بعد كلّ صراع ينشب بين فصائل "الجيش الوطني" السوري المدعوم من تركيا، تعلو الأصوات المطالبة بتوحيد هذا الجيش ومأسسته بشكل يؤمّن انضباط عناصره، وحتى قياداته التي أصبح لبعضها مصالح خاصة تنفذها من خلال الفصائل التي تتبع لها.
وتبدو المبادرة الأخيرة التي طُرحت أمس الأول الجمعة، لتشكيل مجلس قيادة موحّد لهذا الجيش، واحدة من ردات الفعل على الصراعات الداخلية التي عصفت بهذا الجيش أخيراً، والتي استدعى أحدها تدخّلاً عسكرياً من "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً)، ومحاولتها السيطرة على مناطق تقع تحت سيطرة هذا الجيش. كما أن التقارب التركي مع النظام، ربما أدى إلى استشعار خطر هذا التحوّل، وضرورة تماسك هذا الجيش في المرحلة المقبلة.
ولكن على الرغم من طرح المبادرة بنوداً من شأنها معالجة معظم أسباب الصراعات بين فصائل "الجيش الوطني"، وفي مقدمتها الصراع على المعابر، فإن تلك المبادرة إذا ما طُبقت فمن المتوقع أن يكون مصيرها كالمبادرات السابقة التي طُرحت تحت شعار توحيد "الجيش الوطني" وعمليات اندماج تحت أسماء فيالق وغرف عمليات مشتركة، وكلها بقيت حبراً على ورق.
تلك المحاولات لم تنجح في وقف الصراعات بين فصائل هذا الجيش، أو الحد من حالة الفلتان الأمني التي تشهدها مناطق سيطرته، والتي غالباً ما يتسبّب بها إما عناصره الذين ينحصر ولاؤهم بقائد الفصيل التابعين له، أو قادة الفصائل أنفسهم من خلال عمليات فساد تحقيقاً لأهداف شخصية وخاصة، قد تؤدي إلى صدامات مسلحة بسبب عمليات تهريب بين مناطق الصراع المختلفة، أو من خلال ترويج وإنتاج مواد مخدرة.
هذا الأمر يجعل من كل محاولات توحيد "الجيش الوطني"، حتى لو كانت نابعة من نوايا صادقة، غير مجدية ما لم تُطرح عملية مأسسة حقيقية لهذا الجيش من خلال عملية دمج حقيقية لعناصره الذين يجري فرزهم ضمن مجموعات وكتائب وألوية وفرق، كل بحسب اختصاصه وليس بحسب ولائه.
وهذا يتطلب بالدرجة الأولى تنازلاً من قادة فصائل الجيش، والقبول بالخضوع للقوانين التي تصدر عن تلك المؤسسة التي تديرها وزارة دفاع فعلية، وليس مجرد وزارة لا تمتلك تنفيذ مخرجات أي من قراراتها، حتى بالنسبة لعنصر في فصيل عسكري. لكن هذه الإرادة لمأسسة "الجيش الوطني" لم تتوافر حتى الآن لدى قادة فصائله الذين ما زالوا يفضّلون مصالحهم الشخصية على المصلحة الوطنية.