تسود في تونس بعد الاستفتاء حال من الترقب والجمود بين معسكري الرئيس والمعارضة، قطعتها قرارات المحكمة الإدارية برفض إعفاء القضاة، وبعض التصريحات الدولية اللافتة خلال هذا الأسبوع، أهمها تصريح وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، الثلاثاء، بأن "الولايات المتحدة ملتزمة بدعم أصدقائها في تونس، وفي أي مكان في أفريقيا، الذين يحاولون إقامة نظم ديمقراطية منفتحة تخضع للمحاسبة ولا تستثني أحداً" وبأن "حلم تونس بحكومة مستقلة أصبح في خطر".
وتجاهل سعيد قرارات المحكمة الإدارية ولم يعلّق عليها حتى الآن، بل وذهب عشية اليوم نفسه إلى الحديث عن ملفات يومية عادية، وكأن شيئاً لم يكن.
المحلل السياسي، قاسم الغربي، قال في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الوضع السياسي يعيش حالاً من الركود والترقب، وحتى رئاسة الجمهورية يبدو أنها تعيش حالاً من الارتباك في علاقتها بالدستور، بسبب استتباعاته السيئة، وفي الوقت نفسه فإن المعارضة في حال ترقب وارتباك، ومن الواضح أنها لا تملك مشروعاً في الوضع الراهن وليس لها رؤية موحدة".
وأضاف: "من أخطاء المعارضة التعويل على الصراع الأميركي الفرنسي حول تونس، باعتبار أن الجانب الأميركي مع الديمقراطية في تونس، مقابل معارضة الجانب الفرنسي لذلك، في هذه الرؤية تبسيط وسوء فهم للمواقف الدولية".
ورأى "أن الأطراف الخارجية لا تفكر بهذا المنطق، ففي النهاية يتفقون حول حد أدنى مشترك بينهم تجاه ما يحدث في تونس، من عودة حد أدنى من الديمقراطية والمؤسسات". واستدرك المحلل نفسه أن "القوى الدولية لا توافق على الدستور الجديد في صياغته الحالية، ولكن في الوقت نفسه، فإن شخصية الرئيس ليست من النوع الذي يقبل بالحلول الوسط، وهو ما سيقوده إلى طريق مسدودة".
وأشار إلى أنه "بعد نشر الدستور رسمياً سنفهم وقتها مدى جدية المواقف الدولية من أجل عودة الديمقراطية، وما إذا كانت كل هذه الضغوط تأتي أساساً لجر قيس سعيد إلى المربع الذي يريدونه، لفرض قرارات صندوق النقد الدولي، وأتوقع أن يوافق عليها للحفاظ على مستقبله، وسينتهي إلى قبول كل الشروط السياسية والاقتصادية".
وفيما يتعلق بشرط التطبيع غير المعلن مع إسرائيل، كما يروج له البعض، بيّن الغربي، أن "ما يحول دون الرضوخ إلى شرط التطبيع مع إسرائيل هو الموقف الجزائري الرافض، وهو موقف محدد".
وبخصوص المواقف الدولية الضاغطة، اعتبر الدبلوماسي السابق، عبد الله العبيدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن مجموعة السبع وضعت تونس في مربع واضح، لأن قيمة التعهدات مرتبطة بما يتكتل من حولك من شعب ومن أركان الحكم وأسس الديمقراطية، وهذا غير متوفر اليوم في تونس، فلا يوجد حكم مستتب، وتونس منقسمة على جميع الجبهات" مشيراً إلى أن "الملفات الوازنة ضائعة، ومجموعة السبع قررت عزل تونس وعدم التعاون معها، وتصريحات جو بايدن ووزير خارجيته باتجاه أفريقيا حرّكت فرنسا التي خسرت بطريقة واضحة أجزاء من أفريقيا الغربية، وخسارة أفريقيا الشمالية أمر غير مقبول بالنسبة لها".
ولفت إلى أن "بايدن سيعقد في ديسمبر/كانون الأول، قمة أفريقية في أميركا تضم البلدان الديمقراطية، وقد يستثني تونس من هذا اللقاء".
وبين أن "تصريحات المسؤولين الأوروبيين تذهب في اتجاه عدم دعم سعيد، ويرون أن الاتحاد العام التونسي للشغل يجب أن يلعب دوراً مهماً وكبيراً، وهناك نية لعدم دعم تونس في الجانب المالي، وبالتالي الأساس في كل شيء هو حكومة إنقاذ وطني، ولكن سعيد للأسف لا يعترف حتى بمن عيّنهم بنفسه، وعلى مستوى السياسة الخارجية فإن وزير الخارجية غائب، وهناك عدة عواصم دون سفير تونسي كبرلين، مؤكداً أنه على مستوى العلاقات الخارجية هناك مسائل يجب ألا تدار بتلك الطريقة، فهناك شركاء استراتيجيون يجب عدم التفريط فيهم، ولكن تونس حالياً دولة مفككة".
في حين اعتبر عضو تنفيذية "مواطنون ضد الانقلاب"، الباحث زهير إسماعيل، أن "الاستفتاء شكّل نهاية مرحلة من الصراع بين الثورة والثورة المضادّة، بعد انحياز الأجهزة لأوّل مرة إلى صف الثورة المضادّة، وقد كانت لازمت الحياد النسبي على مدى سنوات الانتقال العشر. وهو ما مكّن من إرساء مؤسسات تشريعية ورقابية وتعديلية، وترجيح الكفة لفائدة النظام الديمقراطي، رغم ما كان من تعثّر لم يكن بمعزل عن الصراع المشار إليه".
وأوضح إسماعيل أن "المعارضة المنقسمة على نفسها تدرك أنّ انقسامها كان من أهمّ شروط تواصل الانقلاب. والسبب العميق هو أنّ المعارضة التي توحّدت في نهاية الأمر على مناهضة الانقلاب، وبعد أن اكتشف من التحق متأخّراً منها بالحراك المواطني، حقيقة مشروع قيس سعيّد الفردي، لم تتوحّد على الديمقراطية. فمن يعارضون سعيّد هم الأغلبية الساحقة من الطبقة السياسية ونخبتها، ولكن المنتصرين للديمقراطية وضرورة استئناف مسار بنائها لا يمثّلون الأغلبية المطلوبة".
واعتبر أن "هناك جزءا من المعارضة التي تشكلت على ضوء المواجهة مع الانقلاب لم يعد لديه ما يضيفه بعد الاستفتاء، وهو غير قادر على المرور من المرحلي (فكرة إسقاط الانقلاب) إلى الاستراتيجي المتمثل في الاشتغال على شروط الديمقراطية وموادّها (توقع ظهور مواطنون ضد الانقلاب في فصلها الثاني). وهذا سيكون مهمة قوى جديدة تعتبر أن الاستفتاء مقدمة إلى نهاية الانقلاب العاجز عن الفعل رغم إمساك رأسه بكل السلطات".
ويرى إسماعيل أن "الأشهر الستة القادمة، ومع تداعيات الأزمة المالية الاقتصادية والسياسية؛ ستكون حاسمة في مستقبل الديمقراطية وتجربة الدولة في تونس، في ظل ترتيبات إقليمية ودولية سيكون من نتائجها دفع الأجهزة في تونس إلى وضع الحياد باتجاه استئناف مسار بناء الديمقراطية في ملابسات جديدة، لا تمتلك فيها الطبقة السياسية ما كانت تمتلكه من شروط وطنية، ولو قليلة في الدفاع عن مصالح البلاد وحرية المواطن وكرامته".