أظهرت خرائط حديثة نشرتها السعودية دخول جزيرتي تيران وصنافير داخل حدودها، فيما استمرت حسابات ومجموعات مصرية على مواقع التواصل الاجتماعي، اشتهرت بتأييدها للرئيس عبد الفتاح السيسي، بالتأكيد على أن الجيش المصري لا يزال يرفع العلم على الجزيرتين، "نظراً للأهمية الاستراتيجية لهما بالنسبة لمصر، وخاصة في صراعها مع إسرائيل".
ورغم أن الجزيرتين لم تمثلا دوراً كبيراً في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، والتي يمر على اندلاعها نصف قرن اليوم، غير أنهما تمثلان نقطة سيطرة على خليج العقبة، منفذ إسرائيل الوحيد على البحر الأحمر، حيث تقعان في مدخل مضيق تيران الذي يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر. وتبلغ مساحة تيران 80 كيلومتراً مربعاً، في حين تقدر مساحة صنافير بـ33 كيلومتراً مربعاً.
موقع استراتيجي هام لتيران وصنافير
الجزيرتان الخاليتان من السكان واللتان أعلنت السعودية السيادة عليهما في الذكرى الخمسين لحرب 6 أكتوبر، تتمتعان بموقع جغرافي استراتيجي هام، حيث تقعان في المدخل الجنوبي لخليج العقبة، وبالتالي فإنهما تتحكمان في حركة الملاحة الدولية فيه. ويصبح بإمكان الدولة التي تسيطر عليهما إغلاق حركة الملاحة باتجاه الخليج في حالات الحرب، وهو الأمر الذي تفتقده مصر بعد تسليم السيادة عليهما للسعودية، وهو ما يمكن أن يضعف موقفها العسكري في حال اندلاع أي صراع مع إسرائيل، بحسب عسكريين.
تمثل تيران وصنافير منفذ إسرائيل الوحيد على البحر الأحمر
وتمثل طبيعة الدولة المسيطرة على الجزيرتين أهمية استراتيجية لإسرائيل على وجه الخصوص، إذ إن مضيق تيران يُعتبر الممر الملاحي الوحيد من ميناء إيلات وإليه، في جنوب إسرائيل، بشكل قد يسمح لها بالتفكير بجدية في حفر قناة بن غوريون المأمولة، ونقل البضائع منها إلى ميناء حيفا، ونقلها بعد ذلك بالقطار كمسار بديل لقناة السويس. وبات هذا المشروع يتردد مع الحديث عن اقتراب التطبيع بين السعودية وإسرائيل، في ظل الحديث عن الممر الاقتصادي الطويل، الممتد من الهند حتى أوروبا مروراً بشبه الجزيرة العربية وإسرائيل.
واستدل مراقبون على الأهمية الاستراتيجية لمضيق تيران وجزيرة صنافير بواقعة لجوء الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى إغلاق مضيق تيران في العام 1967، ومنع إسرائيل من استخدامه كممر ملاحي إلى ميناء إيلات، بشكل أدى لخنق الدولة العبرية وعرقلة مرور بضائعها عبره.
الإجراء المصري حينذاك لم تقبله إسرائيل، وهو وقف وراء قيامها بشن الحرب في 5 يونيو/ حزيران 1967، وأدى لاستيلائها على كامل شبه جزيرة سيناء، بما فيها مضيق تيران وجزيرة صنافير، بشكل عزز وزنها الاستراتيجي وأكسبها قدرات عسكرية عالية نتيجة السيطرة على هذا الممر الملاحي الأهم لخليج العقبة.
ورغم التسليم بحقيقة أن الجزيرتين لم يكن لهما دور في حرب أكتوبر، باستثناءات محدودة، ومنها استخدامهما كموقع لتدريب القوات المصرية، إلا أن عسكريين مصريين سابقين أكدوا على الأهمية الاستراتيجية للجزيرتين في أي صراع عسكري قادم مع إسرائيل، بدليل إغلاق مضيق تيران، الذي كان سبباً في اندلاع حرب الخامس من يونيو/ حزيران 1967.
نشر قوات سلام في تيران وصنافير
وأكد عسكريون أن سيطرة إسرائيل على الجزيرتين بعد حرب يونيو منحها أهمية استراتيجية في حرب أكتوبر، وهو ما انعكس في إصرارها على تقليل الوجود العسكري المصري في الجزيرتين، والتمسك بنشر قوات حفظ سلام فيهما ضمن اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، عقب إعادتهما لمصر بموجب الاتفاقية.
عبد الله الأشعل: إسرائيل استفادت من فقدان مصر سيادتها على تيران وصنافير
ونصت بنود اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية على أنه لا يمكن لمصر وضع قوات عسكرية على الجزيرتين، وأن تلتزم بضمان حرية الملاحة في الممر البحري الضيق، الذي يفصل بين جزيرة تيران والساحل المصري في سيناء.
والجزيرتان غير مأهولتين بالسكان، باستثناء وجود قوات تابعة للجيش المصري، وقوات حفظ السلام متعددة الجنسيات منذ العام 1982. وقرر السيسي في إبريل/ نيسان 2016 تسليم الجزيرتين للسعودية ليواجه معارضة شديدة، وصلت إلى حد اندلاع تظاهرات شعبية ضده.
وحول الأهمية الاستراتيجية لتيران وصنافير حالياً ومستقبلاً، أكد السفير السابق عبد الله الأشعل، صاحب كتاب "تيران وصنافير بين الحقائق والأساطير"، هذا الأمر بالنسبة لمصر، التي تتمتع بسواحل طويلة مطلة على البحرين الأحمر والمتوسط، بما يضاعف من حاجة مصر إليهما كقوة تأثير استراتيجي في المنطقة، أو في حال اندلاع نزاع مستقبلي مع إسرائيل.
خفض السطوة الجيواستراتيجية المصرية
ورأى أن إسرائيل استفادت من فقدان مصر سيادتها على تيران وصنافير عبر خفض السطوة الجيواستراتيجية المصرية من ناحية الجنوب، وفتح الممر المائي الضيق أمام إسرائيل في أوقات الحرب والسلم، فضلاً عن أن تحويل المياه الداخلية إلى دولية يمنع مصر من استخدام سلطاتها عليها كممر مائي مصري.
واعتبر الأشعل، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن القرار في ما يخص الجزيرتين والسيطرة عليهما بات في يد الرياض، التي تسيطر منفردة على مضيق تيران، خاصة إذا توصلت السعودية وإسرائيل إلى تفاهمات بشأن التطبيع، مشيراً إلى أن إسرائيل لم تعترض على نقل السيادة على الجزيرتين من مصر للسعودية.
وشرح الأشعل الأهمية الاستراتيجية للجزيرتين في حال الحرب والسلم، بالقول إنهما تسيطران على ثلاثة ممرات من خليج العقبة وإليه، الأول يقع بين ساحل سيناء وجزيرة تيران، وهو الأصلح للملاحة، ويبلغ عمقه 290 متراً، ويسمى ممر "إنتربرايز". وأوضح أن الثاني يقع أيضاً بين ساحل سيناء وجزيرة تيران، لكنه أقرب إلى الجزيرة، ويسمى ممر "غرافتون"، ويبلغ عمقه 73 متراً فقط، في حين يقع الثالث بين جزيرتي تيران وصنافير، ويبلغ عمقه 16 متراً فقط بشكل يجعل خسارة مصر كبيرة سلماً وحرباً نتيجة فقدان السيادة على هذين الممرين.