرية"، مضيفاً أنه "إذا تمكن الروس والإيرانيون من قتل جنود أميركيين في سورية (وهو ما يراه مستبعداً جداً)، سيشكل ذلك إحراجاً للولايات المتحدة والإدارة الأميركية الحالية المقبلة على انتخابات".