أثارت دعوة زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، بشأن إعادة تفعيل "هيئة اجتثاث حزب البعث" جدلاً جديداً في العراق، لاسيما بعدما بدأ أعضاء كتلته في البرلمان بحراك واسع لتفعيل الملف، الأمر الذي قوبل بتحذير من قبل جهات سياسية، عدّت إثارة الملف بهذا الظرف بادرة خطيرة تهدد مساعي بناء الدولة.
وتسبب لقاء بثته قناة "العربية" مع ابنة الرئيس العراقي الأسبق، رغد صدام حسين، على شكل حلقات عدة لغطاً واسعاً في العراق، بعد أن لمحت إلى إمكانية مشاركتها في العمل السياسي بالعراق، وهو ما تم اعتباره من قبل كتل سياسية "تلميعاً"، من قبل القناة لـ"حزب البعث" ورموزه السابقة في العراق، مطالبين أيضاً بإغلاق "العربية" في بغداد.
وطيلة السنوات الماضية واجهت هيئة "اجتثاث حزب البعث"، التي تحولت في ما بعد إلى اسم "هيئة المساءلة والعدالة"، اتهامات واسعة بالانتقائية في إصدار أحكام الإقصاء أو الإقالة من المؤسسات والدوائر الرسمية، أو الإحالة للقضاء لمن شاركوا أو عملوا مع "حزب البعث" خلال فترة حكمة للبلاد منذ ستينيات القرن الماضي، ضم درجات (عضو فرقة وعضو شعبة صعوداً) فضلا عن اتهامات ممارسة الهيئة لدور سياسي في اجتثاث العديد من الشخصيات السياسية واقصائها من المشاركة في الانتخابات، استجابة لضغوط من قبل قوى مؤثرة بالساحة السياسية، رغم أن القانون الذي تم تأسيس الهيئة على أساسه عام 2005 منحها دوراً قضائياً.
ودعا الصدر، في وقت سابق الحكومة والبرلمان إلى تفعيل ورقة اجتثاث البعث الذي حذر من عودته إلى العراق مجدداً.
— مقتدى السيد محمد الصدر (@Mu_AlSadr) February 19, 2021
وبدأ النائب الأول لرئيس البرلمان، القيادي الصدري، حسن الكعبي، حراكاً بهذا الاتجاه، إذ دعا لاستضافة هيئة "المساءلة والعدالة" ودائرة شؤون الأحزاب بمفوضية الانتخابات، في البرلمان يوم غد الإثنين، لأجل تفعيل الهيئة والإجراءات القانونية والدستورية الخاصة بذلك، مشدداً على وسائل الإعلام بـ"تكثيف جهودها بإبراز المجازر لحقبة البعث"، وفقاً لقوله.
وقال في بيان: "استناداً لتوجيهات الصدر، والتي تعبر عن رغبة الشعب، بعدم عودة أي نظام دكتاتوري استبدادي متوحش، فقد وجهنا بالاستضافة، لبحث المواضيع ذات الصلة، أهمها تفعيل هيئة الاجتثاث والإجراءات القانونية والدستورية الخاصة بذلك، فضلاً عن تنشيط فقرات قانون حظر حزب البعث والكيانات والأحزاب والأنشطة العنصرية والإرهابية والتكفيرية، بضمنها منع شخوص البعث المنحل، من ممارسة أي نشاط سياسي وثقافي وفكري واجتماعي وتحت أي مسمى وبأي وسيلة من وسائل الإعلام".
القيادي في "التيار الصدري"، جعفر الموسوي، عقد أيضاً اجتماعاً لتعديل قانون هيئة المساءلة والعدالة، وفقاً لتوجيهات الصدر، وحضر الاجتماع نائب رئيس اللجنة القانونية البرلمانية النائب عن تحالف سائرون، محمد الغزي، والمستشار القانوني في البرلمان حازم الحفاظي.
