مع شعار "أميركا أولاً"، في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بدا حلف شمال الأطلسي (الناتو)، على وشك التفكك. ومنذ نهاية 2021، مع الحشود الروسية على حدود أوكرانيا، استعاد الحلف حيويته في أوروبا. بل إنه مع الغزو الروسي لأوكرانيا تحول إلى "رأس حربة" في مواجهته، من دون إغفال أن العين الأميركية على الصين.
عليه، يعتبر بعض الأوروبيين اليوم أن انضمام فنلندا إلى "الناتو"، بانتظار حسم المجر وتركيا لعضوية السويد، بمثابة هدية استراتيجية في الذكرى الـ74 لتأسيس الحلف. فالمحتفون بالعضوية، بحكم ما يضيفه من إشغال لروسيا على طول جبهة متقدمة بـ1340 كيلومتراً مع فنلندا، وبالأخص مع هبوب رياح حرب باردة جديدة، يراهنون على أن اسكندنافيا ستكون محمية بمظلة "الأطلسي" الجماعية، وهو ما أكده الرئيس الأميركي جو بايدن خلال ترحيبه بهلسنكي، التي تتسلح الآن بطائرات "أف35".
وانحسار رقعة معارضي الانضمام إلى الأطلسي، إن في شارعي السويد وفنلندا، أو دول مرشحة في البلقان، إلى جانب رغبة جورجيا بالعضوية، ليست بالأخبار السارة لساسة الكرملين، المحتجين على استعلائية غربية، مع شكواهم الدائمة من انتهاك تعهدات سابقة (تسعينيات القرن الماضي) بعدم توسيع الأطلسي شرقاً.
بالطبع لا أحد يتوقع حشد الروس لحرب ضد فنلندا والسويد، لكن التكلفة تتوسع بتوسع الجبهات. وحتى مع تلويح موسكو بنشر أسلحة نووية في بيلاروسيا فإن الغربيين لا يبدون خوفاً كبيراً.
يبرر بعضهم ذلك باعتبار جيب كالينينغراد الروسي على بحر البلطيق يضم صواريخ إسكندر القادرة على حمل رؤوس نووية. أضف إلى ذلك أن السلاح النووي الأميركي منتشر فوق أراضٍ أوروبية مختلفة (بما فيها ألمانيا وتركيا)، ولم يُسحب مع انتهاء الحرب الباردة.
المقلق أكثر لروسيا، وبعض أنصارها في الغرب، أن "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا، وبتصريحات متخصصين غربيين، تحوّلت عملياً إلى استنزاف مكلف جداً، على الرغم من بعض مكابرة في موسكو. أضف إليه تطويق جهود الأطلسي لروسيا من الشمال إلى الجنوب. وكل ذلك، وغيره كثير، يجري باستخدام لغة ناعمة من الأمين العام لحلف الأطلسي ينس ستولتنبيرغ عن أنه "حلف دفاعي فقط".
إذاً، يبدو المشهد مكلفاً للطرفين. لكنه على مستوى الغرب أقل تكلفة من مواجهة مباشرة مع روسيا. ويعتبر بعضهم أن ما يدفعونه في أوكرانيا، سواء كان أموالاً أو عتاداً، مع التبشير بحرب طويلة فيها، مجرد تفاصيل على رقعة إرباك الروس، وتقديم أمثلة غربية على ما يمكن تنفيذه تحت مظلة الأطلسي، وبأبعد من روسيا.