تونس: عقبات أمام تجديد أسطول الطائرات العسكرية

10 أكتوبر 2020
تجديد أسطول الطائرات العسكرية يتطلب اعتمادات ضخمة (وسيم جديدي/فرانس برس)
+ الخط -

دعا الرئيس التونسي قيس سعيد إلى تجديد أسطول الطائرات العسكرية والعمل على تحسين المعدات العسكرية، مؤكداً حرصه على ضرورة توفير الاعتمادات اللازمة بما يستجيب لحاجة المؤسسة العسكرية. وجاء تصريح سعيد عقب لقاء جمعه بوزير الدفاع الوطني إبراهيم البرتاجي، أخيراً، وذلك إثر سقوط طائرة عسكرية من نوع "أف 5" في جهة رمادة بالجنوب التونسي، كانت تقوم بمهمة عملياتية بالعمق الصحراوي، ما أسفر عن وفاة قائدها.
ولئن أكد سعيد على الدور الكبير الذي يقوم به أبناء المؤسسة العسكرية في مختلف القوات البرية والبحرية والجوية، إلا أنه شدد على ضرورة توفير كل الشروط التي تمكنهم من العمل في أحسن الظروف. ونوه سعيد بما تبذله القوات المسلحة العسكرية من عمل في كافة المجالات، بدءاً بالدفاع عن الوطن، أرضاً وجواً وبحراً، وصولاً إلى العديد من الميادين الأخرى، كالصحة والهندسة العسكرية وتأمين الانتخابات والامتحانات الوطنية.
وقال الخبير العسكري، المتقاعد من الجيش التونسي، مصطفى صاحب الطابع، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الطائرة التي سقطت في رمادة، جنوب تونس، من نوع "أف 5"، وهذا الصنف قديم جداً وقد تم اقتناؤه في تسعينيات القرن الماضي. وبين أن تونس تملك 5 طائرات من هذا الطراز، وهي طائرات هجومية، لكنها قديمة جداً، وأغلب البلدان استعملتها في السبعينيات، لكنها لم تعد مستعملة في الجيوش المتقدمة. وأوضح صاحب الطابع أن 4 طائرات فقط من أي صنف يعتبر عدداً قليلاً جداً، ولا بد من 400 أو أكثر، مبيناً أن هذه الأنواع لم تعد موجودة، وهناك طرازات جديدة أكثر تطوراً.

4 طائرات فقط من أي صنف يعتبر عدداً قليلاً جداً

وأوضح أن تجديد أسطول الطائرات العسكرية يتطلب اعتمادات مالية ضخمة، لأن سعر الطائرة المتطورة، مثل "أف 15"، يصل إلى 50 مليون دولار، والحديث عن تجديد الأسطول يتطلب وجود 15 إلى 20 طائرة، مع العلم أن الجيوش في البلدان المتقدمة تملك ما بين 200 و300 من هذا الصنف. وأشار إلى أن تونس للأسف لا تملك اعتمادات مالية ضخمة لاقتناء مثل هذه الطائرات، مبيناً أنه يجب أن يكون هذا الأمر مدروساً وليس مجرد شعبويات، إذ إن هناك منظومة متكاملة بين البحر والبر والجو. وأشار إلى وجود عدة أصناف واحتياجات لكل بلد، فبعضها خاصة بإطفاء الحرائق، أو استطلاعية، أو هجومية، وهناك طائرات إيطالية صغيرة مخصصة للتدريب، وبالتالي على ضوء الحاجة والأولويات يكون التجديد.
وكانت وكالة التعاون الأمني للدفاع الأميركية قد أكدت أن وزارة الخارجية وافقت على بيع تونس 4 مقاتلات هجومية خفيفة من نوع "AT-6C Wolverine" مع معدّات دعم، بما قيمته 325.8 مليون دولار. وذكرت الوزارة، في بيان، أن الصفقة "ستُحسن قدرة تونس على مواجهة التهديدات الحالية والمستقبلية من خلال زيادة قدرتها على مكافحة الإرهاب وغيرها من تهديدات المنظمات المتطرفة العنيفة". وأوضحت أن الطائرات المذكورة هي النسخة المسلحة من طائرة التدريب "بيشكرافت 6"، وهي مصممة لتوفير دعم جوي قوي وقدرات صاروخية واستطلاع.

وفي عام 2014، أبرمت القوات الجوية التونسية اتفاقية لشراء 12 مروحية من طراز "بلاك هوك" الأميركية بنحو 700 مليون دولار، وتسلمت آخر دفعة منها في 2019. كما عقدت صفقة مع شركة سويدية لشراء طائرات من نوع "ساب غاس 39 غريبن". وفي 2015، وقّعت السلطات التونسية اتفاقاً عسكرياً مع شركة أميركية لتحديث أسطول الطائرات التونسية من نوع "F-5E/F Tiger II"، بمبلغ 32 مليون دولار.
وقال الخبير العسكري فيصل الشريف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن أسطول الطائرات العسكرية يُعتبر مرضياً ويضم أصنافاً متطورة، لأن تونس أبرمت عدة صفقات في هذا الصدد، وقد اقتنت 4 طائرات مقاتلة بـ325 مليون دولار إلى جانب إبرام صفقات أخرى، خلال زيارة وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر إلى تونس أخيراً. وأوضح أن تونس كانت قد اشترت 12 مروحية مقاتلة من نوع "بلاك هوك"، وصلت 4 منها إلى البلد. وأشار إلى أن تونس ليست في حالة حرب، وليست لديها جبهات قتالية لتحتاج إلى طائرات من نوع "أف 16" أو "أف 35". وبين أن طائرات "أف 5" قديمة، وربما تجاوزها العصر. وكانت السعودية قد عبرت عن نيتها منح تونس هبة عبارة عن 50 طائرة من هذا النوع، لأنها لم تعد بحاجة إليها. وبين أن هذا لا يعني عدم امتلاكها لطائرات متطورة، خصوصاً خلال الأعوام الأخيرة، حيث أبرمت تونس عدة صفقات خلال حربها على الإرهاب.

