استبعدت مصادر سياسية ودبلوماسية خاصة، مصرية وغربية، حدوث أي تصعيد (ترقية) يقضي بتولي القيادي بجهاز المخابرات العامة، محمود السيسي، نجل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لأي مناصب سياسية خارج إطار عمله الحالي، على الرغم من إثارة هذا الموضوع في دوائر غربية لاحظت وجوده في عدد من الملفات المصرية شديدة الأهمية خلال الأشهر القليلة الماضية.
ورجحت المصادر في أحاديث خاصة مع "العربي الجديد"، أن يقتصر أي تصعيد لمحمود السيسي، في حال حدوثه، على مجال عمله الحالي، وذلك لأسباب عدة، في مقدمتها أن الرئيس نفسه، يخشى من تكرار سيناريو الحديث عن توريث المناصب، الذي يعتبره شخصياً من أهم أسباب إطاحة الرئيس المخلوع الراحل محمد حسني مبارك، وعدم حماس المؤسسة العسكرية للدفاع عن مبارك، منذ إرهاصات ثورة 25 يناير 2011.
وأشارت المصادر نفسها، إلى أن ثقة الرئيس السيسي بإدارة نجله لبعض الملفات، ترجع بالأساس إلى فكرة ثقته في تطابق مواقف الأجهزة الاستخباراتية مع رؤيته الشخصية في الملفات التي تشهد حضوراً بارزاً لمحمود السيسي في إدارتها.
توسع نفوذ محمود السيسي بشكل لا يتماشى مع أقدميته ورتبته داخل جهاز المخابرات العامة
ملفات يشرف عليها محمود السيسي
وعاد الجدل مجدداً حول الأدوار التي يقوم بها العميد محمود السيسي، بسبب ما وصفته مصادر خاصة بتوسع نفوذه بشكل لا يتماشى مع أقدميته ورتبته داخل جهاز المخابرات العامة، ما أدى لحالة تململ بين عدد من قدامى قيادات الجهاز المسؤولين عن عدد من الملفات الخارجية، التي بات نجل الرئيس ضيفاً دائماً على الاجتماعات الدورية الخاصة بها، على الرغم من عدم علاقة عمله بها، وعدم وجود إضافة حقيقية لمشاركته ووجوده وإطلاعه على هذه الملفات الحساسة.
ووفقاً للمصادر، فإن نجل الرئيس بات يحضر بشكل دائم الاجتماعات الخاصة بإدارة الأزمة السودانية التي تشهد تطورات متلاحقة بسرعة متزايدة، وملف قضية سد النهضة، أهم الملفات التي يواجه فيها النظام الحالي أزمة مستمرة لا تبدو فيها فرصة لحلول حاسمة وسريعة. بالإضافة إلى ملف القضية الفلسطينية، الذي يشارك في إدارته، إلى جانب إشرافه على ملف العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وعادت الأدوار التي بات يلعبها السيسي الابن، مجدداً لتدفع به إلى مقدمة المشهد داخل الجهاز السيادي الذي يعد المشرف الرئيسي على كافة الملفات ذات الحساسية العالية للنظام السياسي في مصر، ويعتبر بمثابة عين الرئيس على كافة مكونات وقطاعات الدولة المصرية، خاصة منذ أن انتقل اللواء عباس كامل مدير مكتب الرئيس السابق، ليتولى رئاسة الجهاز.
إذ حاول كامل إعادة هيكلة الجهاز، وإقصاء من كانوا يعرفون سابقاً بـ"تيار مبارك"، والذين انتقل ولاؤهم في فترة لاحقة للمرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق قبل أن يتم تغييبه تماماً من المشهد في أعقاب إطاحة رئيس الجهاز السابق اللواء خالد فوزي عام 2017.
وحسب المصادر، فإنه بالإضافة إلى الملفات الخارجية، يتولى السيسي الابن، الإشراف المباشر على ملف الإعلام المصري، بعد أن كان قد جرى الحديث عن تحجيم صلاحياته، حينما صدر قرار بندبه للسفارة المصرية في روسيا كملحق عسكري، قبل أن يتم إلغاء القرار، ويعود للجهاز الأمني في حالة كمون تام، لم تدم لفترة طويلة.
