أثار إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد عن هيئة الجمهورية الجديدة، برئاسة أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد، ورئيس اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية، عميد المحامين إبراهيم بودربالة؛ عدة انتقادات، خاصة أن سعيد استبعد الأحزاب ومكونات المجتمع المدني.
وبحسب الجريدة الرسمية؛ فقد تم تكوين ثلاث لجان، لجنة الحوار الوطني ولجنة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية ولجنة الشؤون القانونية.
وأصدرت حركة النهضة التونسية بياناً، اعتبرت فيه هذا الإجراء "خروجاً تاماً عن الشرعية الدستورية وتكريساً لانقلاب 25 يوليو2021 ولمنهج الانفراد بالحكم وتجميع السلطات والقطع مع مكاسب الجمهورية والثورة وأولويات الشعب الاقتصادية والاجتماعية".
ونددت "بالإصرار على فرض مشروع البناء القاعدي الهلامي واعتماد الاستشارة الوطنية الفاشلة التي قاطعها 95 بالمائة من الشعب التونسي على الأقل والإيهام بإجراء حوار فاقد لكافة مقومات النجاح باعتباره قائما على إقصاء الأحزاب والمنظمات الوطنية ومعلوم النتائج والمخرجات".
وأضافت: "ما يسمى بالاستفتاء المزمع تنظيمه فاقد للشرعية وللمصداقية خاصة مع استبدال الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الشرعية بهيئة معينة وخاضعة لمن عينها".
من جهتها، دعت تنسيقية الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية في تونس (تضم أحزاب الجمهوري والتيار الديمقراطي والتكتل من أجل العمل والحريات)، كل الأطراف الوطنية، وخاصة المنظمات الوطنية، إلى "رفض المشاركة في ما يسمى بلجنة الحوار"، وحمّلت "كل من يقبل الانخراط في مسار الانقلاب مسؤولياته القانونية المترتبة عن المشاركة في قلب هيئات الدولة".
وناشدت التنسيقية "كل القوى الحية المتشبثة بالمسار الديمقراطي، من أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات وطنية، التصدي لهذه المهزلة وإسقاط مسار الانقلاب على الدستور".
وقال بيان للتنسيقية، اليوم السبت، إنه إثر "صدور المرسوم المحدث لما يسمى اللجنة الاستشارية لإعداد الجمهورية الجديدة، والذي يؤكد مرة أخرى رفض رئيس السلطة القائمة المنقلب على الدستور لأي حوار، وتماديه في محاولة يائسة لفرض خياراته الاستبدادية؛ فإن التنسيقية تعلن شجبها ورفضها لهذا الأمر، ولكل التوجه الذي يريد رئيس سلطة الأمر الواقع دفع البلاد من خلاله نحو مسار يقزم المجتمع، ويلغي دور الأحزاب السياسية، ويهمش منظمات المجتمع المدني، ويجعلها شاهدة زور على صياغة دستور كتب في الغرف المغلقة بناء على استشارة إلكترونية فاشلة لم تعلن حتى نتائجها للرأي العام".
وأكد الأمين العام لـ"الحزب الجمهوري" عصام الشابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "سعيّد ماضٍ في مشروع الحكم الفردي، وكون لجنة من الراغبين في إعداد جمهورية جديدة، ولدت ميتة منذ اليوم الأول".
وتابع أن "رئيس الجمهورية لا يعترف ولا يؤمن بالحوار إلا في لجنة لإعداد لدستور جديد وعند إعداد استشارة إلكترونية فاشلة"، مضيفاً أن "ما حصل فشل جديد يتكبده مشروع سعيد"، مؤكداً أن "أغلب المنظمات الوطنية لن تقبل بالمشاركة في مثل هذا الحوار، كما أن أغلب المؤشرات الأولية تبرز أن الاتحاد العام التونسي للشغل رافض المشاركة، وبالتالي تمت تسمية رؤساء اللجان وكأنهم عمد ومحافظون دون الالتقاء بالمنظمات الوطنية وإقصاء الأحزاب والكفاءات الوطنية"، مشيراً إلى أنه "يبدو من الواضح أن سعيد في عزلة خانقة ولم يجد من يشاركه في الحوار وهذا النهج مرفوض".
وقال القيادي في "التيار الديمقراطي"، نبيل حجي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الرئيس "قرر أن السياسيين والأحزاب لا دور لهم، ولا علاقة لهم بالشأن العام ولا ببلادهم"، مبيناً أن "الشعب إن رضي بالمهزلة التي حصلت وتحصل فهنيئاً له هذه اللجان والجمهورية الجديدة".
