تونس: دعوات لرحيل قيس سعيّد بعد نسب تصويت هزيلة وغير مسبوقة في الانتخابات التشريعية

17 ديسمبر 2022
اعتبر ملاحظون أن هذا العزوف يكشف فشل المشروع السياسي لقيس سعيّد (Getty)
+ الخط -

دعت "جبهة الخلاص" المعارضة في تونس، مساء السبت، إلى رحيل رئيس البلاد قيس سعيّد، بعد المشاركة الهزيلة وغير المسبوقة في الانتخابات التشريعية المبكرة، مشيرة إلى أن ما حدث "زلزال سيغير المشهد ككل في تونس".

وقال رئيس جبهة الخلاص المعارضة، نجيب الشابي، في مؤتمر صحافي، إن نتائج الانتخابات التشريعية "أسدلت الستار على الشرعية الزائفة لقيس سعيّد"، مشيراً إلى أن نسبة المشاركة في الانتخابات "لم تتجاوز 2 بالمائة، وسعيّد اليوم لا شرعية له".

وأضاف أن ما حصل "حلقة من فشل متلاحق، بدءاً بلقاءاته الفاشلة في الولايات المتحدة الأميركية أخيراً، ثم تأجيل صندوق النقد الدولي لاجتماعه مع تونس، وأخيراً هذا الفشل اليوم".

وطالب الشابي برحيل سعيّد، وتولي قاضٍ إدارة انتخابات رئاسية جديدة وحوار وطني، موجهاً الدعوة للاتحاد التونسي للشغل وكل الأحزاب والشخصيات للقاء من أجل إنقاذ تونس.

من جانبه، قال عضو الجبهة، جوهر بن مبارك: "إن هذا اليوم يوم تاريخي والشعب التونسي أسقط رسمياً المشروعية عن الانقلاب، فبعد أن سقطت شرعيته منذ 25 يوليو، فإن عدم انخراط التونسيين في هذه الانتخابات أفقد سعيّد شرعيته".

وبيّن بن مبارك أن "استئناف المسار الديمقراطي مسؤولية الجميع، ولا بد أن تتحد كلمة التونسيين لوضع حد للانقلاب"، مؤكداً أن "الشعب أطلق اليوم مجموعة من الرسائل الهامة، ولكن لا بد من الانخراط في المقاومة واسترجاع الديمقراطية".

وقال: "لقد صدرت اليوم بطاقة وفاة في مسار قيس سعيّد"، مؤكداً أن "منظومة قيس سعيّد الانقلابية انتهت، بما في ذلك الهيئات المنصبة، وهناك سقوط كامل لمسار سعيّد".

ودعا الحزب الدستوري الحر إلى إعلان الشغور في منصب رئاسة الجمهورية، وإلى انتخابات رئاسية سابقة لأوانها طبق المعايير الدولية.

كذلك دعا في بيان نشره على صفحته في "فيسبوك" إلى "استقالة حكومة بودن واكتفائها بتصريف الأعمال إلى حين إجراء انتخابات حرة تفرز حكومة شرعية".

وشدد الحزب على ضرورة "تجميد هيئة الانتخابات الحالية وغلق مقراتها وحجز كل ما لديها من ملفات ووثائق ووضعها على ذمة النيابة العمومية ووقف صرف الأموال المرصودة لها وإيقاف العملية الإجرامية التي تقودها حالياً ورفع الحصانة عن أعضائها والتدقيق الإداري والمالي في أعمالها إلى حين تشكيل تركيبة جديدة محايدة ومستقلة تتسلم المهمة".

ودعا الحزب أيضاً إلى "إلغاء المرسوم عدد 55 المؤرخ في 15 سبتمبر/ أيلول 2022، المتعلق بالانتخابات والدعوة لانتخابات تشريعية مطابقة للمعايير الدولية".

وجدد الدعوة "للقوى المدنية لإمضاء الميثاق السياسي وإعلان رفض العودة إلى مربع التوافق مع الإخوان والانطلاق في الإعداد لمشهد سياسي وطني مدني يحافظ على مكاسب دولة الاستقلال ويتدارك الكوارث الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي سبّبتها منظومة ربيع الخراب والدمار خلال العشرية الماضية".

وفي بيان له، فجر اليوم الأحد،  قال الحزب الجمهوري "إن الانتخابات المهزلة التي نظمتها سلطة 25 يوليو، وفي سابقة تاريخية، سجلت أدنى مستويات المشاركة الشعبية ببلوغ نسبة المقاطعة ما يزيد على 90% من مجموع الناخبين".

