أثيرت في تونس مجدداً، قضية عودة المقاتلين التونسيين من بؤر التوتر، التي تعتبرها جهات عدة من أخطر الملفات الأمنية التي تواجهها البلاد، نظراً لغياب برنامج واضح للتعامل مع هؤلاء الذين بلغ عددهم الآلاف، ما دفع إلى تصنيف تونس كأحد أهم الدول التي توفر مقاتلين لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وبحسب تقرير صادر العام الماضي عن فريق عمل الأمم المتحدة حول استخدام المرتزقة، يُقدَّر عدد التونسيين المنتشرين في بؤر التوتر مثل سورية والعراق وليبيا بحوالي خمسة آلاف مقاتل. غير أن مصادر رسمية تونسية تتحدث عن وجود ثلاثة آلاف مواطن تونسي ضمن تنظيم "داعش" ساهموا في توترات كبرى في عدد من الدول.
ولتحديد العدد الصحيح، اتصلت "العربي الجديد" بالمسؤول الإعلامي لوزارة الداخلية التونسية، ياسر مصباح، الذي أكد أن "كل ما نشر حول أعداد الإرهابيين التونسيين في الخارج غير دقيق، ولا يمكن ضبط العدد بالسهولة"، موضحا أنه "لا يمكن حصرهم، لأنهم يسافرون عبر عدة مسالك وبطريقة خفية". وأضاف أنه "لا يمكن تحديد عدد العائدين من بؤر التوتر، لأنهم يرجعون إلى تونس بنفس الطريقة".
وتتحدث بعض المصادر الإعلامية عن عودة أكثر من 600 مقاتل إلى تونس، مما جعل السلطات التونسية والمجتمع المدني يعتبر رجوع هؤلاء ملفاً خطيراً يجب إيجاد سبل مثلى للتعامل معه، خصوصاً أن تشديد الخناق على المجموعات الجهادية في سورية وليبيا سيساهم في دفع هذه المجموعات إلى تغيير البلدان التي تحتضنهم نحو وجهات أخرى أكثر أمناً.
ويضع ذلك السلطات التونسيّة أمام معضلة التعامل مع آلاف العائدين من الحروب، خصوصاً أن الأمن التونسي يعاني من وجود مجموعات إرهابية ناشطة في المنطقة الجبليّة غرب تونس منذ أربع سنوات.
وأهم هذه المجموعات هي "كتيبة عقبة بن نافع" الموالية لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، والتي تعتبر امتداداً لجماعة "أنصار الشريعة" و"جماعة جند الخلافة" المبايعة لتنظيم "الدولة الإسلامية"، والتي كبدت تونس خسائر بشرية كبيرة منذ سنة 2012.
من جهة ثانية، أكد ياسر مصباح، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أن عدد الممنوعين من السفر إلى بؤر التوتر كسورية، خلال الثلاثة أشهر الأولى من هذه السنة، بلغ حوالي 2330 شخصاً.
وبخصوص التعامل مع هؤلاء، أكد مصباح أنه إذا تورّط أي شخص في شبكة تسفير الشباب إلى سورية وليبيا وغيرها من البلدان من أجل القتال، يتم إحالته إلى القضاء. أما بخصوص العائدين، فأضاف أنه "إثر عودة هؤلاء المقاتلين من هناك يتم إحالتهم إلى الوحدات المختصة بالجرائم الإرهابية، وبعدها مباشرة إلى القضاء".
وفي الوقت الذي تغيب فيه خطة واضحة من قبل السلطات التونسية للتعامل مع هؤلاء العائدين، وضعت العشرات منهم في السجن، وفقاً لما ينصّ عليه القانون التونسيّ.
من جهته، قال العميد السابق في الجيش الوطني ورئيس المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل، مختار بن نصر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن غياب خطة واضحة من طرف السلطة للتعامل مع العائدين من بؤر التوتر يزيد الأمور تعقيداً، موضحاً أن "التفطن لهؤلاء أصبح أمراً صعباً، لأن غالبيتهم يرجع متخفياً، وبجوازات سفر وأوراق مزورة، رغم أن بعض الأطراف الرسمية في وزارة الداخلية تحدثت عن حوالي 600 مقاتل، وهم تحت المراقبة أو في السجون".
وعن الحلول الممكنة بقصد مواجهة هذه المعضلة، مع تزايد إمكانية عودة جماعية لغالبيتهم، مع توالي المؤشرات على قرب سقوط "داعش" في العراق وسورية وحتى ليبيا، قال بن نصر "من خلال الدراسات التي قام بها المركز التونسي للأمن الشامل والاستئناس بتجارب دول أخرى، قدمنا اقتراحاً لوزارة الداخلية بإنشاء مراكز تأهيل لهؤلاء لتسهيل اندماجهم في المجتمع". وأضاف: "هذا لا يتم إلا بحكم قضائي، أي أن القضاء هو من يقرر تأهيله أو إيداعه السجن، وذلك حسب الجرائم التي شارك فيها كل مقاتل".