تعمق الجدل حول التعديل الوزاري الأخير الذي أدخله رئيس الحكومة التونسية، هشام المشيشي، على حكومته، وشمل 11 حقيبة وزارية، مع اقتراب موعد جلسة المصادقة على تركيبتها، وتصاعد هواجس المساندين للحكومة جراء وصم عدد من الوزراء بشبهات فساد قبل نيلهم الثقة، فيما وجهت المعارضة وابلاً من الانتقادات حول ملامح التعديل وأهدافه.
ووجه رئيس الحكومة هشام المشيشي طلب إجراء التعديل إلى رئيس البرلمان راشد الغنوشي لينهي بذلك خلافاً قانونياً ودستورياً حول أحقيته في إجراء التعديل دون عرضه على الجلسة العامة.
وتقرر عقد اجتماع مكتب البرلمان يوم غدٍ الأربعاء ليحدد موعد الجلسة التي لن تتجاوز الثلاثاء المقبل بحسب القانون الداخلي، فيما رجحت مصادر برلمانية إمكانية عقدها يوم الجمعة أو السبت بعد إقرار التدابير الاستثنائية لضمان استمرارية العمل خلال فترة وباء كورونا.
وتعمق الجدل بين الأحزاب والكتل البرلمانية بعد تداول شبهات فساد وتضارب مصالح تعمق الجدل بين الأحزاب والكتل البرلمانية بعد تداول شبهات فساد في التعديل الوزاري، إذ أصدرت منظمة "أنا يقظ" ومنظمات أخرى تقارير تنبه من تعيين كل من وزير الصناعة المقترح، سفيان بن تونس، عضو حزب قلب تونس، ووزير التشغيل المقترح يوسف فنيش، كما طاولت الانتقادات وزير العدل المقترح يوسف الزواغي الذي كان يشغل وظيفة مدير عام الديوانة (الجمارك) التونسية.
ويبدو أن ضغط المجتمع المدني والمعارضة عزز موقف نواب من داخل كتلة "النهضة" ممن اعترضوا بدورهم على منح الثقة لبعض الوزراء الجدد على خلفية وجود شبهات .
ودعت القيادية والنائبة عن حزب "النهضة" يمينة الزغلامي إلى"مساءلة حكومة هشام المشيشي حول الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية قبل التعديل الوزاري، داعية أيضاً في ذات السياق، البرلمانيين، إلى التخلي عن المعارك والتجاذبات نهائيا".
وأكدت الزغلامي، في تعليق لـ"العربي الجديد"، "عدم التصويت على التعديل الحكومي المقترح من رئيس الحكومة هشام المشيشي، في صورة عدم تخلّيه عن الوزراء المقترحين الذين تحوم حولهم شبهات فساد أو تضارب مصالح".
وطالبت الزغلامي، المشيشي، بعدم إحالة هذه الأسماء على الجلسة العامة للتصويت على منحها الثقة، محملة المسؤولية في ذلك للأحزاب الداعمة للحكومة (بما فيها حزب النهضة)، قائلةً "المشيشي لا يتحمّل مسؤولية اختيار هؤلاء الوزراء وإنما الأحزاب التي اقترحتهم هي من تتحمل المسؤولية كاملة"، على حد تعبيرها.
سمير ديلو: سنطلب من رئيس الحكومة إبعاد اثنين أو ثلاثة وزراء مقترحين إذا كانت الشبهات حولهم جدية
وفي السياق نفسه، قال الوزير الأسبق والنائب عن "النهضة" سمير ديلو، في تصريحات صحافية "سنطلب من رئيس الحكومة إبعاد اثنين أو ثلاثة وزراء مقترحين إذا كانت الشبهات حولهم جدية".
ويرى مراقبون أن موقف كتلة "النهضة"، وإن كان منسجماً عموما مع الموقف الرئيسي لمجلس الشورى، الذي بارك التعديل الحكومي ودعا للمصادقة عليه، إلا أنه يختلف في تفاصيله من خلال رفض جزء من التعديل بالدفع لتغيير ثلاثة وزراء رفعت المنظمات غير الحكومية حولهم اعتراضات بسبب شبهات تضارب مصالح وفساد قبل المرور للجلسة مما يفسر هواجس ومخاوف عدد من أعضاء الكتلة من هذه الشبهات، خصوصاً بعد تمسكهم بإزاحة رئيس الحكومة السابق إلياس الفخفاخ للأسباب نفسها.