وحيّا الحزب الجمهوري الشعب التونسي "الذي أبى في الذكرى الـ12 لاندلاع ثورته المجيدة إلا أن يبعث برسالة عدم انخراط ورفض لمسار الانقلاب، ونزع عنه كل شرعية ومشروعية".

وطالب الحزب في "ضوء النتائج المعلنة واحتراماً لإرادة التونسيين، وقف هذا المسار العبثي وإلغاء دورته الثانية، ويدعو رئيس سلطة الأمر الواقع لاستخلاص النتائج المترتبة عن ذلك والتنحي عن الحكم وفسح المجال أمام مرحلة انتقالية جديدة تؤمن عودة الاستقرار وتعافي مؤسسات الدولة المدنية الديمقراطية".  

ودعا "الجمهوري" كل القوى الحية المتمسكة بإنقاذ البلاد إلى "إطلاق مشاورات عاجلة تمهيداً لإطلاق حوار وطني ينتهي إلى إقرار خطة وطنية للإنقاذ ووضع برنامج متكامل للإصلاحات السياسية والاقتصادية ينتهي بتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية سابقة لأوانها".

واعتبر حزب "آفاق تونس" أن "إرادة الشعب التونسي قادت إلى مقاطعة ما يُسمّى الدور الأول من الانتخابات التشريعية ورفض التصويت على مجلس نيابي صوري فقد كل مقوّمات الشرعية والمشروعية إثر امتناع الأغلبية الساحقة من الناخبين عن التوجّه إلى مراكز الاقتراع في رسالة واضحة للتعبير عن رفضهم لهذه المنظومة غير المسبوقة والبعيدة عن المشاغل الحقيقية للمواطن".
 
واعتبر الحزب "هذه النسبة المتدنية في المشاركة غير مسبوقة في تاريخ البلاد منذ سنة 2011، وتحمل في طياتها بشكل واضح وجليّ العديد من الرسائل، أهمها رسالة شعبية لسحب الثقة من قيس سعيّد، ومن مسار منظومته السياسية والدستورية القائمة على الشعبوية والحكم الفردي والتسلّط، وهي أيضاً مقاومة ورفض لمشروع البناء القاعدي والانحراف المتواصل نحو الممارسات البائدة وانتهاك الحقوق والحريّات". 
 
ووجهت النتائج، بحسب الحزب، "رسالة احتجاج قوية ضد التردي المتواصل للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وفشل قيس سعيّد الذريع في إدارة شؤون البلاد وعجزه عن الإصلاح".

 ️ودعا "آفاق تونس" الرئيس قيس سعيّد إلى "احترام إرادة الناخبين والاعتراف بفشل منظومته السياسية وعجزها عن تلبية تطلّعات الشعب التونسي في الحرية والكرامة، والتوقف عن سياسة المكابرة والإنكار ويطالبه بإجراء انتخابات رئاسية مبكّرة تؤسس لمرحلة جديدة من الإصلاحات الحقيقية".

من جانبها، قالت عضو "مواطنون ضد الانقلاب"، شيماء عيسى، إن "أغلب مراكز الاقتراع كانت خالية من الناخبين، ونعتقد أن نسبة 8.8 بالمائة غير صحيحة، والنتيجة لا تتعدى الـ3 بالمائة، ولا بد من إقالة هيئة الانتخابات التي لم تكن محايدة"، مضيفة أن "هناك العديد من المغالطات وتشويه الخصوم في خطابات الهيئة".

عقاب لسعيّد

وفي السياق، أكد السياسي رضا بلحاج، في تصريح لـ"العربي الجديد " أن "ما حصل اليوم عقاب لقيس سعيّد، وأغلب التونسيين لم ينتخبوا"، مؤكداً أن "تبريرات الهيئة للنتائج المخيبة غير مقبولة، والهيئة أهدرت المال العام على انتخابات فاشلة وأول محاسبة ستكون لها".

وأضاف: "يجب إيقاف الدورة الثانية من الانتخابات واستقالة أعضائها فوراً"، مشيراً إلى أنهم "سيتقدمون بشكاية قضائية ضد الهيئة ".

ووصفت النتائج الأولية المعلنة من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مساء السبت بغير المسبوقة في تاريخ تونس من حيث ضعفها، واعتبر ملاحظون أن هذا العزوف يكشف فشل المشروع السياسي لقيس سعيّد.