وأوضح حجي أن "عميد محامين على رأس لجنة اقتصادية وبالتالي يمكن تخيل حجم المهزلة"، مؤكداً أنه "من الواضح أن الرئيس اختار وضع أصدقائه، وبالتالي هي لجنة الرئيس، والدستور سيكتبه الرئيس بعد أن عيّن هيئة الانتخابات".
وأكد القيادي في "حركة الشعب"، سالم لبيض، أن "من المفارقات أن العميد المخضرم المتقاعد الصادق بلعيد الذي ناصف العقد التاسع من عمره، المعيّن من الرئيس قيّس سعيد منسقاً للهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة، عرض نفسه سنة 2011 على الشعب التونسي، وترأّس "قائمة الوفاء" في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، لكنه فشل في نيل ثقته، وسقطت قائمته التي لم تحصل إلا على 4391 صوتاً"، مبيناً في تدوينة له على "فيسبوك": "أننا نجده اليوم يقود الإصلاحات السياسية، ويكتب لنا الدستور التونسي الجديد باسم الشعب نفسه الذي لفظه سابقاً".
ولفت لبيض إلى أن "من المفارقات أيضاً أن الرئيس سعيّد قرّر وهو في كامل وعيه، أن يقصي من الحوار الوطني والإصلاحات السياسية المرتقبة، أحزاب الموالاة الداعمة لواقعة 25 يوليو/ تموز 2021 ومسارها قبل إقصاء الأحزاب المعارضة لمشروعه، مبينا أن ممارسة السلطة والحكم من حقّ الرئيس وحده"، وشدد على أنه "لا وجود اليوم لمنطقة وسطى بالنسبة للأحزاب السياسية الحقيقية، فإما المعارضة أو الموت الرحيم والاندثار غير مأسوف عليها".
ويرى نائب رئيس المكتب السياسي لـ"حركة النهضة"، بلقاسم حسن، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "هذه التعيينات لم تفاجئه لأن سعيد يتقدم في برنامجه الذي أعلن عنه، وقد أوقف العمل بالدستور وحل المؤسسات الدستورية الشرعية من مجلس نواب ومجلس أعلى للقضاء وهيئة مستقلة للانتخابات، وبالتالي ما يحصل هو مجرد تفاصيل للانقلاب"، مؤكداً أن "من يرفض هذا التمشي طبيعي أن يرفض كل هذه الإجراءات".
وبين أنهم "ضد كل هذه الإجراءات، ومن عينهم عُرفوا بولائهم لسعيد، ولا يجب أن ننتظر قرارات إيجابية من سعيد أو سلبيات لنقدها، فكل ما يأتي به الانقلاب مرفوض سواء مراسيم أو لجان أو قرارات".
وتابع أن "سعيّد سيواصل الذهاب في مشروعه إلى أن يزول"، مؤكداً أنه "أمام خيارين، إما التراجع ويطبق القانون عدد 1، الصادر عن مجلس نواب الشعب في 30 مارس/آذار 2022، والقاضي بإنهاء العمل بالإجراءات الاستثنائية، أو مواصلة منهجه، وفي هذه الحال لا تعامل مع الانقلاب".
وأضاف أن "هناك تململاً في صفوف مساندي الرئيس، سواء داخل حركة الشعب أو لدى أنصاره، وهناك عدة شخصيات وأحزاب ستلتحق في الفترة القادمة بجبهة الخلاص الوطني، حيث يتوقع انضمام التيار الديمقراطي قريباً، وبالتالي فالانقلاب إلى زوال".
وكانت "جبهة الخلاص" المعارضة، دانت "إصرار رئيس الجمهورية على الانفراد بالسلطة والقرار، وشجبت تجرؤه على دستور البلاد الذي أقره المؤسسون المنتخبون انتخاباً حراً من قبل الشعب، وأنكرت عليه الحق في سن دستور بديل خارج الأطر القانونية والدستورية ودون تشاور مع الهيئات الاجتماعية والسياسية للبلاد".
واعتبرت الجبهة في بيان لها ليلة أمس، أن "أعمال هذه الهيئة باطلة وفاقدة لكل أثر قانوني، وتحمل أعضاءها كل الآثار القانونية المترتبة عن مشاركتهم في الانقلاب على دستور البلاد ومؤسساتها الشرعية".