ووفقاً لبيان الموسوي، فقد "بحث المجتمعون الأطر القانونية لتعديل قانون الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة، ليكون قانون الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث"، ومعتبرين أن "حزب البعث منظمة إرهابية، فضلاً عن اعتبار الترويج والتمجيد والانتماء له عملا إرهابيا يقع تحت طائلة قانون الإرهاب".
في مقابل ذلك، حذّر سياسيون من عودة العمل بالقوانين الانتقامية، والتي تؤثر سلباً على بناء الدولة، مؤكدين أن إثارة الملف دليل على فشل الأحزاب الحاكمة بإدارة البلد.
النائب عن تحالف الوطنية حسن شويرد، قال لـ"العربي الجديد"، إن "كل الكتل السياسية سعت سابقاً لتغيير ملامح قانون اجتثاث البعث، وإن القانون أصبح من القوانين التي يجب أن نفرغ منها، لأنه مضى عليه أكثر من 17 عاماً، فالموضوع حسم، ويجب أن يتحول إلى ملف قانوني بعيداً عن تصفية الحسابات والمناكفات السياسية"، مبيناً أنه "إذا كانت هناك تهم معينة ضدّ أشخاص معينين، فممكن أن يتم اللجوء إلى القضاء".
وأكد: "نحتاج إلى اجتثاث المسيئين الذين سرقوا العراق وتعاونوا مع جهات خارجية ضد البلد، لا تفعيل قوانين انتقامية"، مشيراً إلى أن "مشاكل العراق وأزماته اليوم أكبر من أن يتم حصرها بهذه الملفات الانتقامية الضيقة، والتقاطعات الحزبية والطائفية والقومية، في وقت تترك ملفات الموازنة والأزمة المالية وغيرها من دون حلول".
واستغرب "ترك العراق تحت تدخل كل الدول الإقليمية، والوضع الهش، وتحكم السياسيين الذين دخلوا من خارج الحدود، والمحسوبيات تلعب دورها، وإخراج الكفاءات من البلاد، وأن يتم الانشغال بقانون الاجتثاث وغيره والتي لا تصب بصالح البلد"، مؤكداً أن "هذا الحراك لا يمثل رؤية لبناء بلد".
وأشار إلى أنه "لو كانت الأحزاب الحاكمة نجحت بإدارة البلد وتقديم الخدمات وتحقيق الأمن وتحصين المال، فلا أحد في البلاد سيؤيد البعث، ولن تكون هناك أي مخاطر منه"، معتبراً أن "طرح الملف بهذا التوقيت غير مناسب، ويجب أن يبعد العراق عن الانتقام وتصفية الحسابات".
من جهته، اعتبر عضو التيار المدني في بغداد، علي السعدي، أن ظهور رغد صدام حسين "صب في صالح الأحزاب الحاكمة في البلاد اليوم والتي تخوف الناس من حقبة البعث رغم أن الحزب لم يعد إلا عنوانا بلا محتوى كون أصغر عنصر فعال فيه اليوم لا يقل عمره عن 60 عاماً فضلاً عن مغادرة العراقيين هذه الحقبة أساساً ولا فرصة لعودتها".
ورأى السعدي أن "الورقة ستكون مستخدمة للدعاية وتصفية الخصوم وكذلك تخويف الناس وحشدهم حتى على المستوى الطائفي"، متسائلاً عن سبب دفاعهم عن حزب البعث في سورية"، في إشارة إلى دعم أحزاب ومليشيات عراقية لنظام بشار الأسد.
وشكلت هيئة "اجتثاث البعث" عام 2005، ونص عليها الدستور العراقي، وعملت منذ بداية تأسيسها على متابعة ملفات المرشحين للانتخابات، فضلاً عن ملفات الموظفين والضباط الكبار والسياسيين، والأساتذة الجامعيين، واستطاعت أن تقصي الآلاف، بحجة الانتماء إلى الحزب المحظور في العراق.