يدور جدل بين الأحزاب الألمانية حول مدى إمكانية أن يعقد استكمال مشروع خط أنابيب الغاز من روسيا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق والمعروف بـ"نورد ستريم 2" سياسات برلين الخارجية والاقتصادية مع واشنطن من جهة، الرافضة أساساً للمشروع حماية لمصالحها الخاصة، وموسكو من جهة ثانية.
ورغم أنها تخالف ألمانيا وأوروبا في العديد من الملفات، بينها أوكرانيا والأزمة السورية وبيلاروسيا والاعتقالات والممارسات التي تقدم عليها سلطة الكرملين، تعول ألمانيا على المشروع لغايات سياسية واقتصادية.
وفي السياق، اعتبر الكاتب دانيال بروسلر، في حديث لـصحيفة "زود دويتشه تسايتونغ"، أنّ المشروع يعتبر بالفعل "استثماراً مدمراً" لأنه يقوي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويغضب أميركا، ويجعل سياسة ألمانيا تجاه روسيا غير موثوقة، معتبرًا أن الثمن السياسي للمشروع "لم يعد مقبولاً بالنسبة للفائدة المزعومة منه، خاصة أنه من المشكوك فيه للغاية ما إذا كانت هناك حاجة للغاز الإضافي على الإطلاق"، وتابع: "كما أن هناك عملة تسمى المصداقية، إذ تتناقض انتقادات برلين للكرملين بعد تسميم المعارض أليكسي نافالني واعتقاله التعسفي مع تحييد "نورد ستريم 2" إلى نطاق موازٍ لا علاقة له بما يجري في روسيا بوتين".
وتشير بعض التعليقات إلى أن "نورد ستريم 2" يعد جزءاً من منظومة القوة الروسية ويعزز نظام بوتين، والتزام ألمانيا بخط الأنابيب في غاية الأهمية بالنسبة للكرملين، في وقت قد تواجه فيه ألمانيا كارثة مزدوجة: فقد يصبح خط الأنابيب أغلى أنبوب في التاريخ، ومن ناحية أخرى قد يفسد البداية الجديدة التي طال انتظارها مع الولايات المتحدة تحت إدارة جو بايدن، وليس من المؤكد أنه سيكون من السهل التوصل إلى اتفاق، لا سيما أنّ أميركا تفرض عقوبات على الشركات المشاركة في تنفيذ المشروع.
ودخل، اليوم السبت، المستشار السابق الاشتراكي غيرهارد شرودر على خط النقاش، ورفض، في حديث مع صحيفة "راينيشه بوست"، الدعوات إلى وقف مشروع خط أنابيب الغاز تحت بحر البلطيق، داعياً ألمانيا إلى أن تكون أقرب إلى روسيا، وقائلاً: "ليس علينا أن ننظر إلى روسيا كخصم، ولكن كشريك محتمل، وما يتم التعبير في الصحافة لا يعكس رأي المواطنين، وفي ضوء التخلص التدريجي من الطاقة النووية والفحم، يجب أن يضمن خط الأنابيب إمدادات الطاقة للجيل القادم".
في المقابل، دعا رئيس "الحزب الليبرالي الحر "كريستيان ليندنر، في حديث لـمجلة "دير شبيغل"، إلى وقف المزيد من أعمال البناء بالمشروع "ما دامت الحقوق الأساسية للإنسان والحقوق المدنية منتهكة في روسيا".
هذا الموقف يتفق معه أيضاً حزب "الخضر"، إذ دعت زعيمته أنالينا بربوك إلى إيقاف المشروع تماماً، وأبرزت لـ"استوديو إيه آر دي كابيتال" أنّ الخط يتعارض مع المصالح الاستراتيجية للأوروبيين، وهو موجه ضد أوكرانيا ورهان ضد أهداف المناخ الأوروبية، كما يتعارض مع جميع عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا".
بدوره، يؤيد رئيس حزب "الاجتماعي المسيحي" في بافاريا ماركوس سودر استكمال المشروع، فيما يحذر نائب كتلة "الاشتراكي الديمقراطي" أخيم بوست، في حديث لوكالة الأنباء الألمانية، من خلط النقاشات حول تحرك موسكو ضد نافالني وخط أنابيب "نورد ستريم 2".
وفي خضم ذلك، تكتب "فرانكفوتر ألغماينه" أنّ "إلغاء المشروع لن يؤدي إلى تغيير الطبيعة القمعية للنظام الروسي، ولن يجلب الحرية لنافالني، وأنه إذا أرادت ألمانيا فقط استيراد الطاقة من البلدان التي تتمتع بوضع لائق بشكل معقول لحقوق الإنسان، فستواجه مشكلة كبيرة".
تجدر الإشارة إلى أنّ المشروع يكتسب أهمية خاصة لبرلين ودول الاتحاد الأوروبي رغم الاستثمار في الطاقة المتجددة مع عدم توفر الغاز في دول التكتل القاري، حتى إنّ التقديرات تفيد بأنّ ألمانيا وخلال السنوات المقبلة ستكون بحاجة لكميات هائلة من الغاز الطبيعي، مع نيتها وقف استخدام الفحم بحلول العام 2038، عدا عن إغلاق ست محطات للطاقة النووية خلال العامين المقبلين، وفق ما ذكرت خبيرة شؤون الطاقة في مؤسسة العلوم والسياسة في برلين كيرستن فيستفال، في حديث لموقع "أن دي آر" الإخبارية.