بدأ الاتحاد العام التونسي للشغل، اليوم السبت، سلسلة تحركاته الاحتجاجية، في مختلف الجهات دفاعاً عن الحق النقابي، بعد التصعيد الذي شهده الاتحاد، إثر وضع نقابيين بالسجن ودعوة آخرين للتحقيق، ما اعتبرته استهدافاً مباشراً لها وتضييقاً عليها. وبدأت هذه التحركات اليوم جنوبي تونس، لتتواصل الأسبوع المقبل في عدد من الجهات الأخرى.
وفي كلمته أمام المشاركين، أكد الأمين العام المساعد بالاتحاد العام التونسي للشغل، عثمان الجلولي، أن "هذه الوقفة تأتي تنفيذاً لقرار الهيئة الإدارية الوطنية تنفيذ تجمعات ومسيرات احتجاجية من أجل الدفاع عن الحق النقابي".
وقال الجلولي، في كلمته: "نحن نبلغ اليوم من قبلي (الجنوب) رسالة لرئيس الجمهورية بأننا عندما نريد أن نعلن عن موقف لا نعلنه من الثكنات، ولا نتخفى وراءها. ولا نستقوي على شعبنا بالأمن أو الجهاز العسكري، اللذين نريدهما قوى جمهورية في خدمة تونس وليس في خدمة قيس سعيد".
وأضاف: "نقف اليوم ضد استهداف العمل النقابي والتجييش ضد الاتحاد العام التونسي للشغل، ومحاولة ضرب صورته أمام التونسيين، لأن المنظمة هي رأس الحربة في الدفاع عن العمال والتونسيين عموماً".
وقال إن "الاتحاد يرى أن البلاد تسير خطوة خطوة نحو الهاوية بسبب المأزق السياسي والاقتصادي والاجتماعي". وأكد أن "التونسيين يدركون أن الحكومة تعمل على تفقيرهم ببرامج رفع الدعم، وتدفعهم إلى مد أيديهم للأسف أمام نقص المواد الأساسية وارتفاع أسعارها".
وأوضح أن "الرئيس سعيد صعّد من موقفه بمجرد إعلان الاتحاد عن حوار لإنقاذ البلاد، ورفع اتهاماته بضرب الدولة من الداخل، وبدأ باستهداف النقابيين، ولكن لا سبيل لإنهاء الأزمة إلا بالحوار. ونحن لن نتنازل عنه ولن نتراجع مع بقية المنظمات التي تصور هذا الحوار. وستواصل اللجان أعمالها إلى غاية الوصول إلى مشترك يجمع التونسيين".
وستشهد جهات عدة خلال الأسبوع المقبل، تحركات نقابية مختلفة، نابل وتوزر وقفصة، وكذلك صفاقس يوم السبت المقبل، حيث دعا المكتب التنفيذي الموسع للجهة، جميع النقابيات والنقابيين بالجهة إلى "التعبئة والاستعداد لإنجاح التحركات النقابية المقرّر تنفيذها دفاعاً عن الاتحاد والوطن"، وأكد في بيان له "استعداده للدفاع عن المنظمة ضدّ كل المؤامرات ومحاولات الاستهداف والتشويه التي طاولت القيادات النقابية والمناضلين وطنياً وجهوياً".
ودان المكتب "خطاب التخوين والشيطنة ضدّ الاتحاد والنقابيين وسائر مكونات المجتمع المدني، معلناً رفضه سياسة استهداف الاتحاد وضرب الحق النقابي، سواء بالاعتقال كما حدث للأخ أنيس الكعبي الكاتب العام للنقابة الخصوصية للطرقات السيارة، أو بإصدار المناشير السالبة لحق المفاوضة الجماعية، وضرب الحريات الفردية والعامة".
في مقر الاتحاد بالعاصمة، التقى الأمين العام، نور الدين الطبوبي، صباح اليوم السبت، بسفيرة هولندا في تونس، جوزيفين فرانتيزان، واستعرض اللقاء الوضع الاقتصادي والاجتماعي الدولي والوطني، واستقبل أمس الجمعة، سفير الاتحاد الأوروبي بتونس، ماركوس كورنارو. وتذكر هذه اللقاءات بأجواء الأزمات في تونس، حيث يتحول الاتحاد إلى قبلة لعدد من السفراء.
وسيتوجه الطبوبي في مدينة المنستير، الاثنين المقبل، للإشراف على ندوة الإطارات النقابية بالجهة، وستكون له كلمة بالمناسبة، يفترض أن توضح توجهات المنظمة النقابية في هذا "الصراع المفتوح مع السلطة".