وأعلنت الهيئة مساء السبت في مؤتمر صحافي أن عدد الناخبين بلغ 804638 ناخباً أي بنسبة 8.8 بالمائة من مجموع المسجلين البالغ عددهم 9136502، وذلك إلى حدود الساعة السادسة بعد غلق جل مراكز الاقتراع باستثناء أربعة منها في جربة وجرحيس أقفلت في الثامنة ليلاً، وبالتالي ستُعلَن غداً النتائج النهائية بعد استكمال غلق بقية المكاتب، مضيفة أن النسب ستشهد تغييراً طفيفاً. 

وقال رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر إن نسب الإقبال بلغت 8.8 بالمائة بنحو 804638 ناخباً، والأرقام مرشحة للارتفاع قليلاً.

وتابع أن "من أسباب ضعف الإقبال تغير نظام الاقتراع إلى الاقتراع على الأفراد بدل القائمات، إلى جانب غياب ماكينات حزبية وجمعيات وبسبب خلو هذه الانتخابات من المال السياسي المشبوه ومن توظيف بعض وسائل الإعلام كما كان سابقاً، فقد كانت انتخابات نظيفة"، مبيناً أنه "لأول مرة الانتخابات خالية من الشوائب التي عهدناها سابقاً".

ولفت بوعسكر إلى أن "التقييم يجب أن يكون بموضوعية للنسب المسجلة عند مقارنتها بانتخابات 2019، فهي حملة دون تمويل عمومي ودون شوائب"، مؤكداً أن الهيئة "لا تجمّل النتائج، بل تعمل بحرفية وشفافية".

ولاحظ أن "الهيئة قامت بالحملة التحسيسية اللازمة وبكل موضوعية"، مبيناً أنهم طبقوا القانون ولم يخضعوا لأي ضغوطات من أي جهة، مؤكداً أنه "سبق تسجيل نتائج محدودة لعدد من الناخبين المترشحين بالخارج في الانتخابات السابقة، وهناك من صعدوا بأصوات قليلة".

سقوط مدوٍّ

ويرى المحلل السياسي مراد علالة في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "النتائج الأولية المعلنة تعتبر رسالة عميقة وحادة يجب الوقوف عندها، خاصة من الجهة التي بادرت بالدعوة إلى الانتخابات، وإقرار هذه المحطة وإدراجها ضمن مسار سياسي".

وأكد علالة أن "رئيس الجمهورية دخل قصر قرطاج برصيد وخزان انتخابي مهم بلغ نحو 3 ملايين شخص، ثم في الاستفتاء على الدستور بقي هذا الخزان هاماً، لكن العجز عن المحافظة على هذا الخزان والوصول حتى لمليون صوت دليل على أن عملية تهرئته وتقهقره حصلت خلال هذه الفترة الوجيزة".

وتابع بأنه "مقارنة بمن حكموا طوال 10 أعوام قبله، كان من المفروض أن ننتظر 10 أعوام أخرى ليتراجع المخزون الشعبي لسعيّد، ولكنه عرف سقوطاً مدوياً"، مبيناً أن "النهضة مثلاً تراجع مخزونها الانتخابي مقارنة بـ2011، ولكنه كان تراجعاً طفيفاً".

مقارنة بمن حكموا طيلة 10 أعوام قبله، كان من المفروض أن ننتظر 10 أعوام أخرى ليتراجع المخزون الشعبي لسعيد

وبيّن المحلل التونسي أن "هذا التراجع لسعيّد كان نتيجة المشروع في حد ذاته والمقاربة والإعداد لها، والأداة التي نفذت الحملة، وهي الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وبالتالي الفشل كان على جميع الأصعدة".

ولفت إلى أن "النتائج المخيبة ستعود بالوبال على الجهة المنظمة، وعلى تونس في هذا الظرف الدقيق، حيث الأعين في الداخل والخارج تتابعنا".

وأفاد بأن "هذه النتائج هي نقطة لمصلحة خصوم الرئيس، وللأطراف الاجتماعية كاتحاد الشغل التي تشهد علاقتها بالسلطة والحكومة الاحتقان"، مؤكداً أن "هذا الأمر سيستغله أيضاً الاتحاد للتدليل على أن خيارات الرئيس غير ملائمة".

وتابع بأن "الخارج يتابع هذه الانتخابات، والمؤسسات المالية كانت تنتظر عودة المسار الديمقراطي في تونس، ولكن هذه النسبة في الديمقراطيات العريقة ستنظر إليها بسلبية، وقد تتأثر بها".

وبين أنه "لأول مرة منذ الاستقلال تسجل تونس أقل من 10 بالمائة تصويتاً، وهذا مخيب"، مؤكداً أن  "تبريرات رئيس الهيئة بكونها انتخابات نظيفة خالية من المال السياسي تورط الهيئة لأنه كان طرفاً في الهيئات السابقة وفي انتخابات 2019".