وأضافت المصادر أن محمود السيسي عاد كذلك للإشراف المباشر على ملف الأحزاب والقوى السياسية المصرية، وبات منخرطاً بشكل مباشر في الاجتماعات الخاصة بهذا الملف داخل الجهاز، من دون أن يظهر في المشهد كما كان في السابق لعدم لفت الأنظار إليه مجدداً.
وتابعت المصادر أن "التغيّر الذي حدث على صعيد نشاط السيسي الابن، سواء في ما يتعلق بملف الإعلام أو ملف الأحزاب والقوى السياسية، هو أنه لم يعد يظهر أو يجتمع بإعلاميين أو شخصيات سياسية، ويكتفي بإدارة الملفين في الخفاء".
عاد محمود السيسي للإشراف على ملفي الإعلام والأحزاب والقوى السياسية
دور لحسن عبد الفتاح السيسي
وأوضحت المصادر أن ما يزيد من حالة التململ بين قدامى العاملين بجهاز المخابرات العامة، هو الدور الذي يلعبه الابن الأصغر للرئيس، حسن عبد الفتاح السيسي، الذي بات فعلياً، بحسب تعبير المصادر نفسها، المشرف الرئيسي على ملف الطاقة، داخل الجهاز نفسه، وذلك على الرغم من عدم امتلاكه أياً من الخبرات التي تؤهله للقيام بمهام هذا الملف. فهو بالأساس خريج كلية لغات وترجمة، ولم يكن خريج إحدى الكليات العسكرية، أو كليات الهندسة ذات التخصص القريب من الملف الذي يشرف عليه، وكذلك لم يكن خريج كلية علوم سياسية.
منافسة وتباينات داخل جهاز المخابرات العامة
ورجحت المصادر أن تكون عودة ظاهرة مقاطع الفيديو التي تُنشر من قبل أشخاص مجهولين تهاجم النظام السياسي والأجهزة السيادية في مصر، كما فعل في السابق المقاول والممثل محمد علي عام 2019، نتاجا للمنافسة والتباينات بين الأجنحة داخل الجهاز.
وأشارت المصادر إلى تداول عدد من مقاطع الفيديو أخيراً لإحدى السيدات التي تعيش في كندا، تزعم فيها أنها كانت متزوجة من إحدى الشخصيات النافذة وتعرضها للتنكيل في فترة سابقة داخل جهاز المخابرات العامة، وامتلاكها صوراً ومقاطع فيديو تدين شخصيات هامة في الدولة، بينهم نجل الرئيس، بفضائح فساد.
ولفتت المصادر إلى أن مثل تلك الأفعال والتحركات، عادة ما تكون نتاج حالات غضب داخل الأجهزة السيادية المختلفة، ومؤشراً على حالات تململ داخلها.
وفي أواخر عام 2019، أثار توسّع أدوار محمود السيسي وظهوره المباشر في المشهد السياسي بتشعباته الداخلية، واجتماعه مع رؤساء الأحزاب وممثلي القوى السياسية التي تعمل ضمن منظومة النظام الحالي، وقيادته اجتماعات تشكيل مجلس النواب، أزمة سياسية وحالة غضب داخل الأجهزة.
وقد جرى عقب ذلك الترويج لما كشفته تقارير صحافية، عن صدور قرار بندبه كملحق عسكري إلى سفارة مصر بروسيا، وكذلك ندب مساعده المقدم أحمد شعبان إلى سفارة مصر باليونان.
وكانت مصادر كشفت في وقت سابق أن وفداً بقيادة نجل الرئيس السيسي، زار تل أبيب مع اندلاع المواجهات في ساحات المسجد الأقصى بالقدس المحتلة، في محاولة لمنع التصعيد وانزلاق الأوضاع إلى مواجهة عسكرية جديدة بين الفصائل الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي.
وأشارت المصادر إلى أن تلك الجهود جاءت بحكم تولي محمود السيسي رئاسة ملف العلاقات بين مصر ودولة الاحتلال الإسرائيلي.