يقول رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي، إنّ "ما تقوم به الحكومة حالياً هو محاولات الفرصة الأخيرة لإنقاذ البلاد، نظراً للوضع الاقتصادي والأزمة الصحية"، ويدعو بمناسبة عيد العمال لـ"ترك التجاذبات السياسية ومسألة تسجيل النقاط، التي انخرطت فيها العديد من الأطراف، غير مهتمة بالوضع الصعب، بينما تريد أخرى الاستثمار في ذلك لضرب الدولة وإرباكها".
كلام خطير جداً صادر عن أحد رؤوس الدولة الذي يعرف كل خفاياها؛ ما في خزائنها وما تدين به للآخرين، وما يحدث في كواليس البلاد وأزقتها الخفية. يصف ما تقوم به الحكومة بـ"الفرصة الأخيرة"، ولكن قبل ماذا؟ وماذا يمكن أن يحدث إذا ضاعت هذه الفرصة؟ ما الذي ينتظر البلاد وإلى أين يمكن أن تسير؟ ولكن الأخطر يكمن في حديث المشيشي نفسه، عندما يؤكد أنّ هناك من يستثمر بالفعل في هذا الوضع الصعب، والسؤال هو من وكيف ولماذا؟
من جبل الشعانبي في القصرين، وفي مساء اليوم نفسه، أول من أمس السبت، أطل الرئيس التونسي، قيس سعيد، المختفي عن الأنظار منذ أيام، ليؤكد من جديد أنه القائد الأعلى لكل القوات المسلحة، وأنه سيجيب على التحدي بالتحدي. ويتساءل كثيرون في تونس، لماذا يكدس الرئيس كل هذه الأسلحة تحت إمرته، وماذا سيفعل بها؟
فشلت كل الوساطات في تونس، ولم يبق من فرصة موضوعية إلا "اتحاد الشغل"، الذي بإمكانه فرض الحوار على الجميع إذا نجح في استعادة توازنه، بعدما تلاعب به الرئيس أكثر من مرة، واستعاد موقعه وسط المشهد، بأخذ المسافة نفسها من الجميع، كما كان.
الأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي، دعا السبت كذلك، سعيّد إلى التعجيل بالتفاعل الإيجابي مع مبادرة الاتحاد للحوار، للخروج من المرحلة العصيبة التي تمر بها البلاد، وتجميع الفرقاء على قاعدة الولاء لتونس. وقال في كلمة ألقاها بمناسبة عيد العمال، إنه "على رئيس الجمهورية تفعيل نداء الاتحاد، والدعوة إلى حوار وطني جامع، والمبادرة قبل فوات الأوان بوضع المستلزمات والآليات الضرورية لإدارته". واعتبر الطبوبي أنّ "كل تأجيل للحوار من شأنه أن يزيد من الانجذاب نحو الأسوأ، وقد نبهنا وشددنا على ضرورته المطلقة".
يحاول كل طرف من الأطراف المتصارعة في تونس استنزاف منافسه، واختبار إلى أي مدى يمكن أن يصبر على الضغط. ويحرّك كل طرف أسلحته الإعلامية والاتصالية والدستورية، في انتظار من سيسقط قبل الآخر. ولكن المشكلة أنّ الناس يموتون بالعشرات يومياً في تونس، في انتظار من يسقط أولاً، أو أن يقتنع الرؤساء بجدوى الحوار، قبل فوات الأوان.