أثارت التصريحات المتتالية لعدد من القوى السياسية في العراق، بشأن "تهديدات"، جدلاً واسعاً في البلاد، وسط مخاوف من أن تكون التهديدات متعلقة باستقرار المدن وأمنها، ودعوات للتحقيق في تلك التهديدات.
وعلى مدى ثلاثة أيام، كرّر زعيم "التيار الصدري"، مقتدى الصدر، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وعدد من أعضاء القوى السياسية المتحالفة مع الصدر، الحديث عن "تهديدات"، التي لم تكشف تفاصيلها.
وكان الصدر قد أعلن، أول من أمس الجمعة، تعرّض حلفائه وشركائه لـ"تهديدات"، داعياً مطلقيها الذين أسماهم "الوحوش الكاسرة"، إلى الكفّ عن هذا الأسلوب، مشدداً على أنه لن يقف مكتوف الأيدي إزاء ذلك. فيما تحدث رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الذي يتزعم كتلة سياسية متحالفة مع الصدر، بعد ذلك بساعات قليلة، عن تلك التهديدات، معتبراً أن هناك أجندات تحاول "كسر هيبة الدولة".
— محمد الحلبوسي (@AlHaLboosii) February 18, 2022
في بغداد، تحدث نائب عن التيار الصدري، لـ"العربي الجديد"، عن أن التهديدات التي يعنيها الصدر "كانت موجهة إلى الشركاء بالدرجة الأولى، من الكتل السياسية السُّنية والكردية".
وأضاف: "ينبغي العلم بأن الضغوط تحولت إلى تهديدات، يريدون من تلك القوى التخلي عن دعم الصدر في مشروع حكومة الأغلبية الوطنية"، مؤكداً أن الحكومة لديها علم بشأن تلك التهديدات التي هي من المؤكد ستكون على حساب الملف الأمني في العراق عموماً".
وقال النائب الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، بسبب منع الزعيم الديني مقتدى الصدر أعضاء تياره من الحديث لوسائل الإعلام وحصر المهمة بالهيئة السياسية التي عينها، أخيراً، إنّ "التهديدات طاولت أيضاً نواباً مستقلين وممثلي أقليات، بعدما أصبح وجودهم أقرب لمشروع الصدر منهم".
ورداً على سؤال الجهات التي تقف وراء تلك التهديدات، قال: "الجهات ذاتها التي تقصف المطارات والقواعد العسكرية والمنطقة الخضراء"، في إشارة إلى فصائل مسلحة يرتبط بعضها بقوى "الإطار التنسيقي"، التحالف الخصم للتيار الصدري.
وخلال الفترة الأخيرة، تعرضت مقارّ تابعة للقوى السياسية المتحالفة مع الصدر، (الحزب الديموقراطي الكردستاني وتحالف السيادة)، ومكاتب نوابها وقياداتها، للاستهداف مرات عدة، وكان آخرها استهداف مقر حركة "تقدم"، في مدينة هيت غربيّ العراق بقنبلة يدوية، أدت إلى أضرار مادية فقط.
تشكيك بصحة "التهديدات"
في المقابل، شكك تحالف "الإطار التنسيقي"، الذي يضم قوى سياسية حليفة لإيران، في تلك التهديدات، واعتبرها مرفوضة، داعياً إلى اللجوء إلى القضاء للتحقيق فيها.
وقال في بيان له بساعة متأخرة من ليلة أمس السبت، إنه يتابع التغريدات والتصريحات لبعض المسؤولين التي تشير إلى توجيه تهديدات ضد بعض الأطراف، مؤكداً أننا "في الوقت الذي ندعو فيه إلى التحقق من صحة ما ورد، فإننا من باب المسؤولية الوطنية والشرعية والأخلاقية نعلن وقوفنا معكم، ورفضنا لأي تهديد يصدر ضد أي مواطن ومن أي جهة كانت".
وشدد على أن "من الضروري، بل من الواجب التعاون مع القضاء والأجهزة الأمنية من أجل التصدي لهذه الأفعال الإجرامية بالطرق القانونية، إن صحّت، ومعاقبة مرتكبيها، وألا يقتصر الأمر على طرح الموضوع بالإعلام"، مؤكداً بقوله: "سنتابع بجد مع الجهاز القضائي التدقيق في الأدلة، إذا كانت متوافرة، وتدقيقها قضائياً".
وحذّر في الوقت ذاته "من استغلالها من أطراف معينة تريد إرباك الوضع وزيادة التعقيد، وجرّ البلد إلى الفتنة الداخلية".
"التهديدات" تنذر بعودة العنف
الباحث في الشأن السياسي العراقي، مجاهد الطائي، فسّر تلك التهديدات، على أنّها "إنذار بعودة العنف"، وقال الطائي: "حديث الصدر والحلبوسي عن تهديدات وصلت إليهم، ينذر بتفعيل ملف العنف والإرهاب السياسي المنظم من جديد، فمتى ما بقيت أدوات الإرهاب المنظم محصنة سياسياً ودينياً وعشائرياً وأمنياً، سيستمر خطر الانزلاق إلى الفوضى بأية لحظة. والحكومة في حالة تثاؤب!".
واليوم الأحد، نقلت تقارير صحافية محلية عراقية عن مصادر أمنية تأكيداتها تلقي نواب مستقلين وممثلي أحزاب صغيرة في البرلمان رسائل نصية على هواتفهم تطالبهم الابتعاد عن تأييد مشروع التيار الصدري، حيال "حكومة الأغلبية الوطنية".
وفي السياق، اعتبر الخبير بالشأن السياسي العراقي أحمد الحمداني، الحديث عن التهديدات بأنها "نتيجة متوقعة بعد قرار مفوضية الانتخابات قبول مشاركة فصائل مسلحة في الانتخابات عبر أجنحة سياسية أسستها حديثاً، مثل كتائب حزب الله وغيرها".
وأضاف الحمداني، لـ"العربي الجديد"، أن أخطر ما يواجه العملية السياسية في العراق بالوقت الحالي، دخول الفصائل المسلحة في معترك الأزمة الحالية، وهناك العديد من التحركات المسلحة التي نفذتها تلك الفصائل كانت بدوافع سياسية، أبرزها تحشيدها قبل أيام في بلدة الكرمة على مقربة من مقر إقامة رئيس البرلمان وأسرته".
وشدد على أن "الحكومة، والقضاء تحديداً، تترتب عليها مسؤوليات كبيرة في الحفاظ على العملية السياسية من التهديدات والابتزاز وفرض معادلات بناءً على قوة السلاح".