وافقت أميركا على بيع تونس 4 مقاتلات هجومية خفيفة مع معدّات دعم
 

وأوضح الشريف أن تونس اقتنت طائرات مقاتلة خفيفة تفي بالحاجة، خصوصاً من نوع "بلاك هوك"، لأنها بصدد التركيز على مقاومة الإرهاب، أي على الشأن الداخلي، طالما أنه ليس لديها جبهات قتالية أو حرب مفتوحة مع أي بلد. وأشار إلى أن الأولوية هي لتجهيز الجيش، ووزارة الدفاع بصدد تجديد الأسطول تدريجياً. أما في ما يتعلق بالقوات البحرية، فإن هناك، بحكم التركيز على مقاومة الهجرة السرية، محاولات لتصنيع قطع بحرية. وبين أن تجهيز الجيش بالطائرات مكلف جداً، وميزانية تونس لا تسمح بإقتناء "أف 16" أو "أف 35" لأنها باهظة التكاليف، مؤكداً أن هذا الصنف من الطائرات لا تحتاجه تونس لأنه مخصص للهجوم.
من جهته، قال مسؤول عسكري سابق، رفض الكشف عن هويته، إن أسطول الطائرات العسكريّة يتكون من عدّة أنواع، مقاتلة ونقل وتدريب وغيرها، يتمّ اقتناؤها عادة على دفعات، وحسب مهامّها والحاجة إليها بحكم الظروف الاستراتيجيّة والأمنيّة السائدة في البلاد والمنطقة. وأوضح، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه تتم عادة برمجة تعويض الطائرات التي تبيّن الدراسات التقنيّة أنّها لم تَعُد قادرة على أداء مهامّها العمليّاتيّة، مبيناً أن قرار إنجاز عمليّة التعويض يبقى من مهام السلطة السياسيّة ورهن توفيرها للإعتمادات الماليّة الضروريّة. وأضاف أنه بالعودة إلى سؤال عما إذا كان قد حان الوقت لتجديد أسطول الطائرات العسكرية في تونس؟ فإن تصريح سعيد يدلّ على وجود حاجة لتجديد أسطول الطائرات العسكريّة، خصوصاً "أف 5"، مشيراً إلى أن هذا التصريح جاء بناء على دراسات القيادات العسكرية المختصّة. وأكد أنه مع الأخذ بالاعتبار التهديدات والتحدّيات الحاليّة والمرتقبة للعشريّتين القادمتين، فإنه لا يخفى على أحد حاجة القوّات المسلّحة التونسيّة لتجديد المعدّات وتطويرها حسب طبيعة التهديدات وحجمها، وأنه نظراً لقِدَم الطائرات من طراز "أف 5" فلا يُسْتَغرب أن يكون تجديدها من بين أولويّات وزارة الدفاع الوطني، وهو ما يفهم من تصريح سعيد.
وكان وزير الدفاع التونسي إبراهيم البرتاجي قد ترأس، الثلاثاء الماضي، أعمال اللجنة العسكرية المشتركة التونسية الأميركية في دورتها الـ34 بتونس، وذلك عبر تقنية الفيديو عن بعد، بحضور السفير الأميركي بتونس دونالد بلوم ووفدين عسكريين رفيعي المستوى من البلدين. وعبّر الوزير عن ارتياحه للنتائج المحققة في مختلف الأنشطة التي شملت مجالات التكوين والتدريب والاستعلامات، واقتناء التجهيزات المتلائمة مع التهديدات غير التقليدية، وتطوير القدرات العملياتية في مجالات مقاومة الإرهاب والتهريب وحماية الحدود والتصدي للجريمة المنظمة. وأضاف أن اجتماع اللجنة سيضبط البرنامج السنوي للتمارين المشتركة والأنشطة المتعلقة بتطوير القدرات العملياتية للمؤسستين العسكريتين في البلدين.
وأشار البرتاجي، في سياق آخر، إلى أن تونس تعول على إمكانياتها الذاتية لمواجهة التحديات القائمة في المنطقة، كما تعول على التعاون المشترك مع البلدان الصديقة، وفي مقدمتها أميركا، كشريك استراتيجي، مؤكداً أن انعقاد اللجنة العسكرية المشتركة كل سنة، وبالتداول بين البلدين، يأتي نتيجة حرص الطرفين على مزيد من تنسيق الجهود المشتركة وفتح آفاق جديدة للتعاون العسكري بين البلدين.
وكان اجتماع قد عقد، نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، في مقر وزارة الدفاع التونسية، ضم البرتاجي ووزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، لدراسة آفاق التعاون بين تونس وأميركا في المجال العسكري، في ضوء التهديدات والتحديات الأمنية في المنطقة، وذلك بحضور بلوم ومسؤولين عسكريين تونسيين وأميركيين رفيعي المستوى. ووقع الجانبان وثيقة خريطة طريق لآفاق التعاون العسكري بين البلدين في مجال الدفاع بالنسبة إلى العشرية القادمة. وتهدف هذه الخريطة أساساً إلى رفع جهوزية القوات المسلحة التونسية وتطوير قدراتها لمجابهة التهديدات والتحديات الأمنية. وطالبت أحزاب وشخصيات تونسية بالكشف عن مضمون هذه الاتفاقية وبنودها.