تونس وشبح المجهول

23 اغسطس 2021
لا أحد قادر على معرفة نوايا سعيّد (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

يفترض أن يفصح الرئيس التونسي قيس سعيّد عن أفكاره وأن يكاشف بها جمهور التونسيين الذين تتركز اهتماماتهم منذ أيام على محاولة فهم نوايا رئيسهم التي لا يعرفها سواه، باعتبار أن مهلة الثلاثين يوماً بعد قرارات 25 يوليو/ تموز الماضي أوشكت على الانتهاء. يظهر سعيّد غاضباً كلما تحدث عن خريطة طريق ويبدي انزعاجاً واضحاً ممن يطالبونه بتعيين حكومة وكشف مخططاته للمرحلة المقبلة، رغم أنه سبق أن تعهّد للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مكالمة هاتفية بتقديم خريطة طريق للمرحلة المقبلة وبأسرع وقت، مشدداً على إعطاء الأهمية للشرعية الشعبية.

ولا يفهم أحد سبب هذا الغضب الكبير، إذ يؤكّد الرئيس أن الدولة تعمل بانتظام وكأنه يقول إنها لا تحتاج إلى حكومة، وطالما أن الأمر كذلك وهو الذي يقرر وحده، فلماذا هذا الاستعجال ومن يجبره على تعيين حكومة أصلاً؟ الحقيقة أن الرئيس يقدم نفسه للتونسيين على أنه هو رئيس الحكومة، وقد قالها بصراحة وبوضوح، كان الوضع الصحي تعيساً ولكن عندما أمسكت الملف بيدي تغير كل شيء كما ترون. يسير سعيد بخطى واثقة وحثيثة إلى النظام الرئاسي، وبالتوازي مع ذلك تتزايد المخاوف من النظام الرئاسي المطلق. المشكلة ألا أحد يجادل أو يناقش ولا اجتماعات ولا مشاورات ولا هم يحزنون، صمت مطبق على مشهد معطل بالكامل.
ويعلق مؤسس شبكة دستورنا جوهر بن مبارك على الأحداث موجهاً خطابه للساحة التونسية المترددة قائلاً: "أعطنا الضمانات" و"نريد خريطة طريق" و"واجب اليقظة لحماية المكاسب" و"التعجيل بانتخابات سابقة لأوانها"... هذا المعجم سيجلب لصاحبه التخوين فردّدوها (هذه العبارات) الآن كثيراً، طالما أنها بالمجان.

وفي تدوينة على صفحته بفيسبوك يتوجه بن مبارك إلى الرئيس سعيد قائلاً: "هؤلاء (من يهللون للرئيس ويدفعونه في هذا الاتجاه) ليسوا جمهورك ولن تجدهم بمجرّد أن تنجز المهمّة التي يحرّضونك عليها، سيستفردون بك وهم الذين سيعزلونك إمّا في القصر والأرجح منه. اتّعظ، لقد دمّروا التجربة والبلد ولست عليهم بعزيز". ويحذر بن مبارك، وكثيرون غيره، من أجواء القسمة التي تسيطر على الكواليس التونسية هذه الأيام، حيث يمنّي البعض نفسه بمنافع من المشهد الجديد ويحلم بدور في ساحة يتخيل أنها ستتشكل لصالحه، لكن الواضح والجلي أن الساحة التي يبحث عنها سعيّد ويريد تشكيلها لا مكان فيها إلا لحلمه الخالي من الأحزاب ومن كل ما من شأنه أن يعطله أو يعطل مساره السياسي، ولكن الفكرة هي ذاتها، أن الطمع أعمى.

المساهمون