"تحيا تونس" ستمتنع عن التصويت على الأسماء المقترحة المتعلقة بها قرائن انتماء وشبهات تضارب مصالح
وقالت كتلة حركة "تحيا تونس"، في بيان رسمي، إنها "ستمتنع عن التصويت على الأسماء المقترحة المتعلقة بها قرائن انتماء وشبهات تضارب مصالح "، مؤكدة أن هذا القرار جاء "باعتبارها جزءاً من الحزام السياسي والتزاما بقرار مجلسها الوطني الداعم لحكومة غير سياسية".
ولم تخفِ كتل المعارضة الكبرى، "الكتلة الديمقراطية" (38 نائباً) وكتلة "الدستوري الحر" (16 نائباً) موقفها الرافض للحكومة وتصويتها ضدها، غير أن تصريحات قيادييها ركزت اهتمامها على مواطن الضعف في التعديل الحكومي، منتقدة استقلاليتها بسبب انتماء أحد الوزراء الجدد إلى حزب "قلب تونس "، كما انتقدوا بشدة استهداف الوزراء الموالين لرئيس الجمهورية دون غيرهم.
واعتبر القيادي والنائب عن "الكتلة الديمقراطية"، هشام العجبوني، في تصريح صحافي، أن هذا التعديل جاء في إطار صفقة أُبرمت بين المشيشي وحزب "قلب تونس" وحزب "النهضة"، قبل منح حكومته الثقة، والتي حتمت ضرورة القيام بتحوير وزاري يخص الحقائب التي تُحسب على رئيس الجمهورية. وأضاف أن التعديل جاء دون تقييم للعمل الحكومي الذي كان من المفروض القيام به خلال جلسة عامة بالبرلمان يوم 18 ديسمبر/كانون الثاني إثر مرور 100 يوم على توليه المنصب.
وأشار المتحدث إلى أن المشيشي أجرى التعديل الوزاري دون أن يطلعهم على البرامج الجديدة والرؤى الحكومية، استباقاً للحوار الاقتصادي والاجتماعي، الذي كان من الأجدر أن يكون منطلق التعديل.
ويحتاج تمرير التعديل الحكومي موافقة الأغلبية المطلقة لأعضاء البرلمان، وهو ما يعد ممكناً حسابيا بالعودة إلى الحزام البرلماني للحكومة الذي يتكون من حزب "النهضة" (54 عضوا) وقلب تونس (29 عضوا) وكتلة الإصلاح (16 عضوا) وكتلة "تحيا تونس" (10 نواب) والكتلة الوطنية (9 نواب)، وهو ما يعني تصويت 118 صوتاً في وقت يتطلب التصويت 109 أصوات فقط، دون اعتبارات لإمكانية مراجعة كتلة ائتلاف الكرامة (18 نائباً) لموقفها بالتصويت أيضا للتحوير الحكومي وأيضاً بالنظر إلى عدد من المستقلين وغير المنتمين لكتل والذين يقدر عددهم بـ(10 نواب) يساندون الحكومة.
في مقابل ذلك، يبلغ حجم المعارضة ثلث البرلمان تقريباً، غير أن تركيبة المعارضة غير متجانسة بسبب الخلاف الأيديولوجي العميق والاختلافات السياسية بينها، ما يُصعب التنسيق المباشر والعلني بين الكتلة "الديمقراطية" و"الدستوري الحر" حول أي موقف.
ويُرجَح أن تكون جلسة التعديل الوزاري حامية الوطيس، إذ يُتوقع مساءلة الحكومة بشدة حول الهزات الاجتماعية والصعوبات الاقتصادية وضعف إدارة الأزمة الصحية والتي يحمل فيها البرلمانيون السلطة التنفيذية كامل المسؤولية. وأقرت الجلسة العامة المنعقدة اليوم الثلاثاء إضافة بند يتعلق بالاحتجاجات التي تشهدها البلاد حاليا والتعاطي الحكومي معها.