بات من شبه المؤكد، وفق دبلوماسيي حلف شمال الأطلسي "الناتو"، أن الدول الأعضاء في الحلف اتفقت على عدم اتخاذ قرار بشأن سحب قرابة 10 الآف جندي من أفغانستان بحلول 30 إبريل/نيسان المقبل، خلال اجتماع وزراء الدفاع يومي 17 و18 من هذا الشهر.
وبدلاً من ذلك، ستوجه مطالبات إلى حركة "طالبان" للحد من العنف وبذل المزيد من الجهود في مفاوضات السلام مع الحكومة من خلال "اتفاقية الدوحة". هذا التوجه دفع خبراء أمنيين وعسكريين في برلين للتحذير من تعريض عناصر البوندسفير (الجيش الألماني)، وباقي جنود الناتو، إلى هجمات جديدة من قبل "طالبان".
ورغم أن الإدارة الأميركية الجديدة لا تزال تدرس رسمياً إمكانية الانسحاب بحلول نهاية إبريل/نيسان المقبل، توقعت بعض التحليلات أن تميل "طالبان" لإنهاء مفاوضات السلام والاعتماد على حل عسكري للصراع، والتكهن بأن دول الناتو لا تريد توسيع عملياتها مرة أخرى في منطقة هندوكوش. ومن هذا المنطلق، لا تجب المغادرة إلا عندما تسمح الظروف بذلك، إذ لا يزال العنف الذي تسببه هجمات حركة "طالبان" يقوض عملية السلام.
وفي السياق، حذر مسؤولون عسكريون في لجنة الدفاع، وفق "شبيغل أونلاين"، من أن تستأنف "طالبان" هجماتها على قوات الناتو ومعسكراتها بسبب تعليق عملية الانسحاب، مشددين على أن الوضع سيكون محفوفاً بالمخاطر، بعد أن يصبح من المؤكد أن الحماية في حالات الطوارئ، أي عند مهاجمة المعسكرات، لن تصبح مضمونة بعد أن تخفض الولايات المتحدة قواتها إلى 2500 جندي واعتماد جميع دول الناتو على دعم الولايات المتحدة بالطائرات المقاتلة والطائرات بدون طيار.
هذا الواقع، شددت عليه وزيرة الدفاع الألمانية أخيراً في حديث صحافي، موضحة أن الجيش الألماني مستعد لسيناريوهات مختلفة، وهناك تنسيق وثيق مع الولايات المتحدة وحلف الناتو وشركائنا في العمل، وأن أي عملية تتجاوز هذا التاريخ، الذي تمت مناقشته بين أميركا و "طالبان"، يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الوضع الأمني، وسيتعين علينا بعد ذلك تعزيز حماية جنودنا أثناء القتال.
وفي السياق نفسه، لم يتردد أمين عام الناتو ينس ستولتنبرغ في القول لوكالة الأنباء الألمانية أن "الناتو يواجه معضلة، وهناك خطراً أياً كان ما نقرره، لأن قرار المغادرة سيعرضك لفقدان إنجازاتك، والبقاء يعرضنا للمزيد من القتل والعنف مرة أخرى".
وشدد في حديث، أمس الأحد، مع صحيفة "دي فيلت"، أنه لا يمكن الاستمرار إلى الأبد، لافتاً إلى أن أي دولة لا تريد من دول الناتو البقاء لفترة أطول من اللازم في أفغانستان. وحذر من أنه في حال الانسحاب، فإن البلد يمكن أن يصبح ملاذاً للإرهابيين، وأضاف رئيس الوزراء النرويجي السابق أن "الحل السياسي هو السبيل الوحيد لإنهاء الحرب".
إلى ذلك، برزت تعليقات إعلامية تفيد بأن إنهاء اتفاق الدوحة سوف يؤدي إلى حرب كبرى، بينها ما بينته قناة"بروزيين" الألمانية، وفيه أن الحلفاء يرون أن الخطر الأكبر يتمثل في أن تتولى "طالبان" السلطة في أفغانستان بعد وقت قصير من الانسحاب الكامل لقوات الناتو، مشيرين إلى أن مثل هذا التطور سيكون بمثابة ناقوس الموت للديمقراطية الفتية في أفغانستان والتقدم في حقوق المرأة أو حرية الإعلام والعنف ضد القضاة والأطباء.
وتشير التعليقات إلى أن الانسحاب سيقضي على ما أنجزته المهمة التي استمرت ما يقرب عقدين من الزمن، وأسفرت عن سقوط آلاف القتلى، فضلاً عن أن الانسحاب المنظم معقد للغاية ويمكن أن يستغرق شهرين على الأقل.
وأشارت الشبكة، وفقاً لدوائر التحالف، إلى أن المحاولات لا تزال جارية لإقناع "طالبان" بقبول تأجيل الموعد النهائي لسحب القوات، علماً أن "المتمردين"، وفق ما ذكرت "زو دويتشه تسايتونغ"، وجهوا رسالة إلى الاجتماع الوزاري القادم للناتو ومفادها أن "استمرار الاحتلال والحرب ليس من مصلحتكم ولا في مصلحة شعبنا. وكل من يسعى لإطالة أمد الحروب والاحتلال سيحاسب".
وأمام هذا، ذكرت "دي فيلت" أن على الرئيس بايدن ومعه أمين عام الحلف ووزير الخارجية الألماني ماس أن يطرحوا نفس السؤال الذي طرحه كيسنجر على نفسه ذات مرة، " كيف نخرج مرة أخرى من دون إذلال؟ وكما أنه يجب التعلم منه الدرس التالي: الحكومة تخسر طالما أنها لا تفوز، ويفوز المتمردون طالما أنهم لا يخسرون".
مع العلم، أنه، ووفق التقارير، فإن الحكومة الفدرالية تريد تمديد تفويض مهمة الجيش الألماني في أفغانستان خلال شهر مارس/آذار المقبل، ولكن فقط حتى نهاية العام 2021، على أن تُبقي الملف قيد المتابعة، لترى كيف ستقرر الولايات المتحدة وحلف الناتو مستقبلاً.
وكانت برلين خفضت عدد قواتها إلى الحد الأدنى وانسحبت القوات بالكامل من قندوز، ونقلت، خلال الأشهر الماضية، العتاد من مزار شريف في شمال البلاد إلى ألمانيا. كل ذلك بعد أن غابت التدريبات الفعلية للمجندين على الأرض بفعل تفشي جائحة كورونا، واقتصرت أخيراً المشورة العسكرية للجيش الألماني عبر الدردشة المرئية.
وتعود خلفية مناقشة الانسحاب في الناتو إلى اتفاق أبرمته الإدارة الأميركية مع "طالبان"بانسحاب جميع القوات الأجنبية في نهاية إبريل/نيسان 2021، مقابل وعد "طالبان" بإجراء محادثات سلام مع الحكومة وخفض كبير لمستوى العنف، إلا أنه ورغم بدء محادثات السلام خلال سبتمبر/أيلول الماضي، لا يزال الصراع مستمراً بوتيرة عالية.