وقالت التنسيقية الوطنية للحركات الاجتماعية، اليوم السبت، إنها تتابع "منذ مدة ارتفاع نسق المحاكمات لنشطاء الحركات الاجتماعية وتسارعها، وتزامن ذلك مع اتباع السلطة سياسة القبضة الأمنية مع كل الحركات الاحتجاجية وهو ما برز في التحرك الاحتجاجي لعمال الحضائر".
وأصدر عدد من المنظمات، من بينها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، واتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، والمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب، والجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية، بياناً قالت فيه إن "عناصر أمنية بالزي النظامي والمدني أقدمت، يوم الخميس، على الاعتداء على التحرك الوطني الذي نظمه عمال وعاملات الحضائر.. وجرى اختطاف العديد من المحتجات والمحتجين داخل سيارات ونقلهم إلى جهات غير معلومة، حيث جرت مصادرة هواتفهم الجوالة، والاطلاع على كل المعطيات الشخصية من صور ومحادثات ونسخها، كما جرى تفريق الاحتجاج باستعمال الهراوات واعتداءات لفظية عنيفة والتحرش الجنسي".
ودانت المنظمات "المقاربات البوليسية القديمة المتجددة في التعامل مع الاحتجاج الاجتماعي". وحملت، وزير الداخلية مسؤولية "العنف المادي والنفسي والتعدي على المعطيات الشخصية للمحتجين".
وأكد عضو التنسيقية الوطنية للحركات الاجتماعية، عبد الحق البسدوري في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "الوضع خطير، وهم يشعرون اليوم بخطر على نشطاء الحراك الاجتماعي"، مبيناً أن "ما حصل أول أمس في وقفة عمال الحضائر بالقصبة عنوان للاستبداد"، مشيراً إلى أنهم "لا يعرفون إن كان ذلك يعود إلى مؤسسة كاملة، وهي وزارة الداخلية، أو هي ممارسات فردية".
وأوضح البسدوري أن "الأخطر هو التهم الموجهة لنشطاء الحراك الاجتماعي، ففي السابق كانوا يدانون بتهم من قبيل اعتداء على موظف عمومي، أو هضم جانب موظف وتعطيل سير العمل، أما اليوم فالتهم خطيرة وهي التخابر مع جهات أجنبية، والتمويل من قبل أجهزة خارجية، والتعامل مع شبكات إرهابية، وبالتالي الحركات الاجتماعية مستهدفة استهدافاً مباشراً".
وبين المتحدث أن "هذا لن يمنعهم من مواصلة الدفاع عن حقوقهم، فهم يعرفون القانون وأين تبدأ وتنتهي الحريات، ويحترمون مؤسسات الدولة.. ويحترمونها خاصة إذا احترمت تعهداتها تجاه التحركات الاجتماعية"، مضيفاً أن "التوتر الحاصل هو نتيجة تخلي الدولة عن التزاماتها، وانقلابها على الاتفاقات".
وفي 3 فبراير/شباط الجاري، قرر الاتحاد العام التونسي للشغل، تنفيذ سلسلة إضرابات في مختلف القطاعات، احتجاجًا على "استهداف العمل النقابي والوضع الاقتصادي في البلاد".
جاء ذلك على خلفية إيقاف الكاتب العام للنقابة لشركة تونس للطرق السيّارة، أنيس الكعبي، بعد اتهامه باستغلال وظيفته العمومية للإضرار بالإدارة وتعطيل خدمة عمومية، لأنه دعا إلى إضراب لتحقيق مطالب اجتماعية، ما اعتبره الاتحاد ضربًا للحق النقابي والعمالي.
وأواخر يناير/كانون الثاني الماضي، قال الرئيس قيس سعيد خلال زيارته ثكنة عسكرية بالعاصمة تونس، إن "الحق النقابي مضمون بموجب الدستور لكن لا يمكن أن يتحوّل لتحقيق مآرب سياسية".
وتعاني تونس أزمة سياسية منذ بدأ الرئيس سعيد فرض إجراءات استثنائية في 25 يوليو/تموز 2021، رفضتها غالبية القوى السياسية والمدنية في البلاد.
وشملت أبرز هذه الإجراءات حل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وإقرار دستور جديد عبر استفتاء في يوليو 2022 وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وقال سعيد الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية تستمر 5 سنوات، إن إجراءاته "ضرورية وقانونية" لإنقاذ الدولة من "انهيار شامل".